رأي

ما بالكم أيها العرب وكيف تحكمون؟

جاء في مقال للكاتب الفلسطيني خالد شحام في صحيفة “رأي اليوم”:

تجنبت لفترة ليست بالقصيرة الكتابة أو التعبير عما يجول في خاطري في أية مناسبة أو يوم يمثل قيمة عند العرب مثل الأعياد  ومناسبات الإسراء والمعراج أو يوم الأرض او الميلاد النبوي أو يوم القدس أو الأم أو المعلم  لأنني وبكل بساطة لا أرغب في التحول إلى أضحوكة أمام القدس و الأرض أو فلسطين أو الشهداء أو تلك القائمة الحية المقيمة في صدر السماء و التي ترصد كل أفعالنا وتراقب تحركاتنا في منطقة الاختبارالتاريخي .

مضى يوم الجمعة الفائت ونحن نراقب عبر شاشات الفضائيات الاحتفاليات التي أقامتها المقاومة الفلسطينية في مدن مختلفة بمناسبة يوم القدس العالمي والتفاعلات الفتاتية  الخجولة التي سادت العواصم والشعوب  العربية استجابة لهذه المناسبة ، يوم القدس  الذي يفترض أن تكون فيه كل الشعوب العربية صفا واحدا لولا أن أمسك على قلوبها بالعصا الغليظة وجزرة قوم موسى .

لماذا أصبحنا  نشعر بالخجل من تلك المناسبات ؟ الجواب المرصع بالقهر هو أن الحكم العربي تمكن من تحويل كل يوم من هذه الأيام إلى ضده بالضبط ، إلى جرعة من ألم ومناسبة للإنقلاب على الشيء الذين يحتفلون به وتحويله إلى مسخرة في ضمير الشعوب التي يأست من كل شيء وفقدت طعم كل شيء لأن طعم الإفقار والإذلال المعيشي وقهر السياسة طغى على  طعم هذه المناسبات وهنا يأتي المعنى الحقيقي للكتابة لاعادة احياء الشيء الجوهري والوقوف ضد هذا التهجير القسري للعقل العربي عن القضايا الجوهرية  ، الاحتفاليات والمناسبات الحقيقية التي تشغل الفراغ العربي وبالطريقة التي تريدها منهجية المرحلة تتمثل في احتفالات مصغرة لكل يوم بالظفر ببعض الخبز أو تسديد فواتير الحياة أو انتهاء الأقساط أو الإفلات من عقوبة أو البقاء لسنة آخرى على قيد الحياة  ، في جانب آخر من الصحراء العربية يتم الاحتفال بيوم الإبل أو عيد الصنم أو الاستقلال الوطني عن الإسلام والعروبة أو افتتاح مرقص ضخم على سعة الامة العربية للإعلان عن أكبر ردة ،  هذه هي الاحتفالات الحقيقية التي تسود بلاد العروبة وهذه هي مناسباتنا التي تحولت إلى علب ألمنيوم فارغة شربها المتألمون بمعية عدم سعادتهم بتلك الاحتفاليات ، لكن الحقيقة الرابضة تقول بأن دماء الأيام تطارد الكلمات طيلة الليل وليس بمقدور هذا الوعي البسيط أن يهرب من وجه القائمة الحانقة.

الريموت كونترول الصادق للأمة العربية تم تحويره عبر سنوات التغريب والعولمة والانسحاب التدريجي من المسؤوليات التاريخية  وبدلا من أن تكون كبسات هذا الريموت أشياء مقيمة في الوجدان مثل يوم الأرض ويوم القدس ويوم الميلاد النبوي ويوم احتلال العراق ويوم سرقة النيل ويوم بيروت  تحورت الكبسات وأصبحت الشعوب تساق وتُحَرك بالريموت كونترول  من خلال الضغط على مفتاح الطحين أو السكر أو البنزين أو الوظيفة أو العشيرة أو القبيلة أو التخويف من بعضها البعض وإثارة الشمالي على الجنوبي وذي الأصول المكسيكية على ذي الأصول الاندلسية وتخويف المسحوقين من نفاذ الرز والزيت والأمان ، ولهذا السبب فسدت الحياة وتحولت معيشتنا الى جحيم ولم نعد قادرين على التوفق في شيء إلا الخسارات المتتالية ، عندما تم نسيان القدس بالتحديد فقد كل العرب بوصلتهم وتحولت الحياة والسياسة والدول الى متاهة كبيرة لا مخرج منها ، عندما ضاعت بوصلة القدس راح العرب يبحثون مع ديدان الأرض عن نصر جديد  وتحولت عقيدتهم القتالية الى بيع  الفراخ  ولعب  البوكر مع أعدائهم  ، لقد تحولوا الى دعاة تسامح مع قتلة الانبياء وصارت القمم العربية تعقد في المقاهي بصحبة المعسل والشيشة ومشروب الأعشاب الاسرائيلية ،  ولهذا السبب قبلوا بتدمير العراق ونهب لبنان وحرق اليمن وسوريا ولهذا السبب  يجري تعطيش مصر واشعال الفتنة في السودان وصارت اسرائيل عاصمة الخلفاء الجدد ، عندما ضاعت القدس فقد العرب عقولهم وصرنا مضرب المثل في الخيانة والوضاعة وصار رجل عصابة مثل نتانياهو يأمر ويرسم في عواصمنا وبدأت أعراض مرضية بالظهور مثل بن زفير وأهل الكهف وجماعة قوس قزح ولم نعد نميز بين الحاكم أو ممثل هوليوود أيهما أكثر براعة في التمثيل .

هل بقي أي يوم للقدس أو من يسأل أو يحفل بها ؟ هل نحن بحاجة ليوم للقدس وهي مفقودة إلى الأبد  أو هي قاب قوسين أو أدنى من الابتلاع الكامل  ؟  هكذا يسأل قطاع عريض من المرجفين وقاطعي طريق الأمل وآكلي صيد يوم السبت  ، هل بقي أي يوم للقدس القديمة  والأعراب يتجهون الى بوابات المستقبل ودخلوا الحضارة من اوسع ابوابها ؟

لا نعلم بالضبط من هو أو من هي الدولة العربية التي تحاول صناعة التاريخ العربي الجديد من خلال جمع الكل في الشباك الاسرائيلية ولا نعلم بالضبط من يلعب الثلاث ورقات في لبنان أو في السودان أو ليبيا أو اليمن أو فلسطين وغيرها  ولكننا ندرك تماما بأنه يتدين بالعبرية لأن هذا التاريخ الذي تتم صناعته مكتوب بالعبرية ! وندرك أيضا أن ممحاة هذا  التاريخ المزور تكمن وتقيم في  القدس رغما عن كل التمويه .

هل نحن بحاجة ليوم  القدس إذا بعد كل هذا الهراء العربي ؟

نعم نحن بحاجة الى يوم القدس لأن العرب دخلوا القرن الحادي والعشرين وسرقوا النبيذ من قصر الخطيئة وركبوا سفينة ابن نوح الذاهبة نحو الهاوية ولن يوقظهم شيء إلا هي  ، هل نحن بحاجة ليوم القدس ؟ نعم نحن بحاجة له لنقول للعرب وكل أمة العرب الشريفة بأن هذا هو دليلكم وهذه هي منارتكم وهذا هو دربكم الأول والأخير وما عداه الباطل وكل من سار على دربها فهو أمن وكل من دخلها فهو آمن وكل من مات أو قتل على عهدها فهو شهيد خالد.

هل نحن بحاجة ليوم للقدس ؟ نعم لأن سيف القدس أحيتنا بعد الممات وأثبتت أن سحر القدس فاعل ومبيد حتى بعد  الثمانمائة وست وثلاثين سنة من المعركة الخالدة ، نعم لأن إسم القدس وحده يكفي لكي تتزل الملائكة في معاركنا الحقيقية وليس في جبال أفغانستان ولا في الشيشان .

ما بالكم أيها العرب ؟ هل القدس مسجد ومتوضأ يستحي منه المحدثون من ثوار الناتو وجماعة أوسلو وشلة مدن التعري  وجماعة البحث عن مدن التسامح والتعايش ؟  هذه  أرض الله المقدسة التي بارك الله فيها ومن حولها ، هذه هي معجزة التاريخ الحية  التي لا يزال الكون يتبارك بها ويقدس سرها ، هذه روح  صلاح الدين وعمر بن الخطاب الذي لا يموت ، هذه هي معنى حياتكم ورمز كرامتكم ، هذه هي التي تعطيكم شرعية وجودكم ، ما بالكم أيها العرب وكيف تحكمون ؟ ام لكم كتاب فيه تقرأون ؟ أم عند الحاخام تتعمدون ؟

لا تهمنا كل التحركات السياسية وقراءة خارطة توزيع اللعب الآنية حول القدس لأن المعركة حولها أزلية وكبيرة بحجم الرسالة العربية بكل أطيافها  ، ما يهمنا هو التذكير والتأكيد على ثبات الأطر والحقائق التي تضعنا جميعا في حجم المسؤولية والوقوف في داخل أرواحنا وذواتنا بانتظار لحظة النداء ، ما يهمنا هو أن تبقى نفوس وذاكرة هذه الشعوب حاضرة ومتلقية للحظة المناسبة التي لن تطول كثيرا حتى لو كانت كل أطرافنا في السجن الكبير، القدس لا يهمها نتانياهو الناطق بالعبرية ولا الثاني الناطق بالعربية ولا الثالث الناطق بالإنجليزية ولا الرابع الناطق بالفرنسية ولا يهمها كل هذا الذباب المستقطب من أصقاع الأرض ليطأ أرضها ، لا يهمها نوم الشعوب المارقة في دورة مئوية أو ألفية ، القدس لا يهمها كل هذا العبث ولا كل هذه العدمية لأن لديها ضمانة فائقة لا مخلف لها ، ضمانة من رب العالمين الذي لا يخلف وعده بأنها مُحَررة  حُرَّة ، وعد بإنهاء العلو الكبير والاستخلاف الحقيقي للبقية الباقية الصالحة  من العرب المؤمنين الذين ستتشرف وتتقدس أسماؤهم  بأن تدخلها مرفوعة الرأس دامية اليدين باكية العينين فرحة بما أتاها الله من نصره .

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى