رأي

ماذا وراء زيارة أردوغان إلى العراق

كتب سمير داود حنوش. في “العرب” :

الملف الأمني وملف المياه والتجارة وتأشيرات العراقيين وحديث عن خطوات ربما تتخذها أنقرة بالتوغل مسافات داخل الحدود العراقية لتأمين حدودها مع العراق، ملفات قد تعني استباحة الأراضي العراقية واحتلالها.

في السياسة لا يُفهم لقاء رئيس دولة يحل ضيفاً على دولة أخرى ويستقبل جمعاً من مكون معين، للتباحث في شؤون الطائفة وسير العمل السياسي في دهاليزها، إلا تدخلاً في الشأن الداخلي للبلد، وانتهاكاً للأعراف الدبلوماسية التي تفرض على الضيف احترام واجب الضيافة.

لم يكن غريباً في بلد كالعراق يغرق في بحور الطائفية والمحاصصة أن نشهد حكاية من حكايات السيادة المهزومة التي سقطت في قعر صفصف بتوصيف يثير الرثاء لما وصل إليه الوضع العراقي المتشرذم.

بمشهد غاب عنه العلم العراقي استقبل ممثلو وزعامات المكون السني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء زيارته بغداد، جلس الجميع أمامه وكأنهم طلاب مدرسة يتلقون النصائح من معلمهم.

كان المشهد يوحي أن الجلسة تفرض على الحضور فروض الطاعة والولاء الواجب تقديمها إلى أردوغان “الإخواني” الذي وُصفت زيارته إلى بغداد من قبل بعض الأطراف، بالمُقلقة، حين وجدت أن الكفة تميل لصالح الجانب التركي من خلال تحوّل العراق إلى حديقة خلفية لأنقرة، وجعله وسيلة لجباية الأموال لصالح الاقتصاد التركي المتعثر دون الأخذ بالمصالح الإستراتيجية والتنموية للعراق.

حاول أردوغان ابتزاز العراق من خلال ملف المياه، وهو يعلم ومعه الحكومة العراقية أن القانون الدولي يُتيح للدول المتشاطئة إمكانية تقاسم مياه الأنهار عبر الروافد التي تمر في أراضيها.

ما يتسرب في دهاليز السياسة في بغداد أن زيارة أردوغان لم تتناول ملف النفط الذي كان يعتقد الكثيرون أنه الملف الأكثر أهمية، لأسباب قد يكون من أهمها أن تهريب النفط من كردستان إلى الأراضي التركية مازال مستمراً، برغم قرار المحكمة الاتحادية بمنع تصديره إلا بموافقة الحكومة المركزية، إذ لازال ما يقارب من 220 ألف برميل يتم تهريبها يومياً إلى تركيا وإيران بسعر منخفض يصل إلى 30 دولاراً للبرميل، مما يعود بالفائدة على تركيا ويستحوذ عليها الحزبان الرئيسيان في الإقليم، في فرصة تستفيد منها حكومة الإقليم بعد أن استطاعت التخلص من أزمة رواتب الموظفين وإجبار حكومة بغداد على دفعها، إضافة إلى عدم إعطاء بغداد ذلك الملف الأولوية في المباحثات باعتبار أن العراق على وشك استكمال إصلاح الخط العراقي – التركي الذي يمكن من خلاله تصدير نفط كركوك إلى تركيا دون الحاجة إلى استخدام خط أنابيب كردستان، وربما لم يغب عن بال المسؤولين العراقيين أن إعادة تصدير النفط من كردستان يعني تخفيض حصة العراق الإنتاجية بمقدار 400 ألف برميل يومياً مما قد يؤثر سلباً على الإيرادات النفطية العراقية ويزيد من عجز الموازنة.

بعد ما يقارب من 13 عاماً من آخر زيارة قام بها أردوغان إلى بغداد، تأتي هذه الزيارة في وقت يشهد احتداما بين زعامات المكون السني لاختيار بديل لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، الذي أقالته المحكمة الاتحادية، وهو ما قد يعطي زخماً وتعجيلاً للاختيار.

اعتراف بغداد بمنظمة العمال الكردستاني PKK كمنظمة إرهابية أعطى ارتياحاً لأردوغان مما يؤشر أنها من أولويات زيارته. لكن هل هذا يكفي؟

الملف الأمني ومحاربة المنظمة المحظورة إضافة إلى ملفات المياه والتجارة وتأشيرات العراقيين، وحديث عن خطوات ربما تتخذها أنقرة في الأيام القادمة بالتوغل مسافات داخل الحدود العراقية لتأمين حدودها البرية مع العراق، ملفات قد تعني استباحة الأراضي العراقية واحتلالها.

ما زالت أهداف الزيارة تشوبها الضبابية من ردود الأفعال التركية في الشمال العراقي بقضية الـPKK وفيما إذا كانت ستتوقف الغارات التركية بعد تعهد عراقي بملاحقة تلك التنظيمات.

يُدرك العراقيون أن العامل الاقتصادي قد يكون سلاحاً فعالاً في صراعهم مع الجارة تركيا من أجل الحصول على حصتهم من المياه، لكن المحاصصة الطائفية والتشرذم السياسي يجعلان من الصعوبة الاتفاق على قرار سياسي يُلزم الدول بتنفيذ التزاماتها، وهي مشكلة بلد يغّط في الفوضى والانقسام.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى