أبرزرأي

ما هو الرابط بين الحروب والضغوط النفسية؟

لينا الحصري زيلع

خاص رأي سياسي
 
التطورات الامنية والعسكرية الاخيرة في الاراضي الفلسطنية المحتلة وما تبعها من تداعيات جنوبا، ادت الى حالة من القلق والخوف لدى معظم اللبنانيين، وبالتالي الى ضغوط نفسية وجسدية، وذلك من خلال استمرارهم بمراقبة ما يجري من مستجدات “كل لحظة بلحظتها”، وانتظار ما يمكن ان تحمله الايام المقبلة لهم، خصوصا ان المآسي والازمات ومرارة الحروب لا تزال في ذاكرة فئة كبيرة من الشعب اللبناني، وهذا الامر ايقظ مجددا  الخوف لديهم وانعكس على نفسيات الكثير منهم، جراء المشاهد القاسية التي تُعرض على شاشات التلفزة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حتى ان البعض من الاشخاص بات يجد صعوبة في النوم مما دفعهم الى تناول بعض الادوية المهدئة  للراحة ولو قليلا.

وللاطلاع على هذا الواقع سأل موقع “رأي سياسي” المتخصص في علم النفس الاجتماعي الدكتور جان كلود الحصري عن الموضوع فقال: “لاحظنا في الأيام الأخيرة ومع تطور الاحداث في غزة وجنوب لبنان ظهور مشكلة الخوف عند اللبنانيين جراء هذه الاحداث، وهذا الخوف سيظهر على ثلاثة مراحل وهي: الزمن الحاضر، الزمن المتوسط والزمن البعيد.
ففي الزمن الحاضر نجد ان تأثير هذا الخوف يمكن مناقشته مع الأشخاص الذين يتعرضون لهذه المشكلة، وتحديد الواقع من خلال تفهمه واكتشافه من التغييرات التي يمكن ان نلمسها لدى الاولاد او حتى عند كبار السن، وباستطاعة عدد من الاختصاصيين والمربين والمعالجين حتى الاهل ضبط هذه الحالات، مع إمكانية ايجاد الحلول لمعظم الأسباب، خصوصا اننا اعتدنا في لبنان من خلال التجارب المأساوية على تجاوز المشاكل والأزمات بسرعة ملحوظة، حيث باستطاعة فئة كبيرة من الناس تخطي حالة الذعر والحزن خلال أيام او أسابيع في حال خفت وتيرة الاحداث”.
واضاف الدكتور الحصري: “اما المشكلة الحقيقية التي من الصعوبة معالجتها هي التي تظهر عند شريحة من الأشخاص ضمن الزمن المتوسط والبعيد، لانه في الزمن المتوسط تبقى الاحداث مطبوعة في الذاكرة وقد يتأثر فيها الشخص رغم انه يكون قد تأقلم معها في فترة من الفترات، ولكن عن اعادة اي حدث يرتبط باحداث سابقة ينتابه الخوف مجددا، وهنا نلاحظ بانه لا يزال يعاني من “صدمة” ما شاهده في وقت سابق ويكون لديه “فوبيا” من حصول اي حدث مماثل عن الذي تعرض اليه، وهذه الفئة تتأثر وتتفاعل بالأحداث وتصبح تشكل خطر على حياتهم وتفكيرهم وعلى صحتهم وعلاقاتهم مع عائلاتهم وحتى على قراراتهم، وقد تتطور لدى البعض لدرجة ان تصبح شبه مرض لديهم، لذلك فان معالجة هذه الحالات في حال تطورت تصبح صعبة”.
وشرح قائلا: “الدليل على ذلك ان الفئة التي عايشت الحروب الماضية لا سيما الذين تترواح أعمارهم ما بين ٤٥ و60 سنة تأثرت بما مرّ عليها من حروب وانعكس هذا الامر على حياتها حتى انها لم تستطع الخروج من اوجاع الماضي، بينما شريحة اخرى من الاعمار نفسها كانت اقوى واستطاعت التغلب على الخوف والمصائب واكملت حياتها بشكل طبيعي، لذلك فان هناك شخصيات مختلفة من البشر فمنهم من لديه إحساس مرهف يؤدي الى انهياره امام اي مشكلة حتى لو كانت صغيرة، بينما هناك فئة تستطيع المواجهة والسيطرة على المصائب مهما كانت كبيرة ويمكنها تحويل الازمات الى فرص جديدة للنجاح.”
واذ اعتبر الدكتور الحصري ان للبعد الروحي والديني تأثير إيجابي ايضا على الأشخاص لتخطي مشاكل الخوف والقلق، تحدث عن مرحلة الزمن البعيد التي تبقى الاحداث مهما مرّ عليها الزمن في الذاكرة الدفينة وفي اللاوعي، وقد تصل هذه الفئة لتصبح أحيانا فاقدة للتوازن بحيث تكون ردة الفعل لديها قوية جدا، كما يمكنها ان تنهار سريعا امام اي حدث مهما كان حجمه صغير، وهذه الحالة تنتشر بشكل ملحوظ لدى الجيل الذي نشأ خلال فترة الحرب، بحيث تصبح المعالجة غير سهلة، ولذلك علينا الإحاطة بهؤلاء الأشخاص والاهتمام بهم ومساعدتهم.
ورأى ان هناك فرقا صغيرا بين الإنسانية والاحساس مع معاناة الناس، وبين الانهيار الذي يتخطى التعاطف لدرجة الغرق في المشكلة،
وينصح الدكتور حصري الاهل بعدم ربط احاسيسهم بأحاسيس أولادهم، من خلال اعطائهم الاستقلالية وابعادهم عن مشاعر الخوف وعدم شعورهم بان من مسؤوليتهم حماية أهلهم، خصوصا ان الصغار في السن تكون نظرتهم للمآسي مختلفة عن نظرة الكبار.

اما بالنسبه للحلول فهو يعتبر انه من الضروري مرافقة الأشخاص الذين ينتابهم القلق من اجل اعطائهم الوعي، وتفسير للأحداث التي تحصل من دون نقل اي مشاعر تدعو الى الهلع، وكذلك اعطائهم الرجاء بانه باستطاعتنا تخطي الأزمات كما حصل في الفترات السابقة.
وختم الدكتور الحصري بإعطاء نصائح للمواطنين بالتوجه نحو الطبيعة وممارسة الأنشطة الرياضية، والتعامل مع الأشخاص الإيجابيين، والابتعاد قدر المستطاع عن وسائل التواصل الاجتماعي، وعن البرامج الإخبارية طالما ان لا يمكننا المساهمة في ايجاد الحلول للمشكلة، ومحاولة اشغال الفكر بالعمل للمحافظة على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية الإيجابية، وعلى الصحة الجسدية ايضاً من خلال الرياضة والغذاء، لانه من المعروف ان الضغوط النفسية تؤدي إلى مشاكل صحية مختلفة.

تزايد على طلب الادوية
 
وحول ما اذا كان هناك ازدياد على طلب ادوية الاعصاب المهدئة من قبل المواطنين تقول الصيدلانية لوما مشموشي لموقعنا: “في الحقيقة لوحظ خلال الأسابيع الماضية طلب متزايد على هذه الادوية، علما ان البعض منها لا يُسمح لنا ببيعها دون وصفة طبية، ومع ذلك هناك عدد كبير من المواطنين يطلبونها من خلال هذه الوصفة، مما يؤكد قيامهم بزيارة الأطباء الاختصاصيين، اضافة الى ان هناك العديد من الاشخاص يأتون للسؤال عن ادوية مهدئة خفيفة يمكننا تزويدهم بها، ولكن اللافت ان معظم الأشخاص الذين يطلبون هذه النوعية من الادوية يشكون من الخوف والقلق من ما يمكن ان يحصل،  وحتى ان البعض يشكوا لنا عدم استطاعته النوم”.
اضافت مشموشي:” نشير أيضا الى ان الحديث عن إمكانية نشوب حرب في لبنان دفعت العديد من المرضى، لاسيما الذين يعانون من امراض مزمنة على التهافت لشراء ادويتهم خوفا من انقطاعه او فقدانه”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى