متى نكف عن تقديس الإعلام الغربي ؟
كتب عبدالله بن بخيت في صحيفة عكاظ.
بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، ثم الهجوم الإسرائيلي على غزة، أصبح اللعب على المكشوف.
ثقافات وقيم تربينا عليها أزمنة حتى أصبحت في وعينا حقائق تكاد لا تقبل الدحض؛ أولى هذه القيم حرية الإعلام وحرية التعبير المقدسة في البلاد الغربية. في أول زيارة لبريطانيا كان أول شيء زرناه ووقفنا عليه ركن الخطباء في حديقة الهايد بارك بلندن. كنا نسمع عنه ثم سمعنا بأذاننا خطابات الخطباء في ذاك الركن الإعلامي الشهير. عرفنا أن من حقك أن تقف على جالون أو صندوق أو أي شيء يعلو بك على الآخرين وتقول كل ما تريد أن تقوله. تنتقد ملكة بريطانيا وتسخر منها ومن رئيس وزرائها وتنتقد الكنيسة وتنتقد حكومات العالم إذا شئت. صحب هذا إذاعة (هنا لندن) التي كان العرب ينتظرونها لتخبرهم بالحقائق التي تخفيها عنهم حكوماتهم، وعرفنا أن هذه الحرية العظيمة متوفرة أيضاً في الصحافة البريطانية والغربية على وجه العموم، فالقانون في الغرب يحمي حق التعبير المقدس.
من أهم الطرائف التي تداولناها قبل سنوات تلك الطُّرفة التي رواها الرئيس الأمريكي رولاند ريجان: أن مواطناً أمريكياً قال لمواطن روسي نحن في أمريكا نستطيع أن ننتقد الرئيس الأمريكي دون أن يعترضنا أحد، فرد عليه الروسي قائلاً ونحن أيضاً يحق لنا نقد الرئيس الأمريكي في روسيا دون أن يعترضنا أحد، فضحك الجمهور حتى بانت نواجذهم وضحكنا أيضاً.
لحظة دخول الجيش الروسي أوكرانيا فوجئنا برد فعل غربي بدا لنا غريباً. توحَّد الإعلام الغربي وأصبح ميكروفوناً واحداً، ثم توالت القرارات اللاغية للقيم التي تعودناها منهم، نسوا أن الرياضة لا علاقة لها بالسياسة، وتبين أن الاتحادات الرياضية هي أداة سياسية عند الحاجة، وأغلقوا أي منبر إعلامي يعبِّر عن وجهة النظر الروسية ونهبوا استثمارات المستثمرين الروس.
أما بعد حادثة 7 ديسمبر فأصبح اللعب على المكشوف، أسقطوا كل القيم ولم يستثنوا منها حتى قتل الأطفال، تنزل آلاف القنابل تدمر المستشفيات وتمسح المدارس من على وجه الأرض وتسحق كبار السن وتطارد الهاربين من الجحيم وتقتل الصحفيين. كل هذا صار اسمه في الإعلام الغربي دفاعاً عن النفس. فتأكد لكل من يريد أن يعرف الحقيقة أن الإعلام الغربي يديره جهاز واحد (حرفياً). نفس السؤال الذي يطرح في الـ(سي إن إن) يطرح في (فوكس نيوز) وفي الـ(بي بي سي) وغيرها من الميديا. صياغة السؤال واحدة ويجب أن يكون الجواب واحداً. يختفي عند اللزوم الفرق بين الإعلام الغربي وإعلام كوريا الشمالية الذي كنا ندينه معهم.
في مواجهة العقيدة الراسخة في عقولنا كنا نبرر ونغفر أي خروج على المبادئ من أي مسؤول غربي. تصدر أمريكا بيانات تنديد شديدة اللهجة ضد الصين أو روسيا أو زمبابوي والدول العربية شرقاً وغرباً. كانت انتهاكات حقوق الإنسان في دول العالم (غير الديموقراطية) توجع المؤسسات الغربية وتبكيها. كنا نؤيدها حسب الحاجة. إذا كانت موجهة ضد خصومنا أبرزناها وبروزناها، وإذا كانت موجهة ضدنا أبرزها خصومنا وبروزوها، وبهذا التبادل المستمر اكتسبت بيانات الدول الغربية المتعلقة بنا صدقية تكاد تصل إلى القدسية، وتطور الأمر حتى أصبحت تقارير الصحف الغربية عنا وعن خصومنا مرجعية ندعم بها آراءنا. تسمع من يقول بكل ثقة «النيويورك تايمز ذكرتها يا أخي» فيصمت الطرف الآخر مسلّماً طالما أوردتها الـ(نيويورك تايمز) أو (الواشنطن بوست) أو (الفرون بولسي) وحتى الـ(صن البريطانية).
متى نكف عن تأليه الإعلام الغربي.