صدى المجتمع

ما أخطار سيطرة ماسك على تكنولوجيا الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية؟

نشرت “نيويورك تايمز” تقريراً مطولاً عن تحول الملياردير البارز في قطاع التكنولوجيا إيلون ماسك إلى القوة المهيمنة على تكنولوجيا الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، وعن القلق الذي يثيره ذلك حول العالم.

وأوردت أن رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال مارك إيه ميلي وقائد الجيش الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني تواصلا عبر الهاتف في مارس (آذار) للبحث في مسار الغزو الروسي لأوكرانيا، وتبادلا معلومات استخبارية ونسقا في شأن الدفاعات الجوية، وتحدثا أيضاً عن إيلون ماسك.

وقد طرح زالوجني مسألة “ستارلينك“، وهو نظام الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية الذي تنتجه شركة ماسك، “سبايس إكس”، وفق ثلاثة مصادر لم تسمها الصحيفة الأميركية.

وطرح الجنرال الأوكراني أيضاً مسألة اعتماد بلاده على التواصل عبر هذا النظام في أعمالها العسكرية، وكذلك كيفية تغطية كلف استخدامها إياه، وسأل كذلك عن تقييم الإدارة الأميركية لماسك ذي “المصالح التجارية الواسعة والمواقف السياسية الغامضة”، لكنه لم يحصل على إجابات.

ووفق الصحيفة فقد أصبح ماسك الذي يقود شركات “سبايس إكس” و”تيسلا” و”تويتر” التي أصبح اسمها حديثاً “إكس”، اللاعب الأكثر هيمنة في الفضاء، إذ جمع بثبات قوة في مجال الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية ذي الأهمية الاستراتيجية، ومع ذلك ففي مواجهة القليل من التنظيم والرقابة يثير أسلوبه غير المنتظم والمدفوع بشخصيته قلق الجيوش والقادة السياسيين في شكل متزايد في أنحاء العالم كله، إذ يمارس الملياردير البارز في قطاع التكنولوجيا سلطته أحياناً بطرق لا يمكن توقعها.

وذكّرت الصحيفة بأن ماسك منذ عام 2019 يرسل صواريخ “سبايس إكس” إلى الفضاء بشكل أسبوعي تقريباً وعلى متنها عشرات الأقمار الاصطناعية التي يبلغ حجم كل منها حجم أريكة توضع في المدار، وتتواصل الأقمار مع محطات تلقي الإشارة على الأرض حتى تتمكن من إرسال الإنترنت العالي السرعة إلى كل ركن من أركان الكوكب تقريباً.

واليوم، بحسب “نيويورك تايمز”، يوجد أكثر من 4500 قمر اصطناعي من “ستارلينك” في السماء، وهو ما يمثل أكثر من 50 في المئة من الأقمار الاصطناعية النشطة كلها، “وهي بدأت بالفعل في تغيير طبيعة سماء الليل حتى قبل حساب خطط السيد ماسك لامتلاك ما يصل إلى 42 ألف قمر اصطناعي في المدار خلال الأعوام المقبلة”.

وبدأت قوة التكنولوجيا التي دفعت قيمة “سبايس إكس” إلى 140 مليار دولار تفرض أثرها في شكل محسوس، ذلك أن “ستارلينك” هي في الغالب السبيل الوحيد للوصول إلى الإنترنت في مناطق الحروب والمناطق النائية والمناطق التي تضربها كوارث طبيعية، وهي مستخدمة في أوكرانيا لتوجيه الضربات بالمسيرات وجمع المعلومات الاستخبارية، ويلجأ إليها الناشطون في إيران وتركيا لتجنب الضوابط الحكومية، وتعد وزارة الدفاع الأميركية من عملاء النظام الكبار، كما يختبر الجيش الياباني النظام لاتخاذ قرار في شأن اعتماده.

لكن ثمة مخاوف، وفق الصحيفة، فماسك ذو الشخصية المتقلبة يستطيع أن يوقف بقرار منفرد وصول عميل أو بلد ما إلى “ستارلينك”، ويمكنه الاستفادة من معلومات حساسة يجمعها نظامه هذا، وزادت المخاوف بسبب غياب أي منافس حقيقي لـ “ستارلينك”.

وقد عطل ماسك فعلاً وصول القوات الأوكرانية إلى النظام قرب القرم، شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمتها روسيا قبل أعوام ولا تزال كييف تطالب بها، وأطلق العام الماضي خطة سلام في أوكرانيا بدت أميل إلى رعاية المصالح الروسية.

ويتواصل مسؤولون أوكرانيون مع جهات موفرة للإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية غير “ستارلينك”، لكنهم يقرون بأن أي جهة لا تملك توفير الوصول بصورة تضاهي شركة ماسك.

وأكدت “نيويورك تايمز” أن تسعة بلدان في الأقل تقع في أوروبا والشرق الأوسط، أثارت خلال الأشهر الـ 18 الماضية مخاوفها مع مسؤولين أميركيين حيال سيطرة ماسك على نظام “ستارلينك”.

وترفض دول كثيرة مناقشة المسألة علناً لتجنب رد فعل سلبي قد يصدر عن ماسك، كما يتجنب المسؤولون الأميركيون انتقاد ماسك الذي كثيراً ما انتقد الرئيس جو بايدن، فهم يرون أن شركات ماسك لا يمكن الاستغناء عنها لأن وزارة الدفاع الأميركية ووكالة “ناسا” تستخدمان صواريخ “سبايس إكس”، الأولى لوضع أقمار اصطناعية عسكرية في المدار، والثانية في بعثاتها الفضائية.

وبحسب الصحيفة فإن تايوان لا ترغب في اعتماد خدمات “ستارلينك” على رغم أن نظام الإنترنت في البلاد قد يتعطل في حال تعرضها إلى غزو صيني، ذلك أن تايبيه قلقة من علاقات ماسك القوية مع الصين في مجال الأعمال، لكن حتى بكين نفسها تخشى أن يشغل ماسك “ستارلينك” في أراضيها وهي التي تفرض قيوداً صارمة على الإنترنت.

وتعد بكين منذ عام 2020 لإطلاق 13 ألف قمر اصطناعي لتشغيل الإنترنت، وكذلك خصص الاتحاد الأوروبي 2.4 مليار يورو (2.6 مليار دولار) لإطلاق مجموعة من الأقمار الاصطناعية لتشغيل الإنترنت لأغراض مدنية وعسكرية. ونقلت الصحيفة عن الخبير في الأمن السيبراني الذي شارك في تأسيس مركز بحثي ويقدم مشورة للحكومات دميتري ألبيروفيتش قوله إن “الأمر لا يتعلق بشركة بل بشخص يتحكم في الآخرين بنزواته ورغباته”.

“ستارلينك” شريان الحياة في ساحة المعركة

لم تظهر قوة “ستارلينك” وتأثير ماسك في أي مكان أكثر من الحرب في أوكرانيا، فهناك أكثر من 42 ألف محطة استقبال “ستارلينك” أرضية تستخدم الآن في أوكرانيا من قبل الجيش والمستشفيات والشركات ومنظمات الإغاثة، وخلال حملات القصف الروسية العام الماضي التي تسببت في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، لجأت الوكالات العامة في أوكرانيا إلى “ستارلينك” للوصول إلى الإنترنت.

ويقول أحد القادة العسكريين الأوكرانيين إنه “من دون ستارلينك لا يمكننا الطيران ولا التواصل”.

ودخلت “ستارلينك” أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 بعد الغزو الروسي والهجوم الإلكتروني الذي نسب لاحقاً إلى روسيا وأوقف عن العمل نظام الأقمار الاصطناعية الذي تديره شركة الاتصالات عالية السرعة “فياسات”، والذي كان يستخدمه الجيش الأوكراني.

ومع انقطاع الاتصالات بين القوات والقادة أرسل وزير الشؤون الرقمية ميخايلو فيدوروف نداء إلى ماسك طالباً المساعدة، وفي غضون ساعات اتصل ماسك بفيدوروف ليقول إنه جرى تشغيل “ستارلينك” في أوكرانيا، وبعدها بأيام وصلت محطات الاستقبال الأرضية.

وبحسب “نيويورك تايمز” فقد أعطت التكنولوجيا المتمركزة في الغابات والحقول والقرى والمثبتة على أسطح المركبات العسكرية الجيش الأوكراني أفضلية كبيرة على القوات الروسية، ومكنت فرق المدفعية والقادة والطيارين من مشاهدة لقطات الطائرات من دون طيار في وقت واحد أثناء الدردشة عبر الإنترنت، كما قال الجنود إن أوقات الاستجابة من العثور على الهدف وحتى ضربه تقلصت من 20 دقيقة إلى دقيقة واحدة.

وأوضح فيدوروف أنه “يمكن قياس العدد الهائل من الأرواح التي ساعدت ’ستارلينك‘ في إنقاذها بالآلاف، وهذا هو أحد المكونات الأساس لنجاحنا”.

ويشير التقرير إلى أن كون “ستارلينك” منتج تجاري فهو يسمح للسيد ماسك بالتصرف بطرق لا تتوافق في بعض الأحيان مع المصالح الأميركية، كما تسبب بعض سلوكه الجدلي في انقسام المسؤولين الأوكرانيين، وقال مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ميخايلو بودولياك، عبر منشور على منصة “إكس” في فبراير الماضي، إن “سبايس إكس” بحاجة إلى اختيار جانب في الحرب.

لكن فيدوروف اعتبر أن الأسئلة حول التزام ماسك كانت غير عادلة، وقال إنه عندما تعرضت أوكرانيا إلى قصف شديد وانقطاع كبير في التيار الكهربائي خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، ساعد ماسك في تسريع تسليم حوالى 10 آلاف محطة استقبال أرضية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى