شؤون دولية

ماذا بقي من المعارضة في تونس؟

شهدت المعارضة في تونس بالتاريخ السياسي المعاصر تحولات عديدة ارتبطت بالسياق السياسي الذي وجدت فيه منذ الاستقلال، إذ بدأت بالمحاصرة والتضييق، وانتهت إليه.

ففي عهد الحبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية التونسية (1956 – 1987) شهدت البلاد صراعاً ضد اليوسفييين نسبة إلى صالح بن يوسف، أحد زعماء الحركة الوطنية، كما تم تجميد نشاط الحزب الشيوعي التونسي عام 1962، وحوصر نشاط الإسلاميين واليساريين على حد سواء.

ولم يكن حكم زين العابدين بن علي بدوره متسامحاً مع المعارضة التونسية حين تعرض الإسلاميون للسجن، وتم التضييق على نشاط “الحزب الديمقراطي التقدمي”، بزعامة أحمد نجيب الشابي، ومحاصرة زعيم حزب العمال حمة الهمامي، بينما سمح بنشاط المعارضة “الكرتونية” ذات الوزن الانتخابي الضعيف. 

وبعد 2011 تسارعت الأحداث السياسية، وعرفت المعارضة زخماً كبيراً، ونشطت حركة الأحزاب ليتجاوز عددها الـ200 حزب، من مختلف العائلات السياسية، كما نشطت فعاليات المجتمع المدني.

لم تدم تلك الفترة سوى 10 سنوات، عندما انبثق مسار 25 يوليو (تموز) 2021 من رحم الأزمة السياسية التي عاشتها البلاد ومثل منعرجاً حاسماً في المشهد السياسي في تونس، وعرفت المعارضة السياسية لهذا المسار بدورها تحولات عميقة، ولم يعد المشهد اليوم مختلفاً عما واجهته من صعوبات في الماضي خاصة بعد الزج بعدد كبير من قياداتها في السجون بتهم مختلفة، آخرهم رئيسة “الحزب الدستوري الحر”، عبير موسي، وهو وضع يدعو إلى التساؤل عما بقي من المعارضة في تونس، وهل يعكس انحسار دور المعارضة مشهداً سياسياً متوازناً؟

أجهزة الدولة تصفي المعارضة

يؤكد الكاتب الصحافي الحبيب بوعجيلة في تصريح لـ”اندبندنت عربية” أن “السلطة القائمة حالياً استطاعت باستخدام الأجهزة الصلبة للدولة تحجيم المعارضة من خلال محاصرة (جبهة الخلاص) ومكوناتها، ثم المرور إلى بعض منظمات المجتمع المدني، ووضعت الاتحاد العام التونسي للشغل في وضع المهادن للسلطة”.

وكان الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي قد صرح يوم التاسع من سبتمبر (أيلول) 2023، “بأن السكوت في بعض الأحيان نضال”. 

ومثل إيقاف رئيسة “الحزب الدستوري الحر” عبير موسي التي أسهمت إلى حد كبير في تمهيد الطريق لمسار 25 يوليو 2021 من خلال معارضتها لحركة “النهضة”، المحطة الأخيرة في مسار تحجيم المعارضة.

ويرى بوعجيلة أن “نجاح سلطة الرئيس قيس سعيد في فرض حصار على المعارضة يتم بأدوات الدولة وبأجهزتها، وليس بأدوات المنافسة السياسية الطبيعية”، مشيراً إلى أن “هذا الوضع دفع القوى الدولية إلى توصيف الوضع في تونس بالأزمة السياسية الحقيقية التي تقوم على القمع”. 

ويخلص الكاتب إلى أن “الرئيس سعيد نجح في تقزيم دور المعارضة التي لم يبق منها سوى تلك القوة الرمزية والأخلاقية، المتمثلة في انتصارها بمعركة المظلومية باعتبارها جهة مقموعة”.

ويرفض بوعجيلة السردية التي أقام عليها الرئيس التونسي مساره في البداية، وهي “تصحيح مسار الثورة بينما هو في الواقع تصحير للمشهد السياسي”، واصفاً ما يقوم به بـ”التصفية السياسية لخصومه من المعارضة السلمية، بينما السلطة مدججة بالقوة المادية والرمزية”. 

وبخصوص المحطات الانتخابية المقبلة يعتقد بوعجيلة أن “نسبة المشاركة ستكون ضعيفة كسابقاتها من الانتخابات التشريعية والاستفتاء والاستشارة، نظراً إلى حال الانشغال الشعبي بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى أن هذه الانتخابات لن تكون ذات صدقية في غياب الرقابة الدولية وبوجود هيئة انتخابات منصبة”، بحسب تعبيره.

ويتساءل بوعجيلة هل أن “السلطة الحالية ستضع شرعيتها أمام الاختبار الشعبي من خلال تنظيم انتخابات رئاسية؟ ومن سيترشح إليها؟ وهل ستحظى بإقبال من الناخبين أم لا؟”.

معارضة غير وطنية

في المقابل، هناك من يعتبر أن المعارضة السياسية في تونس لم تنضج بالشكل المطلوب، ولم يكن لها الامتداد الشعبي الذي يمكنها من إنشاء قاعدة قوية تتصدى لمحاولات تقزيمها من قبل السلطة، ويذهب الناشط السياسي وأمين عام حزب التيار الشعبي زهير حمدي في تصريح خاص إلى أن “مفهوم المعارضة في تونس يحتاج إلى مزيد من التدقيق لأن الصراع القائم اليوم في البلاد هو صراع بين سلطة وطنية، وعناصر لها ارتباطات خارجية وليست بالمعارضة الوطنية”.

ويعتبر حمدي أن “المعارضة تقف ضد تونس مع الهيمنة الاستعمارية والإمبريالية، وهي معارضة منبتة على واقع الشعب التونسي، بينما السلطة الراهنة متمسكة بالخيارات والثوابت الوطنية، وباستقلال الخيار الوطني ورافضة لإملاءات المنظمات الدولية، وبخاصة صندوق النقد الدولي”. 

وحمل الناشط السياسي المنظومة السابقة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع وهو ما جعل التونسيين “لا يتحسرون عليها ولا يتضامنون معها، بعد 25 يوليو 2021”.

ويعتقد حمدي أن “الخيار الوحيد أمام التونسيين اليوم، هو الالتفاف حول مسار 25 يوليو، وتوجيه النقد في حال وجود أخطاء، من دون الارتماء في أحضان الجهات الخارجية كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي تعمل على ابتزاز تونس من أجل فرض أجنداتها على الشعب”.

ولئن يقر حمدي بأن “الأصل في الحياة السياسية هو وجود سلطة ومعارضة، إلا أن أحزاب المعارضة لها ارتباطات خارجية، ويبقى الحل في أن توسع السلطة الراهنة دائرة مشاوراتها، وتنفتح على الأحزاب المؤمنة بالمشروع الوطني، من أجل بناء جبهة داخلية وطنية في مواجهة كل من أجرم في حق تونس والتونسيين”.

فشل محاولات توحيد المعارضة

في الأثناء، يحمل بعض المتابعين للشأن العام في تونس المعارضة نفسها مسؤولية وضعها الراهن، لأنها لم تكن موحدة، وطغت عليها الصراعات من أجل الزعامة والانقسامات الأيديولوجية، كما أنها لم تستثمر مسار 25 يوليو 2021 لتشكل جبهة معارضة قوية تكون قادرة على مواجهة الرئيس قيس سعيد.

وباءت محاولات عدد من الأحزاب في التجميع وتوحيد المعارضة بالفشل بالنظر إلى الانقسامات الحادة التي تشق صفوفها وتباين مواقفها في بداية مسار 25 يوليو 2021، بين المعارضة الراديكالية التي وصفت ما حدث بالانقلاب، وبين من بقي ينتظر لتقييم الوضع، وبين من اكتفى بمسافة نقدية من هذا المسار. 

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى