رأي

ماذا تريد أمريكا.. ماذا تريد الإمارات؟

كتب رائد برقاوي, في “الخليج”:

هي مشغولة على مدار 24 ساعة، وطيلة أيام الأسبوع، والشهر والسنة.. لا تلتفت للأصوات مهما علت، ولا تعير انتباهاً للأفعال التي تعيق هذا الانشغال، فطريقها طويل جداً، عريض وواسع، ومعبّد، تظهر فيه المطبّات بين الحين والآخر، فتحوّلها ببراعة إلى انطلاقة جديدة بعد التقاط الأنفاس.. تضبط الإيقاع للوصول إلى المحطة التالية، فالتالية، بأفضل الوسائل وأعلى مستويات القيادة والأمان.
إنها دولة الإمارات العربية المتحدة، الخبيرة في الانشغال بالتنمية، التي امتهنت صناعة الازدهار، تلك الصناعة التي أتقنتها بحرفية عالية جعلت منها أيقونة عالمية في مرحلة قصيرة جداً بعمر الشعوب والدول والأوطان.
على جناحي الاستقرار والتنمية، وبأحرف من نور، تمضي الإمارات قدماً في رسم طريق المستقبل الذي لا مكان فيه إلا للأقوياء المثابرين الفاعلين، أصحاب الهمّة العالية والرؤية الحالمة، هؤلاء هم الفائزون دوماً، ومن هنا تُقرأ زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحمل عناوين عدّة، أبرزها الشراكة الاستراتيجية مع القوة الأولى في العالم.
شراكة من نوع آخر، ترتكز على اقتصاد المستقبل.. والتكنولوجيا المتقدمة.. والذكاء الاصطناعي والعلوم والهندسة المالية.. وعلى الفضاء والتعليم والصحة.. شراكة تعتمد على البيانات، وقود المستقبل وسلاحه الأساس لحرق المراحل، ليس من أجل مواكبة الركب العالمي فقط، ولكن بهدف المساهمة في صياغة المستقبل، وتقدّم صفوف التطوّر الحضاري والمعرفي، حيث إمكانات الإمارات واستثمارها النوعي في محاوره وفروعه.
عندما يستقبل اليوم قادة البيت الأبيض، القائد الشيخ محمد بن زايد، فهم يستقبلون قامة عربية دولية كبيرة، تحظى بالاحترام والتقدير في الشرق والغرب.. قامة تتصف بالحكمة وبُعد النظر، وقيادة تمتلك من الأفعال ما يملأ الكتب من نجاحات جعلت الإمارات بين الدول الأكثر تميّزاً ونجاحاً، ليس في الشرق الأوسط فحسب وإنما في مصاف دول العالم.. قامة وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بالشخصية المحنّكة والذكية والهادئة.
ويدرك الجانب الأمريكي وهو يستقبل صاحب السمو رئيس الدولة، في زيارة تاريخية، أن سموّه قائد دولة يُعتمد عليها في الشراكات، وأن التاريخ والتجارب أثبتت أن وعود الإمارات والتزاماتها ثابتة، وأن التعاون بين الجانبين واسع ومتعدد الأوجه، وأن بالإمكان البناء على هذا التعاون بأشكال جديدة تحاكي المستقبل.
الإمارات بما تمتلكه من إنجازات وبما تهدف لتحقيقه في التخطيط لمستقبلها، قادرة على احتضان وتنمية الفرص في قطاعات الاقتصاد الجديد (الأخضر والدائري والطاقة النظيفة والصناعات القائمة على التقنيات والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة)، حيث الاتجاه التنموي الجديد لمحاكاة المستقبل الآن.
ماذا تريد الإمارات من الولايات المتحدة؟ تريد التعاون المشترك بأعلى مستوياته لتحقيق الفائدة للبلدين وللشعبين ولاقتصاديهما.. تريد بناء شراكات فعّالة بين المؤسسات والدوائر الاقتصادية والعلمية لدى كلا الجانبين، وفي القطاع الخاص الذي يشكل محور التنمية في البلدين.. تريد توطين التكنولوجيا المتقدمة في الإمارات.. تريد تعاوناً أكبر في الفضاء والعلوم والبحوث، بما يحقق المكاسب لتلك المؤسسات.
في المقابل، ماذا يمكن لدولة الإمارات أن تقدّم لأمريكا، الدولة الكبرى، بعيداً من الملفات الجيوسياسية؟ من المؤكد أن بين الأولويّات الموثوقية التي عُرفت عن الإمارات، وكذلك يمكن البناء على أكثر من تريليون دولار من الاستثمارات الإماراتية في مختلف مجالات الاقتصاد الأمريكي، وعلى 40 مليار دولار من التجارة السلعية سنوياً بين البلدين، التي تعادل أكثر من ربع تجارة واشنطن مع العالم العربي بأكمله. ويمكن البناء على الأسواق الحيوية لدولة الإمارات، وبنيتها التحتية والشبكة الواسعة من العلاقات العميقة في إفريقيا وآسيا أيضاً.
علينا التمعن بما حققته على مدار عقود المقار الإقليمية للشركات الأمريكية العملاقة، وكذلك البنوك الأمريكية الكبرى وكيف استفادت من وجودها في كل من أبوظبي ودبي. وكذلك الموثوقية والاعتماد على القاعدة اللوجستية للاقتصاد الإماراتي، وما يتعداها من عمق شبكة الربط الدولية، بحراً وجواً.. وعلى الطاقة المتجددة التي أصبحت الإمارات لاعباً أساسياً في صناعتها، وفي التفاصيل الكثير الكثير مما تبرع الإمارات في إنجازه، وبنجاح كبير.
أبواب البيت الأبيض تُفتح اليوم أمام الزيارة التاريخية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بما يمثّله سموّه من ثِقل دولي اقتصادياً وسياسياً، وحضور إنساني فعّال وبناء جسور التلاقي بين دول العالم، حاملاً معه نجاحات الإمارات في مختلف الميادين، وشبكة كبيرة من الشراكات والعلاقات القوية التي نسجتها بحنكة مع مختلف الاقتصادات حول العالم.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى