أبرزرأي

ماذا طلب حافظ الأسد من “حزب الله” منذ “الطائف”؟

كتب سركيس نعوم في “النهار”:

يتذكر اللبنانيون جميعاً التحالف السياسي الاستراتيجي الذي قام بين سوريا الراحل #حافظ الأسد والجمهورية الإسلامية ال#إيرانية منذ ولادتها أو على الأصحّ بعد ولادتها بمدّة قصيرة، والذي وفّر لها تغطية عربية مهمّة في وقت كانت فيه الغالبية الساحقة من دول العالم العربي تنظر إليها بشك وريبة وعداء لأسباب متنوّعة لم تكن يوماً خافية على أحد ولا تزال. يتذكر اللبنانيون أيضاً أن لبنان كان نقطة الخلاف وتالياً التصارع بين الدولتين الحليفتين المذكورتين. فالأولى أرادته من زمان أي منذ ما بعد استقلاله عام 1943، وحتى بعد تحوّله ساحة حروب طاحنة أهلية تدخلت فيها وأحياناً أشعلتها تنافسات جهات عربية وإقليمية ودولية عدّة، أرادته ساحة خلفية لها ودولة تدور في فلكها السياسي والعسكري والأمني رغم استقلالها غير الناجز فعلياً وعلاقاتها العربية والدولية وعضويتها في الأمم المتحدة. وقد تحقّق لسوريا ما أرادت عملياً في أثناء الحروب لأسباب متعدّدة. منها إدارتها بمهارة الحرب بين المسلمين والمسيحيين اللبنانيين المختلفين على كل شيء، وإدارتها التدخل الفلسطيني فيها وتحكّمها بردود الفعل على ذلك داخل لبنان وخارجه، وإفادتها من الاجتياح الإسرائيلي الواسع للبنان عام 1982 ولا سيما عندما ربطت إسرائيل انكفاءها من الداخل الى الشريط الحدودي الجنوبي معها بإخراج منظمة التحرير الفلسطينية وآلاف مقاتلي المنظمات المنضوية فيها من لبنان. لكن اللبنانيين يتذكرون أن الرئيس السوري الراحل لم يشعر بالكثير من الارتياح عندما بدأت حليفته إيران الإسلامية تترجم موقفها الرسمي والفعلي المعادي لإسرائيل والداعي الى القضاء عليها بواسطة الفلسطينيين المقيمين في لبنان والباقين في الضفة الغربية وغزة المحتلتين وحتى في الداخل “الإسرائيلي” إذا توافرت الفرص لذلك. ويتذكرون أيضاً أن الرئيس السوري الراحل نفسه بدأ يشعر بالقلق من توسّع دور إيران في لبنان، أولاً بعد إسهامها الكبير في تأسيس “#حزب الله” منذ عام 1982 المقاوم لإسرائيل والعامل لإنهاء احتلالها جنوب لبنان وأراضي أخرى محتلة فيه بقوة المقاومة المسلّحة. وثانياً بعدما بدأت تتصرّف بحرّية وأحياناً من دون تشاور وتنسيق مع دمشق ولا سيما عند إرسال المدرّبين الى لبنان عبر سوريا والمقاتلين والأسلحة. ويتذكّرون ثالثاً أموراً عدة منع خلالها الأسد الأب بوضوح كلّي وصول بعض هؤلاء الى البقاع اللبناني وأعادهم الى بلادهم لأن طهران لم تطلعه على ما يفيد أنهم عابرون سوريا الى لبنان. ويتذكرون رابعاً الحرب العسكرية لكن غير المباشرة الضروس التي اندلعت على أرض بيروت والجنوب بين الدولتين المتفقتين على كل شيء باستثناء لبنان، وكان “حزب الله” فيها ممثّلاً لإيران و”حركة أمل” نبيه بري “وريث” الإمام المغيّب موسى الصدر ممثّلةً لسوريا وأسدها. كما يتذكّرون حرب “أمل” والمخيّمات الفلسطينية. ويتذكّرون خامساً وأخيراً الاتفاق الذي أنهى الخلاف ثم الحرب بين الحليفتين سوريا الأسد الأب صاحبة الدور الإقليمي المحوري وإيران الإسلامية باتفاق على تولّي “حزب الله” مقاومة إسرائيل لطردها من لبنان ونجح في ذلك، وعلى تولّي “أمل” العمل السياسي في لبنان بموافقة الدولتين وعلى تعزيز الدور الشيعي في دولته وعلى تأمين احتياط لبناني سياسي وميليشياوي قادر مع الاحتياط اللبناني (الإسلامي – الإيراني) على الدفاع عن سوريا ودورها في لبنان رغم تقلّب الظروف.

لكن اللبنانيين لا يتذكرون “الشروط” التي وضعها الأسد الأب على تصرّف حليف إيران بل ابنها في لبنان أي “حزب الله” وتحديداً على طريقة عمله المقاوم. قد يكون مفيداً تذكيرهم به لأن التفاهم السوري – الإيراني استمرّ بعد دخول لبنان مرحلة إنهاء الحرب بواسطة اتفاق الطائف الذي كلّف رعاته الأميركيون والعرب وفي مقدّمهم السعوديون دمشق حافظ الأسد مساعدة اللبنانيين لتطبيقه. طبعاً هذا تاريخ ويعرفه اللبنانيون كلّهم وإن كان كل فريق منهم بل كل شعب بعدما أصبحوا شعوباً متناحرة، لا يعترف إلّا بما يوافق مصلحته فيه. لكن التذكير به ضروري لإطلاعهم على الطريقة التي عالج بها الأسد موضوع المقاومة المسلحة غير النظامية لإسرائيل بواسطة “حزب الله”، والتي بدا فيها حرصه على عدم السماح لأيّ تطوّر في لبنان وإن من الحلفاء بجرّه الى حرب مع إسرائيل لا يكون هو “الموقِّت” الأول لها. وهذا موقف معروف له من زمان. والتذكير ضروري أيضاً لإعلامهم أن “الهدوء” مع إسرائيل باستثناء عمليتيها العسكريتين المحدودتين وإن مؤذيتين عامي 1993 و1996 كان بفعل معالجته الموضوع المذكور أعلاه. علماً بأن العمليتين رغم أضرارهما عزّزتا موقف المقاومة ومعها موقف لبنان ولم تعرّضا سلمه الداخلي “السوري” فعلاً والعربي – الدولي نظرياً لخطر شديد.

ماذا يتضمّن التذكير المشار إليه أعلاه؟ يتناول أموراً ثلاثة وضع لها الأسد الأب حدوداً وقيوداً تلافياً لجرّ أيّ عمل مسلّح يقوم به فريق مقاوم الى “حرب في غير وقتها”، ويستعمل “الموقف هذا النهار” كلمة تذكير هنا قصداً لأنه في حينه ذكر هذا الموضوع تفصيلاً أكثر من مرة، ولأن اللبنانيين قد يكونون نسوا تفاصيله. الأمر الأول الذي طلبه بل فرضه الأسد الأب ووافقت عليه إيران هو أن لا تنفّذ المقاومة أي “حزب الله” عملية عسكرية ضد إسرائيل من لبنان أو على أراضيها إلا بعد إطلاع دمشق عليها وأخذ موافقتها. الأمر الثاني منع أيّ فريق لبناني باستثناء “الحزب” أو فلسطيني من العودة الى المقاومة المسلحة لإسرائيل من حدود لبنان أو على أرض فلسطين بعد العبور إليها منه. أما الأمر الثالث فكان “خلّوا عيونكم” على مخيّمات الفلسطينيين ومنظماتهم ومقاتليهم في لبنان. فهي لا تزال قادرة، سواء بغضّ نظر أو بتواطؤ مع جهة أو جهات ما، على إرباك الوضع بعملية أو عمليات لا مصلحة فيها للبنان وقبله لسوريا.

هذه الأمور الثلاثة استمرت محترمة طيلة الوجود السوري السياسي والعسكري والأمني المباشر في لبنان. لكن السؤال الذي يُطرح هنا هو: هل هذه الأمور الثلاثة لا تزال محترمة بعد عودة سوريا في عهد خلفه أي نجله الرئيس بشار الأسد الى بلادها؟ وما الداعي الى “التذكّر” هذا؟ وهل يعكس التذكّر حنيناً الى مرحلة الرئيس السوري الأب والمؤسّس حافظ الأسد، أو لفتاً لـ”حزب الله” وراعيته الإقليمية تلافياً لتصعيد مؤذٍ جداً للبنان من دون شك في هذه المرحلة الإقليمية والدولية الصعبة؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى