ماذا يعني أن تكوني أُما حدية؟
“كنت دائما أدفع ثمن استمرار أمي في زواجها من أبي، وهي لم تجد في علاقتها معه الاستقرار العاطفي الذي تريده”، بهذه الكلمات يروي أحمد عبد العزيز (32 عاما) ويعمل بشركة محاسبة، للجزيرة نت كيف تأثرت حياته دون أن يدري بنمط شخصية والدته التي تعاني من اضطراب الشخصية الحدية.
وهي أيضا لم تكن تعلم ذلك، لكن بعد الفشل المتلاحق الذي أصاب ابنها الشاب في زواجه الأول، وحتى في عمله، أدرك أن هناك مشكلة ما، على إثرها قرر اللجوء لطبيب نفسي أخبره أن تعلق والدته المرضي به نتيجة عدم تشبعها عاطفيا في مراحل حياتها، كان هو السبب وراء فشله الدائم.
ما بين سمات أم حدية وأب نرجسي، عاش أحمد طفولة مربكة، الأب يريده نسخة منه، والأم تكافح من أجل ألا يحدث ذلك، كان طفلا عنيدا، هكذا يروي عبد العزيز “كانت أمي تروي لي ضاحكة دوما كيف كنت أصرخ وألح في طلب كل شيء، وكانت هي تلبي كل طلباتي من أجل أن أكف عن الصراخ وضرب رأسي في الحائط”
ويضيف “كبرت وفعلت نفس الشيء مع زوجتي، فتركتني وذهبت لأهلها وهي تصفني بالجنون والطفولية”، وتابع “كانت محقة لكني لم أفهم لأن أمي أخبرتني أنها تريد السيطرة عليّ”.
يوميات ابنة مع أُم حدية
عبر موقع “يوتيوب”، بدأت الفتاة الأميركية ليز، سرد وقائع حياتها مع والدتها المصابة باضطراب الشخصية الحدية، وكيف كانت حياتها عبارة عن محاولة دائمة لتحسين حياة والدتها، وأن النتيجة مهما بذلت كانت صفرية، حسب وصفها.
حاولت ليز التواصل مع أصدقاء والدتها، لمعرفة لماذا هي بعيدة عن دعواتهم، ودائما تصفهم بأنهم غير مهتمين بها، لكن الحقيقة التي اكتشفتها ليز أن أمها هي من تفعل ذلك معهم، وأنها تريد دوما أن تأخذ ولا تعطي، حماية لها من الهجر والرفض؛ لكنها في النهاية لا تحصل على شيء.
عانت ليز حياة صعبة مع أُم حدية، لذا وثقت رحلتها عبر فيديوهات مصورة حتى تخبر الآخرين ممن يعانون أنهم ليسوا وحدهم.
تشير الدراسات إلى أن تأثير الأم الحدية على أطفالها يظهر في مراحل مبكرة من علاقتها بالطفل، حيث إن الأمهات المصابات باضطراب الشخصية الحدية غالبا ما يقمن بالتربية في سياقات أخرى أشد خطورة، مثل الإصابة بالاكتئاب أو تعاطي المخدرات وانخفاض دعم المحيطين بها.
ووجدت الدراسات أن هؤلاء الأمهات ابتسمن بشكل أقل ولعبن ألعابا أقل مع أطفالهن، وأظهرت الأمهات الخاضعات للدراسة من أصحاب اضطراب الشخصية الحدية، سلوكا أقل حساسية في التعامل مع أطفالهن.
كما وجدت الدراسات أن الأمهات المصابات باضطراب الشخصية الحدية سجلن درجات أعلى في مقياس الحماية المفرطة للأطفال، في سن البلوغ، وأنهن أقل تشجيعا على الاستقلالية.
تجارب لا يختبرها الأبناء
في مرحلة النمو اللفظي للأطفال، يصبح تأثير الأم الحدية أكثر وضوحا، ويمكن أن تتضافر هوية الأم غير المستقرة وتقلب الحالة المزاجية والخوف من الهجر لتكسر النمو النفسي والاجتماعي والسلوكي لأبنائها، وغالبا ما تفتقد العلاقة إلى الرحمة والتعاطف بين الأم وأبنائها، لأن الأم غير قادرة على التعرف على الاحتياجات العاطفية أو صياغة الاستجابات المناسبة، بالإضافة إلى ترك الأطفال دون نموذج للأداء الصحي بين الأشخاص، وحل النزاعات والتنظيم العاطفي.
تقول إحدى المتضررات اختارت أن نشير لاسمها بـ”ن.ع” (29 عاما)، للجزيرة نت “نشأت مع أُم تفتقد العاطفة ولا تعرف أن تحضني مرة، ولا تستطيع أن تقدم لي حلولا للمشكلات سوى أنني محسودة أو أن الآخرين يغارون مني، كنت لا أدرك أن هناك مشكلة، لكن مع الوقت أدركت أن هناك خطأ وكافحت كثيرا في رحلة طويلة من العلاج لكي أصحح تلك الأخطاء”.
في المرحلة الأعلى من النمو بين الأطفال البالغين من عمر 11 عاما إلى 18، قارن الباحثون بين مجموعة من الأبناء للأمهات الحدية، وبين أمهات مصابات باضطرابات أخرى، ووجد الباحثون أن أبناء الأم الحدية يعانون من مستويات أعلى في الاضطراب العاطفي، والتفكير في الانتحار، و9% من هؤلاء الأبناء قد حاولوا الانتحار بالفعل، و45% من المجموعة يعانون من نوبات اكتئاب شديدة، ويلاحظ أن هذه الحالة لدى الأبناء اختفت، عندما تمت السيطرة على اكتئاب الأم.
الوقوف الدائم على صفيح ساخن
“الشخصية الحدية صاحبة تقلب عاصف مستمر في المشاعر لا يمكن معه ضمان استقرار أي علاقة”، هكذا تصف الطبيبة النفسية رضوى سعيد عبد العظيم، استشاري الطب النفسي بالقصر العيني ورئيس قسم الصحة الجنسية بالجمعية العالمية للطب النفسي، في حديثها للجزيرة نت، أثر النمو مع أم حدية، وتضيف أن الشعور الدائم بأنك فوق صفيح ساخن، لا تتحمل معه الوقوف في المكان ولا تستطيع الركض عليه.
وتابعت استشاري الطب النفسي “بالرغم من أن الأم الحدية لديها قدر هائل من المشاعر وقدرة عالية على تحمل المسؤولية؛ لكن مشكلتها الرئيسية تكمن في عدم قدرتها على إدارة مشاعرها بشكل سوي والتوازن في إدارة نوبات الغضب والاكتئاب التي تصيبها بين الحين والآخر، كما تتعقد الأمور إذا غاب الأب، فهذا يعتبر الجحيم بالنسبة للأبناء”.
تقول رضوى إن “التقلبات المزاجية الحادة ما بين الاكتئاب الحاد والسعادة المفرطة التي تمر بها الأم الحدية، تضع الأطفال في ضغط نفسي وتفقدهم الاستقرار العاطفي والأمان المطلوب لنمو نفسي سليم، إذا كان أحد الأبناء حاملا لجينات الهوس الاكتئابي، فسيكون أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب الوجداني ثنائي القطبين أكثر من أي طفل آخر لديه نفس الجينات، لكنه صادف النمو في أسرة أكثر استقرارا نفسيا”.
وأضافت دكتورة رضوى عبد العظيم “خضوع الأم للعلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للمرور من عنق الزجاجة وضمان أن تمر الحياة بأقل قدر من الخسائر، ومن الأفضل أن تكون في حياة الأبناء في الصغر شخصية بديلة قادرة على الاحتواء، مثل الخالة أو الجدة، بالإضافة لوجود الأب، والانخراط في الأنشطة بعيدا عن الأجواء المشحونة بتفاصيل الأم، حتى يستطيعوا أن يفلتوا من حياة دائمة التقلب”.