ما حقيقة “الخوّة” التي فرضتها السلطة ؟
على الرغم من تطمينات الوزراء والتجار والمعنيين بالقطاع الصناعي، بأن الرسوم الجمركية لن تطال كافة السلع، وتالياً لن ترتفع أسعار شريحة واسعة من المواد الغذائية والاستهلاكية، إلا ان تطميناتهم لا تحاكي الواقع إذ أن الرسوم المستجدة ستطال جميع السلع من دون أي استثناء، إن بشكل مباشر أو غير مباشر. وليس هذا الإستنتاج افتراضياً أو تكذيباً إنما هو واقع المرحلة المقبلة التي تفضحها تصاريح المسؤولين المتناقضة، والتي يتعمّدون فيها إخفاء حقيقة أن السلطة فرضت “خوة” على كل المواد الإستهلاكية من دون مراعاة الأوضاع المعيشية التي يعانيها اللبنانيون منذ 3 سنوات وحتى اليوم.
ثلاثة رسوم مستجدة لا بد من تفنيدها للتحقق من شريحة السلع المستهدفة، وتالياً من صدقية وزيري الاقتصاد والصناعة اللذين يصران على أن الرسوم لن تطال الغالبية الساحقة من المواد الغذائية كما جاء في “المدن”.
الرسم الأول هو الدولار الجمركي الجديد المُحتسب على سعر 15000 ليرة للدولار وهذا الرسم سيلحق بحسب وزير الاقتصاد فقط بـ”30 إلى 35 في المئة من المواد الغذائية المستوردة” في حين ان من 70 إلى 75 في المئة منها معفي من الرسم الجمركي الجديد.
غير أن تلك المواد المعفية من الرسم الجمركي وإن لم يتم تحديدها حتى اللحظة، غير أنها ستتأثر أيضاً بالضريبة على القيمة المضافة TVA وهو ما لم ينكره الوزير نفسه. فماذا يعني ذلك؟
يعني أن المواد المعفية من الدولار الجمركي ستخضع حتماً للضريبة على القيمة المضافة أي 11 في المئة التي سيتم احتسابها وفق سعر صرف الدولار الجديد أي 15000 ليرة. وهو سبب كاف لرفع اسعارها بشكل ملحوظ.
وأكثر من ذلك، فالرسم الثاني وهو 3 في المئة المفروض حديثاً على السلع المستوردة الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة TVA فإنه سيلحق بالمواد الغذائية الخاضعة للـTVA والمعفية من الدولار الجمركي أي تلك الـ70 في المئة من المواد المستوردة التي ذكرها وزير الاقتصاد. وهذا عامل آخر سيدفع بأسعار كافة السلع بما فيها الغذائية إلى الارتفاع الكبير.
أما الرسم الثالث وهو 10 في المئة يُفرض على السلع المستوردة التي يُصنّع لها مثيل في لبنان وبكميات تكفي الاستهلاك المحلي، وتم فرض هذا الرسم انطلاقاً من حرص السلطة على دعم الصناعة اللبنانية. لكن السلطة نفسها لم تحدد حتى اليوم ماهية تلك الصناعات وحجم انتاجها. علماً أن لبنان يستورد ما لا يقل عن 80 في المئة من مواده الاستهلاكية، ولا ينتج أكثر من 20 في المئة بأحسن الأحوال من حجم استهلاكه، حتى أن المواد الغذائية المصنعة في لبنان تعتمد بشكل أساسي على مواد اولية مستوردة، بمعنى أنها هي الأخرى تتأثر بالدولار الجمركي الجديد وربما برسوم أخرى.
ولا ننسى أن الصناعيين لطالما اشتكوا من ارتفاع تكلفة الإنتاج خصوصاً لجهة الطاقة، مبرّرين بذلك ارتفاع أسعار المنتجات المصنعىة محلياً، حتى ان البعض منها تفوق أسعارها تلك المستوردة.
بالمحصلة تطال كافة الرسوم ومعها الدولار الجمركي بشكل مباشرة أو غير مباشر، القدرة المعيشية لفئات المجتمع كافة، فلا تفرق بين فقير أو ميسور، فالمواد الغذائية بمختلف أصنافها ومصادرها ستتأثر سلباً بالرسوم والضرائب الواردة في موازنة 2022 وسيتجلى ذلك في الايام المقبلة ارتفاعاً كبيراً بالاسعار، كما لا يمكن حصر الإستهلاك بالمواد الغذائية فقط، فموجة الغلاء ستلحق بباقي المواد الإستهلاكية.