ما هو سقف الديون وهل سترفعه الولايات المتحدة؟
جاء في مقال في وكالة “بلومبرغ “:
عندما تسمع عبارة “سقف الديون” تشعر بالتقشف والتقييد، وكأنَّ هناك حداً أقصى للإنفاق الحكومي ممنوع تجاوزه. لكن في حقيقة الأمر، يؤثر هذا الحد الأقصى للاقتراض الحكومي الأميركي فقط على القدرة على سداد التزامات قائمة فعلاً، وليس من أجل الموافقة على أوجه جديدة للإنفاق. لكنَّه تحول مؤخراً إلى أزمة سياسية تنذر باحتمال عرقلة الأسواق المالية، إذ إنَّ الفشل في رفع السقف قد يؤدي في النهاية إلى تعثر في السداد لأول مرة على الإطلاق في بعض التزامات الحكومة الأميركية. وفي ظل ضيق الوقت، بالإضافة إلى تحذير وزيرة الخزانة الأميركية من احتمال وقوع “كارثة اقتصادية ومالية من صنع الولايات المتحدة”، أصبح سقف الديون موضوعاً لسياسة حافة الهاوية.
تقترب الولايات المتحدة بشكل خطير من السقف الحالي للديون الفيدرالية البالغ 31.4 تريليون دولار، وإذا وصلت لهذه المرحلة قد تفقد قدرتها على الوفاء بجميع التزامات السداد. تقول يلين إنَّ هذه اللحظة – التي تُعرف باسم اللحظة “س” (date-X)- يمكن أن تصل بحلول 1 يونيو المقبل. ومنذ منتصف يناير الماضي، تستخدم إدارتها ما يسمى بالإجراءات الاستثنائية – مثل وقف المساهمات المنتظمة لصندوق تقاعد الموظفين الفيدرالي- من أجل مواصلة سداد الديون وتأخير الدفع. وبمجرد استنفاد هذه الإجراءات؛ تصبح الخيارات أكثر صعوبة.
سيواجه عدد كبير من الأشخاص والكيانات ممن تدفع لهم الحكومة الأميركية أموالاً إجراءات لا يمكن تصورها عادةً، حيث ستشدد الولايات المتحدة الخناق عليهم (على الأقل لبعض الوقت). بما في ذلك متلقو مساعدات الضمان الاجتماعي وأفراد الجيش والعائلات التي لديها أطفال، فضلاً عن مقدّمي الرعاية الطبية، وحاملي سندات الخزانة، كما قد يقف تمويل الحكومة جزئياً.
سينتج عن التخلف في سداد أموال حاملي السندات عدة آثار متعاقبة، حيث ستخفض وكالات التصنيف الائتماني تصنيف ديون الحكومة الأميركية، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض للحكومة والشركات والأسر. ووفقاً لمجلس المستشارين الاقتصاديين؛ فإنَّ الاقتصاد الأميركي “سيتراجع بسرعة كبيرة، حيث يعتمد حجم الخسائر على طول فترة التخلف عن السداد. ومن المرجح أن يؤدي التعثر الممتد إلى أضرار جسيمة للاقتصاد، مع تراجع نمو الوظائف من وتيرته الحالية، وتحوله من تحقيق زيادات قوية إلى تراجع يصل إلى الملايين”. كما أنَّ مجرد الاقتراب الشديد من سقف الديون، كما حدث في 2011، قد يؤثر على التصنيف الائتماني للولايات المتحدة ويضر بثقة المستهلك.
أدى وضع سقف الديون في 1917 إلى تسهيل تمويل الحرب العالمية الأولى من خلال تجميع السندات مختلفة الفئات، مما خفف العبء المُلقى على عاتق الكونغرس
بشأن ضرورة الموافقة على كل سند على حدة. ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية في 1939؛ أنشأ الكونغرس أول سقف إجمالي للديون ومنح وزارة الخزانة مجالاً واسعاً بشأن السندات التي ستصدرها. كما يتيح رفع السقف للحكومة الاقتراض لتغطية الفجوة بين الإنفاق والضرائب التي وافق عليها الكونغرس بالفعل.
ارتفع سقف الديون بشكل متكرر دون حدوث عواقب سيئة حتى عام 1953. في ذلك العام، عُلقت الموافقة عليه بمجلس الشيوخ في محاولة لتقييد إنفاق الرئيس الأميركي آنذاك دوايت أيزنهاور، الذي طلب زيادة الأموال حتى يتمكّن من بناء نظام الطرق السريعة الوطنية. ومنذ ذلك الحين رُفع سقف الديون عشرات المرات، وكان ذلك يحدث عادة دون نشوب معركة سياسية عليه. على سبيل المثال؛ اتفق الحزبان على رفع سقف الديون في عهد الرئيس الجمهوري ترامب ، لكن على مدار ربع القرن الماضي تحوّل سقف الديون بشكل متزايد إلى سلاح حزبي.
كما كان رفع سقف الديون من بين أسباب الخلاف التي أدت إلى وقف تمويل الحكومة الفيدرالية في أواخر 1995 وأوائل عام 1996. ووقعت معركة أخرى بسببه في 2011، أدت إلى خفض مؤسسة “ستاندرد آند بورز” التصنيف الائتماني للحكومة الأميركية لأول مرة. كما تراجعت ثقة المستهلك، وهبطت تقييمات استطلاعات الرأي حول أداء الجمهوريين في الكونغرس، ثم تراجعت شعبية الرئيس الأميركي باراك أوباما آنذاك.
ووافق أوباما والكونغرس حينها على خفض الإنفاق بأكثر من تريليوني دولار على مدى عقد لإنهاء الأزمة. كما أدت مواجهة ثانية حول سقف الديون بين أوباما والجمهوريين في 2013 إلى تعليق سقف الديون لأول مرة.
يؤكد قادة كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين ضرورة رفع سقف الديون، لأنَّ الفجوة بين الإنفاق الحكومي والإيرادات كبيرة جداً. لكنَّ الجمهوريين، الذين سيطروا على مجلس النواب في الثالث من يناير الماضي، وألقوا باللوم في أزمة ارتفاع التضخم على زيادة الإنفاق خلال أول عامين من حكم الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن؛ يريدون الجمع بين زيادة سقف الديون وخفض الإنفاق. وفي 26 أبريل الماضي؛ أقرّ الجمهوريون في مجلس النواب مشروع قانون من شأنه رفع سقف الديون بنحو 1.5 تريليون دولار مقابل تخفيض عجز الميزانية بمقدار 4.8 تريليون دولار على مدى 10 سنوات.
وصف رئيس مجلس النواب، كيفين مكارثي، هذا القانون – الذي لا يحظى بفرصة كبيرة لتمريره في مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الديمقراطية بشكل منفرد- بأنَّه عرض أولي صُمم خصيصاً لإبرام صفقة مشروطة مع الرئيس بايدن، الذي قال من جهته إنَّ رفع سقف الديون غير قابل للتفاوض، ولا ينبغي أن يكون مرهوناً بأي إجراء آخر.
يقترح بعض خبراء الميزانية والمعلقين إلغاء سقف الديون، قائلين إنَّ معارك الكونغرس المتكررة حوله تزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي. ورُفضت مجموعة متنوعة من الأفكار للتحايل على هذا السقف من قبل الإدارات السابقة، بما في ذلك سك العملات المعدنية البلاتينية ووضعها في خزائن الاحتياطي الفيدرالي، أو الإعلان عن أنَّ سقف الدين يمثل انتهاكاً للتعديل الرابع عشر الذي يحظر التشكيك في الديون الفيدرالية. وهناك إحدى الأفكار التي حظيت بمزيد من الاهتمام في السنوات الأخيرة؛ وهي أن تصدر وزارة الخزانة سندات مميزة من خلال تقديم أسعار فائدة أعلى بكثير، وبالتالي؛ يقبل المستثمرون على شراء هذه السندات، ويوفرون السيولة النقدية اللازمة للحكومة، ولكن مع تقليص القيمة الاسمية للدين بغرض الإفلات من تجاوز سقف الديون. مع هذا؛ أصرت يلين ورئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، على أنَّ الكونغرس يجب أن يتخذ قراراً في هذا الصدد.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.