ما حجم فائض سوق النفط في الربع الرابع؟

وكالة الطاقة الدولية وواشنطن تبالغان في تقديرات الزيادة في إنتاج خارج “أوبك+”
كتب أنس بن فيصل الحجي, في اندبندنت عربية:
الفائض الكبير الذي تتحدث عنه وكالة الطاقة الدولية والبنوك الاستثمارية لن يتحقق، وأي فائض في الأسواق في الربع الرابع هو الفائض الفصلي المعتاد. وقد تكون هناك مفاجآت في زيادة الإنتاج من البرازيل والولايات المتحدة، كما تتوقع وكالة الطاقة الدولية وأكثر، لكن يعوض عنها أن توقعاتها للطلب على النفط منخفضة بصورة كبيرة مما يعوض عن هذه المفاجآت.
التوقعات بانخفاض أسعار النفط منذ أبريل (نيسان) الماضي إلى الثلاثينيات والأربعينيات لم تتحقق، كما أن الحديث عن بلوغ الطلب العالمي على النفط قريباً بدأ بالتلاشي، إلا أن وكالة الطاقة الدولية لا تزال تتوقع فائضاً كبيراً لهذا العام وفائضاً تاريخياً في العام المقبل، كما يتوقع محللو البنوك الاستثمارية الكبيرة انخفاضاً ملحوظاً في أسعار النفط في الربع الرابع من هذا العام وفي العام المقبل.
وكنت أوضحت في مقال سابق كيف أن هذه التوقعات تضخم المعروض وتقلل من الطلب مقارنة بالواقع. ويركز المتشائمون الضوء على ارتفاع مخزونات النفط الصينية، مدعين أن الأسعار ستكون أقل من دون هذا التراكم، وأنها ستنخفض عند توقف الصين عن الإنتاج.
لا يختلف اثنان على أن الصين رفعت من مخزونها النفطي بصورة ملحوظة في الأشهر الأخيرة، لكن ما نشر في “بلومبيرغ” وغيرها أخيراً يشير إلى سوء فهم هذه البيانات، مما أدى إلى استنتاجات خاطئة. تشير بيانات شركة “كبلر” إلى ارتفاع مخزونات الصين النفطية بمقدار 104 ملايين برميل بين مارس (آذار) وأغسطس (آب)، وهذا ارتفاع ضخم. لكن لو نظرنا إلى التغير في الواردات والزيادة في إنتاج واستهلاك النفط في الصين، نستنتج أن هناك مشكلة كبيرة لأن هذه البيانات لا تدعم زيادة المخزونات بهذه الصورة، إذاً من أين أتت هذه الزيادة في المخزون؟
إذا نظرنا لبيانات صافي الواردات منذ بداية العام حتى الآن، فسنجد أن هناك انخفاضاً فيها، ومع ذلك نمت المخزونات خلال الفترة نفسها بمقدار 74 مليون برميل. وإذا نظرنا للبيانات منذ مارس، سنجد أن صافي الواردات ارتفع بمقدار 21.2 مليون برميل، لكن المخزونات زادت بمقدار 100.6 مليون برميل. من أين جاء هذا النفط؟
تعمل الصين على بناء مخزوناتها لخفض وارداتها المستقبلية من الطاقة المنقولة بحراً لأسباب استراتيجية كما ذكرت في مقال سابق، لكن الزيادة الفعلية أقل مما أوردته “بلومبيرغ” والمحللون. وينبع جزء من هذه الزيادة من “تعديلات” قامت بها وكالات الرصد بعد إدراج منشآت النفط التي لم تكن متتبعة سابقاً، كما أعلنت شركة “كبلر”. وهذا ينفي فكرة أن بناء المخزون الصيني قد عزز أسعار النفط بصورة كبيرة، التي كانت ستكون أقل لولا ذلك. كما أنه يدحض فكرة أن توقف الصين عن شراء المخزونات سيؤدي إلى انخفاض كبير في أسعار النفط. هذا يعني أن الوضع في الصين أقل تشاؤماً مما زعم.
أسواق النفط في عامي 2025 و2026
تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 0.74 مليون برميل يومياً عام 2025، وهو أقل بكثير من تقديرات “أوبك” البالغة 1.3 مليون برميل يومياً وتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية البالغة 0.9 مليون برميل يومياً. أما بالنسبة إلى عام 2026، فتتوقع وكالة الطاقة الدولية نمواً قدره 0.7 مليون برميل يومياً، أي نصف تقديرات “أوبك” البالغة 1.4 مليون برميل يومياً، وأقل بكثير من تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية البالغة 1.3 مليون برميل يومياً.
بالنسبة إلى المعروض، تتوقع وكالة الطاقة الدولية زيادة إمدادات النفط العالمية بمقدار 2.7 مليون برميل يومياً عام 2025 و2.1 مليون برميل يومياً عام 2026. كما تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية زيادات قدرها 2.3 مليون برميل يومياً عام 2025 و1.1 مليون برميل يومياً عام 2026.
تتوقع “أوبك” زيادة إنتاج السوائل النفطية من خارج “أوبك+” بمقدار 0.9 مليون برميل يومياً عام 2025، مقارنة بتوقعات وكالة الطاقة الدولية البالغة 1.4 مليون برميل يومياً وإدارة معلومات الطاقة الأميركية البالغة 1.6 مليون برميل يومياً. أما بالنسبة إلى عام 2026، فتتوقع “أوبك” نمواً في المعروض من خارج “أوبك+” قدره 0.7 مليون برميل يومياً، بينما تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمواً قدره 1.2 مليون برميل يومياً وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية نمواً قدره مليون برميل يومياً.
تقدر وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأميركية أن “أوبك+” يجب أن تخفض الإنتاج بمقدار 0.7 مليون برميل يومياً عام 2025 لمنع تراكم المخزون، بينما تتوقع “أوبك” الحاجة إلى زيادة الإنتاج بمقدار 0.4 مليون برميل يومياً لتجنب انخفاض المخزون. حتى الآن، بغض النظر عن دقة الأرقام، هناك دعم أكبر لتقدير “أوبك”، إذ لم تسفر زيادات الإنتاج السابقة عن انخفاض الأسعار.
ومن الواضح أن وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأميركية تبالغان في تقديرات الزيادة في إنتاج خارج “أوبك+”، كما أن تقديرهما للزيادة في الطلب منخفضة مقارنة بالواقع في 2025. أما في 2026، فتوقعات وكالة الطاقة للمعروض عالية وقد تكون تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية أقرب للصحة حيث ترى أن المعروض سيزيد بنحو مليون برميل يومياً.
أسواق النفط في الربع الرابع
من المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على النفط في الربع الرابع على أساس سنوي، وذلك وفقاً لكل التوقعات من الجهات المختلفة. وعلى رغم اختلاف تقديرات النمو لعام 2025، فإن توقعات الربع الرابع متشابهة: تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمواً قدره 0.9 مليون برميل يومياً، بينما تتوقع “أوبك” وإدارة معلومات الطاقة الأميركية نمواً قدره مليون برميل يومياً. تتوقع جميع المنظمات نمواً في إمدادات الدول غير الأعضاء في “أوبك+” في الربع الرابع على أساس سنوي، مع اختلاف التوقعات: تتوقع وكالة الطاقة الدولية 1.8 مليون برميل يومياً، وإدارة معلومات الطاقة الأميركية 1.7 مليون برميل يومياً، و”أوبك” 0.7 مليون برميل يومياً.
يعكس الفرق بين الطلب العالمي على النفط وتقديرات إمدادات الدول غير الأعضاء في “أوبك+” التوقعات في شأن المنظمة وتغيرات المخزونات. وفقاً لتوقعات وكالة الطاقة الدولية فإن على دول “أوبك+” خفض الإنتاج بمقدار 0.9 مليون برميل يومياً، وإلا سترتفع المخزونات. توافق إدارة معلومات الطاقة الأميركية على ذلك، لكنها تقدر التخفيض المطلوب بـ0.4 مليون برميل يومياً. في المقابل، تعتقد “أوبك” أنه ينبغي عليها زيادة الإنتاج بمقدار 200 ألف برميل يومياً، وإلا ستنخفض المخزونات.
ولو نظرنا إلى إنتاج “أوبك” في أغسطس، وهي آخر بيانات متوافرة، نجد أن إنتاج “أوبك+” 42.4 مليون برميل يومياً، وهذا أقل مما تتوقع “أوبك” أنه يجب عليها أن تنتجه لمنع المخزونات من الانخفاض بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً. هذا يفسر سبب قيام مجموعة الثمانية بإعادة التخفيضات الطوعية بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً إلى السوق، ثم تسريعها، والبدء بإعادة التخفيضات الطوعية الأخرى المقدرة بـ1.65 مليون برميل يومياً ابتداء من أكتوبر.
خلاصة القول، إن الفائض الكبير الذي تتحدث عنه وكالة الطاقة الدولية والبنوك الاستثمارية لن يتحقق، وأي فائض في الأسواق في الربع الرابع هو الفائض الفصلي المعتاد. وقد يكون هناك مفاجآت في زيادة الإنتاج من البرازيل والولايات المتحدة، كما تتوقع وكالة الطاقة الدولية وأكثر، لكن يعوض عنها أن توقعاتها للطلب على النفط منخفضة بصورة كبيرة مما يعوض عن هذه المفاجآت.