شؤون دولية

ما التعديل 14 الذي يهدد بعدم أهلية ترمب للرئاسة؟

لا يبدو أن مشكلات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب القانونية والاتهامات الـ91 التي تواجهه في أربع قضايا مختلفة لن تكون وحدها ما يهدد فرصه لاستعادة البيت الأبيض، فقد بدأ عدد من الناشطين ومسؤولي الانتخابات، وبعضهم جمهوريون، في رفع دعاوى قانونية لاستبعاد ترمب من الترشح للانتخابات في عدد من الولايات بل وعلى المستوى الفيدرالي بموجب التعديل الـ14 من الدستور الأميركي على اعتبار أنه تمرد على الحكم يوم السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، غير أن هذه المحاولات ستجد طريقها على الأرجح إلى المحكمة العليا الأميركية التي ستقرر في النهاية ما إذا كان ترمب مؤهلاً لخوض انتخابات الرئاسة، فما التعديل الـ14 المعني بمسألة التمرد، ولماذا يختلف فقهاء القانون حول تفسيره، وما طبيعة الضرر الذي يمكن أن يلحق بترمب؟

حملة دعاوى جديدة

على رغم أن فكرة الاستناد إلى التعديل الـ14 من الدستور لوصم الرئيس السابق بأنه تمرد خلال أحداث السادس من يناير 2021، ومن ثم يصبح غير مؤهل للترشح للرئاسة، هي فكرة أثيرت من قبل على استحياء، فإنها اكتسبت خلال الأيام القليلة الماضية زخماً كبيراً وبدت كواقع جديد لا يقل إثارة عن القضايا الأربع ضد الرئيس السابق، فقد رفع جون أنتوني كاسترو، وهو مرشح رئاسي جمهوري سابق، دعوى قضائية في ولاية نيو هامبشاير زاعماً أن ترمب انتهك التعديل الـ14 من الدستور. وطالب بحسب موقع “بوليتيكو”، بإصدار أمر قضائي يجبر سكرتير الولاية (وهو الشخص المسؤول عن إدارة الانتخابات) على استبعاد اسم ترمب من ورقة الاقتراع، وفي ولاية فلوريدا، رفع محام دعوى قضائية ضد ترمب في محكمة فيدرالية سعياً لحرمانه من الترشح للرئاسة استناداً إلى التعديل الدستوري ذاته.

وفي ميشيغان، رفع روبرت ديفيس المعروف على نطاق واسع في الولاية كناشط يقاضي سياسيين في الولاية، بشكل متكرر، دعوى قضائية، الأسبوع الماضي، تحث سكرتيرة الولاية جوسلين بنسون على إعلان أن ترمب غير مؤهل للترشح لمنصب الرئاسة، بينما بدأ مسؤولو الانتخابات في عدد من الولايات ومنها نيو هامبشاير وميشيغان وأريزونا وبنسلفانيا وجورجيا ونيفادا ومين في مناقشة التحديات القانونية حول مسألة ترشيح ترمب والجدل حولها، بل إن بعضهم بدأ اتخاذ خطوات للتحضير لإمكانية إدارة الانتخابات من دون المرشح الأوفر حظاً حالياً بين مرشحي الحزب الجمهوري.

خائفون حتى الموت

وفي مقابلة مع شبكة “أي بي سي نيوز”، قالت بنسون، وهي ديمقراطية، إن المشاورات بين مسؤولي الانتخابات في هذه الولايات بدأت منذ أكثر من عام حول الاستعداد للطعن القانوني في ترشيح ترمب، وهم يدركون أن القرارات التي يتخذونها قد تكون في بعض الحالات هي الأولى، ولكنها لن تكون الأخيرة، ولهذا فهي تعتقد أن الأميركيين في حاجة إلى الاستعداد لأن تكون هذه قضية مستمرة ومتطورة طوال الانتخابات، لكنها أوضحت أيضاً أنه من السابق لأوانه اتخاذ قرار في شأن ما إذا كان ترمب سيظهر في بطاقة الاقتراع في ميشيغان.

وفي وقت نفى ترمب أي تورط له في الهجوم على مبنى “الكابيتول” يوم السادس من يناير 2021، قال المتحدث باسم حملة ترمب ستيفن تشونغ، إن الرئيس جو بايدن والديمقراطيين خائفون حتى الموت لأنهم يرون استطلاعات الرأي تظهر فوز الرئيس ترمب في الانتخابات العامة المقررة 2024.

معركة نائمة

غير أن المعركة القانونية النائمة حتى الآن حول أهلية ترمب للترشح، يمكن أن تحدد انتخابات عام 2024، لأنه إذا كان الرئيس السابق يريد أن يكون اسمه على بطاقة الاقتراع، العام المقبل، في جميع الولايات الـ50، فقد يضطر أولاً إلى الفوز في هذه المعركة غير المسبوقة في قاعة المحكمة حول “بند التمرد” في التعديل الـ14، الذي من شأنه أن يحرم ترمب من تولي منصبه مرة أخرى بسبب محاولاته تقويض انتخابات عام 2020 ودوره في تأجيج الهجوم على مبنى “الكابيتول” وفقاً للمتقدمين بالطعون القانونية ضد ترمب.

لكن هناك طريقتين يمكن من خلالهما اختبار النظرية، الأولى بدأت بالفعل من خلال قيام سياسيين أو ناشطين أو حتى ناخبين عاديين برفع دعاوى قضائية للحصول على حكم قضائي يفيد بأن ترمب غير مؤهل للترشح، أما الثانية، وهي الأكثر خطورة من الناحية السياسية، فهو أن تتبنى ولاية واحدة أو أكثر النظرية بشكل كامل وترفض ببساطة إدراج ترمب في بطاقات الاقتراع الخاصة بها، حينها سيجبر ترمب على رفع دعاوى قضائية خاصة به يطلب فيها من المحاكم أن تأمر باستعادة ترشيحه في تلك الولايات.

ويمكن لأي من الطريقتين أن تدفعا المحاكم، وبخاصة المحكمة العليا، إلى نقاش غير مستقر حول معنى بند التمرد في التعديل الـ14 من الدستور الأميركي، وهو بند طويل مكون من 110 كلمات تم التصديق عليه، عام 1868، بعد نهاية الحرب الأهلية الأميركية، ونادراً ما تم تفسيره أو حتى الاستشهاد به منذ ذلك الحين.

ما بند التمرد؟

ينص البند المدرج في المادة الثالثة من التعديل الـ14، على أن أي شخص شارك في التمرد بعد أداء اليمين للدفاع عن الدستور يمنع من تولي أي منصب عام، لكن عندما تمت صياغة هذا التعديل بعد الحرب الأهلية، كان البند يهدف إلى منع الولايات الجنوبية من انتخاب ضباط سابقين كونفيدراليين للكونغرس.

وجاء في النص أنه “لا يجوز لأي شخص أن يكون عضواً في مجلس الشيوخ أو الكونغرس (مجلس النواب)، أو مرشحاً لمنصب الرئيس أو نائبه، أو يشغل أي منصب مدني أو عسكري، في الولايات المتحدة، أو في أي ولاية، بعد أن يكون قد أدى اليمين سابقاً لدعم دستور الولايات المتحدة، بصفته عضواً في الكونغرس، أو كموظف في الولايات المتحدة، أو كعضو في أي مجلس تشريعي لولاية، أو كموظف تنفيذي أو قضائي في أي ولاية، أن يكون قد انخرط في تمرد، أو قدم مساعدات للأعداء، لكن يجوز للكونغرس إزالة هذا المنع، بتصويت ثلثي أعضاء كل من المجلسين على ذلك”.

ووفقاً للباحثين القانونيين الذين يجادلون بأن هذا البند ينطبق على ترمب، فإن فقدان الأهلية ينفذ ذاتياً، ما يعني أنه ينطبق تلقائياً على كل من يستوفي المعايير الموضحة في التعديل ولا يتطلب عنصراً آخر، مثل وجود إدانة جنائية مرتبطة بقضية التمرد، وأن الطريقة الوحيدة للتغلب على عدم الأهلية هي أن يمنح الكونغرس العفو بغالبية الثلثين في كل من المجلسين.

من يؤيد النظرية؟

يعتقد عديد من فقهاء القانون الدستوري أن التعديل الـ14 يجعل ترمب غير مؤهل لتولي منصب الرئيس مرة أخرى، فقد كتب أستاذا القانون ويليام بود ومايكل ستوكس بولسن، وهما من التيار المحافظ، مقالاً في مجلة “مراجعة قانونية” بجامعة “بنسلفانيا” يجادلون فيه بأن المقصود من هذا البند هو توسيع نطاق السلوك التشاركي المتعمد باعتباره مؤهلاً للانخراط في التمرد، ولهذا يقولون إن تصرفات ترمب، بخاصة جهوده للضغط على نائب الرئيس آنذاك مايك بنس لمنع فرز الأصوات الانتخابية وخطاب ترمب الملتهب الذي شجع أنصاره على السير إلى مبنى “الكابيتول” في السادس من يناير، من شأنها أن تلبي المعيار بوضوح.

كما يتفق القاضي الفيدرالي المحافظ السابق جيه مايكل لوتيغ، وأستاذ القانون الدستوري في جامعة “هارفرد” لورنس ترايب، مع هذا الرأي إذ كتبا في صحيفة “ذا أتلانتيك”، في أغسطس (آب) الماضي، أن جهود الرئيس السابق لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020، والهجوم على مبنى “الكابيتول” الأميركي، تضعه بشكل مباشر ضمن نطاق بند عدم الأهلية، بالتالي فهو غير مؤهل للعمل كرئيس مرة أخرى إلى الأبد.

ما الحجج المضادة؟

ولا يتفق جميع علماء القانون مع هذه التفسيرات للبند الثالث من التعديل الدستوري الـ14، إذ يقول المتشككون، إن تفسيرات المؤيدين للنظرية تتبنى تعريفات فضفاضة للغاية للغة التعديل الـ14، ويقولون بدلاً من ذلك أن نظام العدالة الجنائية هو آلية التنفيذ المناسبة لمنع أي شخص شارك في التمرد من تولي منصبه.

وعلى سبيل المثال، حذر الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة “ستانفورد” مايكل ماكونيل، من التفسير الواسع والفضفاض للغاية لهذا البند، مقترحاً أن مصطلح “التمرد” يجب أن ينطبق فقط على أخطر الانتفاضات ضد الحكومة، مثل الحرب الأهلية.

كما أعرب آخرون عن قلقهم في شأن سابقة قيام سكرتير الولاية من جانب واحد باستبعاد بعض السياسيين من ورقة الاقتراع، إذ ينظر إلى هذه الخطوة على أنها غير ديمقراطية، كما أن ذلك يحمل في طياته عواقب سياسية محتملة إذا ما أزيل اسم ترمب، إذ من المرجح أن يؤدي مثل هذا الفعل إلى رد فعل عكسية من أنصاره.

كيف سارت النظرية في المحاكم؟

على مدى قرن ونصف القرن منذ التصديق على هذا التعديل، لم يتم اختبار البند الثالث منه في المحكمة إلا نادراً، ولم يكن أبداً ضد رئيس سابق، لكن بعد السادس من يناير 2021، رفعت مجموعة مناصرة قانونية تدعى “حرية التعبير للناس” طعوناً قانونية ضد عضوة مجلس النواب الجمهورية عن ولاية جورجيا مارجوري تايلور غرين وعضوة مجلس النواب الجمهورية ماديسون كاوثورن بحجة أن كليهما غير مؤهلتين لتولي المنصب بموجب بند التمرد، لكن في قضية غرين، وجد قاضي القانون الإداري أنها لم تشارك في تمرد السادس من يناير، مما يجعلها مؤهلة للترشح لإعادة انتخابها بينما في قضية كاوثورن، حكمت محكمة الاستئناف الفيدرالية ضدها، لكن الحكم جاء بعد أن خسرت الانتخابات التمهيدية بالفعل.

دور المحكمة العليا

ومع ذلك، يتوقع أستاذ القانون الدستوري بجامعة “هارفرد” لورنس ترايب، أن تصل القضية إلى المحكمة العليا الأميركية حيث من الممكن أن تفصل محكمة ابتدائية في أي ولاية أولاً عندما يقاضي سكرتير الولاية أو تتم مقاضاته في ما يتعلق بإدراج ترمب أو استبعاده من بطاقة الاقتراع وحينئذ سيصعد السلم القضائي بسرعة إلى حكم المحكمة العليا الذي يمكن أن يضع بعد ذلك قاعدة موحدة للانتخابات التمهيدية اللاحقة في الولاية.

وأوضح ترايب أن المحكمة العليا ستحتاج إلى التدخل بعد أن تتلقى ولاية واحدة أو أكثر توجيهات رسمية من محكمة الولاية أو المحكمة الفيدرالية، مشيراً إلى أن القضية من المرجح أن تتحرك وفق جدول زمني سريع في ضوء الحاجة إلى تجنب الارتباك وعدم اليقين قبيل الانتخابات.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى