ماذا تريد الصين من وساطتها في المصالحة بين فتح وحماس؟
كتب ويسلي ران, في “DW”:
تروج الصين لنفسها كصانع سلام في الشرق الأوسط. فبعد وساطتها بين السعودية وإيران، تسعى بكين إلى رأب الصدع بين حركتي “فتح” و “حماس” الفلسطينيتين، فما هي أهداف الصين من وراء ذلك؟
تستضيف الصين الأسبوع المقبل مباحثات بين “فتح” و “حماس” في إطار الجولة الثانية من المباحثات بين الحركتين التي انطلقت في أبريل / نيسان الماضي. وخلال مؤتمر صحافي، أفاد المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان بوصول ممثلي فتح وحماس “إلى بكين منذ أيام قليلة لإجراء حوار عميق وصريح”.
وتأتي المباحثات المرتقبة في ظل تزايد الحديث عن أن مستقبل غزة ما بعد الحرب سوف يعتمد بشكل كبير على المصالحة بين الحركتين الغريمتين. وفشلت المساعي السابقة في حل خلافاتهما السياسية منذ 2007 عقب سيطرة حماس على قطاع غزة.
وفي ذلك، قال الناطق باسم الخارجية الصينية إن “الجانبين اتفقا على مواصلة مسار المحادثات لتحقيق التضامن والوحدة الفلسطينية في وقت قريب”. بيد أن الفارق بين جولات المباحثات السابقة والحالية – بحسب مراقبين – يتمثل في أن الأخيرة تتزامن مع استمرار مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
يشار إلى أن صحيفة “واشنطن بوست” قد ذكرت أن إسرائيل وحماس وافقتا على إدارة “مستقلة ومؤقتة لقطاع غزة مع قوة مراقبة أمنية تتألف من نحو 2500 من أنصار السلطة الفلسطينية في غزة الذين قامت إسرائيل بالفعل بفحصهم.”
وتعد فتح أكبر فصيل في منظمة التحرير التي تسيطر على الضفة الغربية المحتلة وتقول إنها “الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني”. وانتقد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يتزعم فتح، حماس في الماضي بسبب الحرب في غزة بينما اتهمت الحركة عباس بالانحياز إلى إسرائيل.
ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
“وسيط سلام بديل لأمريكا”
وفي مقابلة مع DW، قال بيورن ألبيرمان، رئيس قسم الدراسات الصينية المعاصرة في جامعة فورتسبورغ الألمانية، إنه من المؤكد أن الصين “تنظر إلى الأمور بواقعية وتدرك أن العداء الذي يشوب العلاقة بين الحركتين يمتد لسنوات عديدة، ما يعني أن المصالحة الشاملة بين فتح وحماس لا يمكن أن تحقق بين عشية وضحاها”.
وعزا ألبيرمان ذلك إلى “عوامل أيديولوجية وسياسية”، مضيفا “أعتقد أنه في حالة انخراط فتح وحماس في تفاوض مباشر على نحو حضاري فإن هذا سيمثل نجاحا للصين”. وتابع بأن أي تقدم ملموس في ملف المصالحة بين الحركتين سوف يشكل “انتصارا دبلوماسيا كبيراً للصين التي تسعى لأن تكون وسيط سلام دولي بديل للولايات المتحدة.”
وترى بوني غلاسر، المديرة التنفيذية لبرنامج المحيطين الهندي والهادئ في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة، أن الصين “تصور نفسها وكأنها صانعة للسلام في مواجهة ما تزعمه من دور أمريكي مزعزع للاستقرار”. وأضافت في مقابلة مع DW أن “هذا يمثل هدفا ذا أولوية للصين التي لا تتوقع تحقيق أي انفراج”.
الصين.. علاقات تعود لعقود مع الشرق الأوسط
وشهدت السنوات الأخيرة، انخراطا صينيا دبلوماسيا كبيرا في الشرق الأوسط، خاصة جهود وساطتها بين السعودية وإيران التي تكللت باجتماع بين وزيري خارجية البلدين في أبريل / نيسان العام الماضي في بكين لأول مرة منذ سبع سنوات.
وقبل أشهر من هجوم حماس الإرهابي في أكتوبر / تشرين الأول الماضي، حثت الخارجية الصينية إسرائيل على استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين على “أساس حل الدولتين”.
وتتمتع الصين بتاريخ طويل في دعم الدول العربية؛ إذ خلال الحرب الباردة، أعلنت بكين تضامنها مع الدول العربية بتصويتها عدة مرات ضد إسرائيل في الأمم المتحدة. يُشار إلى أن الصين وإسرائيل لم تقيما علاقات دبلوماسية رسميا إلا في عام 1992. ومنذ ذلك الحين، تنظر الصين إلى إسرائيل باعتبارها شريكا تجاريا في المقام الأول.
وكان من المقرر أن يقصد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بكين في أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي في زيارة كانت ترمي إلى إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين، لكن هجوم السابع من أكتوبر الإرهابي أدى إلى إلغاء الزيارة.
الصين “ليست وسيطا محايدا”
وفي تعليقه على دورها في الصراع بالشرق الأوسط، قال الخبير في الشأن الصيني ألبيرمان إن بكين “ليست وسيطا محايدا على الإطلاق، لأنها تصطف إلى جانب الفلسطينيين”. وأضاف أن “الحكومة الصينية بشكل تقليدي تقف إلى جانب الطرف المضطهد في مثل هذه الصراعات”. مشيرا إلى أن الصين أقدمت خلال السنوات الأخيرة على توثيق علاقتها مع الفلسطينيين. وقال “أرى أن ذلك يأتي في إطار مساعي الصين إلى تعزيز تواجدها في الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم بشكل عام كبديل للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة”.
ولا يوجد اتصالات منتظمة بين حماس والصين، لكنها تحتفظ بعلاقات جيدة مع السلطة الفلسطينية حيث زار محمود عباس بكين في منتصف العام الماضي وأجرى مباحثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي قال إن بلاده سوف “تدعم إقامة دولة فلسطينية” في طرح تعارضه إسرائيل.
وخلال كلمته أمام “منتدى التعاون الصيني – العربي” في مايو/ آيار الماضي أعرب الرئيس الصيني عن أسفه للمعاناة التي تسببت فيها حرب غزة، قائلا: “لا يجب أن تستمر الحرب إلى أجل غير مسمى، ولا يجب أن تغيب العدالة إلى الأبد”.