ماذا وراء “الليونة” السعودية المُفاجئة تجاه لبنان؟
كتبت ستيفاني راضي في “رأي اليوم”
تنشغل الساحة اللبنانية بترتيب إصلاح علاقاتها مع دول الخليج، وتحديداً مع المملكة العربية السعودية بعد قطيعة دامت لأشهر طويلة.
وتوتر العلاقة بين لبنان والخليج وتحديداً السعودية جاء لأسباب عدة منها تهريب المخدرات إليها، إلى أن تفجر الخلاف بينهما أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على خلفية تصريحات وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي بشأن حرب اليمن.
وعلى إثر ذلك، سحبت الرياض سفيرها لدى بيروت وطلبت من سفير لبنان المغادرة، وهو ما فعلته لاحقا دول خليجية أخرى هي الإمارات والبحرين والكويت، إضافة إلى اليمن.
كما أصدرت السعودية قرارا بوقف كافة الواردات اللبنانية، فأقفلت أسواقها أمام المنتجات اللبنانية.
ويعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية (الليرة) مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية.
** غيمة ومرّت
في بيان غير جديد المضمون، أكد رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي، منتصف مارس/آذار، “التزام حكومته بإعادة العلاقات بين بلاده ودول مجلس التعاون الخليجي إلى طبيعتها”.
وشدد ميقاتي على “ضرورة وقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية التي تمس سيادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وأمنها واستقرارها والتي تنطلق من لبنان”
وأكد “التزام لبنان ما تضمنته بنود المبادرة الكويتية”.
وقدّمت الكويت في يناير/ كانون الثاني 2021، إلى لبنان مبادرة خليجية لـ”إعادة الثقة به”، تتضمن مطالب خليجية من بيروت بينها عدم التدخل في الشؤون الخليجية والعربية عامة.
بيان ميقاتي رحبت به السعودية، التي كانت تتجاهل دعوات لبنان لإعادة العلاقات معها، عقب الأزمات المستجدة.
ووصفت وزارة الخارجية السعودية بيان ميقاتي بـ”الإيجابي”، معربة عن أمل الرياض في أن “يسهم ذلك في استعادة لبنان دوره ومكانته عربيا ودوليا”.
من جهتها، رحبت وزارة الخارجية الكويتية أيضاً ببيان ميقاتي، مشيرة الى أنها تتطلع إلى استكمال الإجراءات البناءة والعملية بما يساهم في المزيد من الأمان والاستقرار والازدهار للبنان.
ليأتي الردّ اللبناني من جديد، عبر ميقاتي الذي قال في جلسة حكومية، أن التصريحات الخليجية “تؤشر بأن الغيمة التي خيمت على علاقات لبنان، إلى زوال قريبا”.
رغم البيانات “اللينة”، لم يتم الإعلان عن أي زيارة لميقاتي لدول خليجية.
** “ليونة” مستغربة
“الليونة” السعودية تركت علامات استفهام عدة، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها المسؤولون اللبنانيون إصلاح العلاقات معها بعد الأزمات الأخيرة.
ويقول الصحافي والمحلل السياسي ماهر الخطيب للأناضول، إنه “لم تتم معالجة أي من الأسباب التي دفعت الرياض إلى موقفها السابق، لا بل كان الفريق اللبناني الأساسي أي (حزب الله) يذهب إلى المزيد من التصعيد ضدها”.
وتقول عواصم خليجية، بينها الرياض، إن إيران تسيطر على مؤسسات الدولة اللبنانية، عبر حليفتها جماعة “حزب الله”، وهو ما تنفي طهران والجماعة صحته.
من جهته يقول المحلل السياسي مخائيل عوض للأناضول، إن “افتعال السعودية إشكالا مع لبنان أتى في محاولة لتأزيم أوضاعه الداخلية والضغط على القوى السياسية لتضغط بدورها على جماعة (حزب الله) لتقنع جماعة الحوثي بوقف تصعيدهم في اليمن”.
ويعتبر عوض، أن “ذلك لم يجدِ نفعاً بل على العكس زاد التصعيد في اليمن ومن قبل حزب الله”.
**أسباب مرجّحة
يرى المحلل السياسي جوني منيّر في حديث للأناضول، أن “الليونة في المواقف السعودية أتت لأسباب عدة منها، استكمال الجهود الفرنسية التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في كانون الأول/ديسمبر الماضي”.
وفي 4 ديسمبر الماضي أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ختام جولة خليجية، أنه أجرى مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جدة اتصالا هاتفيا برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في إطار مبادرة لحل الأزمة بين الرياض وبيروت.
ووفق وسائل إعلام فرنسية في حينه، فإن الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي وضعا خلال لقائهما في جدة أسسا لمبادرة مشتركة لصالح لبنان، دون الإفصاح عن فحواها.
وقال ماكرون قبل مغادرته جدة، إن “السعودية وفرنسا تريدان الانخراط الكامل بهدف إعادة العلاقة بين بيروت والرياض بعد أزمة دبلوماسية خطيرة”.
ويتّفق منيّر والخطيب، على تأثير “الليونة” السعودية باقتراب توقيع الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة.
ويتفاوض دبلوماسيون من إيران والولايات المتحدة وخمس دول أخرى منذ شهور، في فيينا حول صفقة لإعادة فرض قيود على برامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرضها بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق في مايو/ أيار 2018.
ويعتبر منيّر، أن السعودية “عادت من أجل السعي لإحداث توازن داخل لبنان، خاصة أن لا حضور كبير للسنّة اليوم بعد تعليق رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري عمله السياسي”.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي أعلن الحريري، “تعليق” عمله السياسي وعدم الترشح للانتخابات المقبلة، أو التقدم لأي ترشيحات من “تيار المستقبل” (سني) الذي يتزعمه.
من جهته يرى الخطيب، أن “الليونة السعودية جاءت بعد إغلاق أبواب الترشيحات للانتخابات النيابية التي ستجري في 15 أيار/مايو المقبل وحسم التحالفات، ما يعني أنه لن يكون مؤثراً في هذا الاستحقاق على نحو كبير”.
أما عوض، فيرى أنه ” لا تأثيرات نوعية للعودة السعودية ولن تغير في التوازنات التي تقررت في لبنان”.
**السيناريوهات المتوقعة
يقول الخطيب، أن “الليونة السعودية تفتح الباب أمام سيناريوهين، الأول يكمن بتمهيد الطريق نحو حصول تسوية مع لبنان”.
ويؤكد أن للتسوية “تداعيات إيجابية على المستوى الاقتصادي، حيث ستكون بمثابة انطلاق مرحلة جديدة في البلاد”.
وعن السيناريو الثاني، يذكر الخطيب أن “العودة السعودية ممكن أن تمهد الطريق نحو المواجهة مع الفريق الآخر (حزب الله)”، معتبرا أن هنا “قد تكون البلاد ذاهبة إلى ما هو خطر”.
من جهته يشير منيّر، إلى أنه بعد “الانتخابات من المطروح الذهاب لتغيير النظام السياسي في لبنان مثل ما حصل في مدينة الطائف، وهذا يستوجب أن تكون السعودية موجودة وغير بعيدة عن البلاد”.
وعقب الحرب الاهلية اللبنانية (1975 إلى 1990)، نجحت السعودية بجمع النواب اللبنانيين في مدينة الطائف حيث رعت الاتفاق الذي حمل اسم المدينة.
وفي الفترة ما بين 1990 و2005 تعاظم دور السعودية، سياسيا وماليا، في البلاد، خاصة عندما كان الراحل رفيق الحريري رئيساً للحكومات حيث كانت تربطه علاقات وثيقة مع قادة المملكة.
اليوم، يبدو أن هدنة بين لبنان والخليج تلوح بالأفق، بانتظار ما ستؤول إليه من انعكاسات إيجابية على لبنان الذي يرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية ضخمة ويحتاج إلى أي طوق لإنقاذه.