مبادرة الجامعة العربية لاختراق الأزمة الليبية
كتب خالد أبو بكرخالد أبو بكر, في “الشروق” :
مع زحام الحوادث واندلاع القتال وتصاعد أعمدة النار والدخان فى العديد من الدول العربية.. من فلسطين إلى السودان إلى اليمن إلى سوريا والعراق.. كاد العرب أن ينسوا ليبيا، ذلك البلد العربى العزيز الذى ضربته الفوضى، بعد أن أطاحت انتفاضة مدعومة من حلف الناتو بالعقيد معمر القذافى، الذى حكم البلاد لأربعة عقود، وتجسد العنوان الأبرز لهذه الفوضى فى انقسام البلاد بين إدارتين متنافستين فى الشرق والغرب، مدعومتين من ميليشيات مارقة وتدخلات خارجية.
فشلت ليبيا فى إجراء انتخابات فى 24 ديسمبر 2021، ورفض رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة ــ الذى قاد حكومة انتقالية فى العاصمة طرابلس ــ التنحى عن منصبه. وردًا على ذلك، عيّن البرلمان فى شرق البلاد رئيس وزراء منافسا يحكم النصف الشرقى من البلاد، وهى الأزمة السياسية التى تخيّم على ليبيا فى اللحظة الراهنة، والتى على أثرها تعانى البلاد مترامية الأطراف والغنية بالنفط من انسداد سياسى، تراكم وتعزز مع انشغال الجميع بالأحداث الملتهبة على مسارح عربية أخرى، كما سبق القول.
هنا بالضبط يحسب للسيد أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية أنه لم ينس ليبيا فى زحام الحوادث واشتعال المسارح العربية بأعمدة الدخان والنيران، فدعا إلى عقد اجتماع ثلاثى فى مقر الجامعة العربية بالقاهرة يضم رئيس المجلس الرئاسى محمد المنفى، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، يوم الأحد الماضى، وجاءت هذه الدعوة «استشعارًا لمسئوليات الجامعة العربية الأصيلة تجاه هذا البلد العربى المهم، وفى هذا التوقيت الدقيق، وكمسعى لإخراج ليبيا من أزمتها التى طال أمدها، وتزايدت أعباؤها وتبعاتها» بحسب الناطق باسم الأمين العام.
وصف السيد أحمد أبو الغيط، فى مؤتمر صحفى مشترك مع المنفى وعقيلة صالح وتكالة، نتائج الاجتماع بأنها «إنجاز واضح.. وأنها إيجابية وفاقت توقعاته»، وعبَّر عن أمله فى أن «يجرى البناء على ما تحقق فى النقاط السبع الصادرة عن الاجتماع، وأن تنطلق ليبيا إلى دورها مجددًا».
تضمنت النقاط السبع: الاتفاق على «وجوب تشكيل حكومة موحدة تقود لإجراء الانتخابات الليبية وتقدم الخدمات الضرورية للمواطن»، كذلك التوافق على «سيادة ليبيا ووحدة أراضيها ورفض أى تدخل أجنبى فى شئونها». كما جرى الاتفاق على «توحيد المناصب السيادية بما يضمن تفعيل دورها المناط بها على مستوى الدولة الليبية»، ودعوة «بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا والمجتمع الدولى لدعم هذا التوافق فى سبيل إنجاحه». واتفق المجتمعون على عقد جولة ثانية بشكل عاجل لإتمام هذا الاتفاق ودخوله حيز التنفيذ.
سألت دبلوماسيا عربيا كبيرا واكب الاجتماع الذى ترأسه السيد أحمد أبوالغيط مع القادة الليبيين سؤالا محددا: هل أنت متفائل بشأن مخرجات هذا الاجتماع؟
أجاب قائلا: أولا: يجب أن نثمن بقوة توجه الجامعة العربية نحو اقتحام الملف الليبى الشائك وشديد التعقيد فى اللحظة الراهنة، بسبب تشابك المصالح فى هذا البلد العربى، فليبيا بما لديها من احتياطى نفطى هائل صارت ساحة تتنافس فيها وعليها قوى دولية وإقليمية.. فلكل من روسيا وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وعدد من الدول العربية موطئ قدم فى ذلك البلد العربى، بالإضافة إلى تنافس القادة المحليين الليبيين على عوائد النفط والسلطة.
كل هذا المشهد المعقد يجعل من تحرك الجامعة العربية وأمينها العام نحو اقتحام الأزمة الليبية فى محاولة لإنهاء الانقسام الذى طال أمده مبادرة مهمة وجسورة وتستحق دعم الأطراف العربية الفاعلة، ولعل مسارعة مصر والسعودية بمباركة مخرجات ذلك الاجتماع يعد من قبيل الدعم للجامعة وأمينها العام فى هذا الملف.
ثانيا: بخصوص مسألة التفاؤل دعنى أقول إن الروح الإيجابية بين القادة الليبيين الثلاثة خلال الاجتماع وانفتاحهم على بعضهم البعض يدعونا لأن لا نغلق باب التفاؤل.. وإن كان المسار برمته سيكون مرهونا بمدى قدرة هؤلاء القادة ــ والأجنحة التى يمثلونها ــ عن التخلى عن المصالح الضيقة لمصلحة ليبيا الموحدة ذات السيادة والاستقلال، وذلك كله سوف يتضح خلال المرحلة لمقبلة التى سوف تشهد عقد جولة ثانية لإتمام هذا الاتفاق ودخوله حيز التنفيذ.
كل الأمنيات الطيبة بأن تتحقق أمانى الشعب الليبى فى الوصول إلى دولة مستقرة موحدة تحقق صالح مواطنيها، وكل الدعم للجامعة العربية وأمينها العام فى جهودهم الحثيثة لاستعادة بلد عربى مهم وفاعل إلى الطريق الصحيح.