ماذا حمل روبيو في زيارته الأخيرة إلى إسرائيل

كتب فتحي أحمد في صحيفة العرب.
التحركات الأميركية – الإسرائيلية الأخيرة تكشف غياب مسار سلام حقيقي وتؤكد استمرار الضغوط على الفلسطينيين فيما يترقب الشارع العربي دورًا فاعلًا يوازن بين الردع العسكري والحلول السياسية.
اختتم وزير خارجية الولايات المتحدة زيارته إلى إسرائيل مؤكّدًا على أمن إسرائيل، كما حمل رسالة شديدة اللهجة موجّهة إلى حركة حماس بضرورة إطلاق سراح الرهائن الأحياء والأموات بشكل فوري. ويبدو أنّ هناك ضوءًا أخضر أميركيًا لاجتياح مدينة غزة على أن تتم العملية بشكل سريع. جاء اجتماع روبيو مع نتنياهو ردًّا على القمة العربية التي التأمت يوم 15 سبتمبر بعد العدوان الإسرائيلي على قطر قبل أيام. ولهذا، تُعتبر الحالة السياسية التي تمر بها المنطقة غير عادية في ظل دعم أميركي كبير لإسرائيل، وتحدٍّ أميركي للمؤسسات الدولية، وفي ظل عدوان إسرائيلي متكرر على لبنان وسوريا وغزة والضفة الغربية وغيرها. وقد اختُتم اللقاء بمواقف متقاطعة بين الدعوة إلى المسار الدبلوماسي والاستعداد لاحتمال اللجوء إلى عمل عسكري مركّز، في حين ظلّت قضية استعادة الأسرى وإمكانية إنهاء وجود حماس كقوة مسلّحة عنواني النقاش بين الطرفين.
يفسَّر السلوك الأميركي الداعم لإسرائيل بأن الإدارة الأميركية الحالية تتماهى مع توجه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة في بسط سيطرتها الكلية على الضفة الغربية وتهجير أهل غزة، بالإضافة إلى التوسع في جنوب سوريا ولبنان وربما بعض الأراضي الأردنية. فعندما تسلّم ترامب مقاليد الحكم شبّه إسرائيل بقلم موضوع على طاولة، وبأن إسرائيل تشبه القلم مقارنة مع حجم الطاولة. لهذا علينا أن نفهم ماذا يريد ترامب وما هي توجهاته التي تصب في مصلحة إسرائيل.
الحقيقة تقول إنه لا يوجد مشروع سلام مطروح على الطاولة أو رؤية أميركية لتنفيذ حل الدولتين. فالمتداول تحت الطاولة أميركيًا هو ضم أجزاء من الضفة الغربية، وقد تعترف به الولايات المتحدة في قادم الأيام، ما يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، ويؤدي إلى مصادرة أراضٍ كبيرة لتصبح تابعة لإسرائيل. نحن أمام مخطط أميركي – إسرائيلي خطير يتحقق أمامنا، وأوراق الضغط باتت غير مجدية.
لقد جاءت زيارة وزير الخارجية الأميركي تعبيرًا أميركيًا مطلقًا عن تحالف أزلي لا يمكن اختراقه، في ظل حالة الصمت والوهن العربي والإسلامي، تجاه دولة باتت مارقة دون أدنى احترام للأعراف الدولية
يبدو أن إسرائيل تسير بخطى ثابتة في ضم الضفة الغربية بصمت، وهذا ما لُمس أخيرًا من خلال نصب مئات البوابات الحديدية على مداخل المدن والقرى الفلسطينية، لتصبح هذه المدن والقرى عبارة عن سجن كبير. وتُعتبر تلك الخطوة ورقة ضغط من أجل التهجير الطوعي من الضفة الغربية.
اليوم ينتظر الشعب الفلسطيني الدور العربي المعوَّل عليه في تفويت الفرصة على نتنياهو المتمثلة في ضم الضفة الغربية. وقد هدّدت الإمارات العربية المتحدة بأنه في حال أقدم نتنياهو على ضم الضفة الغربية، فسوف يتم تعطيل الاتفاق الإبراهيمي وسحب الاتفاق المبرم بينها وبين إسرائيل. لكن هل هذا التهديد كافٍ لتحجيم نتنياهو؟ إن السياسة الإسرائيلية الحالية، وأقصد سياسة الصهيونية الدينية واليمين العلماني الذي يترأسه نتنياهو، همّها الوحيد هو السيطرة التامة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ومدّ سيطرتها أيضًا على دول الجوار لتوسيع رقعة إسرائيل وبسط الأمن الإسرائيلي لتقوية خاصرتها، وذلك بجانب الرؤية التوراتية التي تقول “أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات.” ولهذا نستطيع القول إن إسرائيل وأميركا لديهما خطط لا تخدم السلام في المنطقة، بل على العكس، تريدان إشعال نار الحروب وإعادة هندسة الشرق الأوسط حسب رؤيتهما.
وبالعودة قليلًا إلى الوراء، وفي الحقبة الأولى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حين منح ما لا يملك لمن لا يستحق، واعترف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، نجد أنه مع بدء الحرب على قطاع غزة في أعقاب هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أكّد وزير خارجية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أنتوني بلينكن، في أول زيارة له إلى الدولة العبرية، أنه جاء كيهودي يدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
لقد جاءت زيارة وزير الخارجية الأميركي تعبيرًا أميركيًا مطلقًا عن تحالف أزلي لا يمكن اختراقه، في ظل حالة الصمت والوهن العربي والإسلامي، تجاه دولة باتت مارقة في تماديها الوحشي بلا هوادة ودون أدنى احترام لحقوق الغير والقوانين والأعراف الدولية.
الخلاصة أن هناك مدة زمنية رسمها وزير الخارجية الأميركي للقضاء على حماس والسيطرة الجزئية على الضفة الغربية، وهو منحى سيادي منسجم بين الطرفين، ومقدمة أيضًا لسياسة التهجير الطوعي المخطط لها أميركيًا وإسرائيليًا لسكان قطاع غزة وأهالي الضفة الغربية في مرحلة لاحقة. إذن نحن أمام معضلة سياسية وإعادة هيكلة للشرق الأوسط من جديد. وبالمختصر المفيد، لم تعد القضية الفلسطينية اليوم هي مركز الاهتمام، بل الأهم هو إيجاد دولة جديدة مصطنعة وحلفاء جدد.