رأي

ماذا بعد القمة؟

كتب جمال الكشكي, في البيان:

القمة العربية الإسلامية التي عقدت يوم الاثنين الماضي، في العاصمة القطرية الدوحة، تحدثت بوضوح عن الأخطار التي تحاصر خرائط المنطقة والإقليم، وأكدت أن الحالة الضبابية التي تعيشها المنطقة تحجب الرؤية.
الأمر الذي يتطلب إعادة النظر عربياً وإسلامياً تجاه الخطر الذي لم يعد قاصراً على القضية الفلسطينية فقط، على الرغم من مركزيتها وأهميتها بالنسبة لاستقرار الشرق الأوسط.

اللحظة استثنائية، بل شديدة الدقة، تقدير الموقف صفري، فالقضية وجودية والصراع يتخذ منحى تاريخياً لفرض واقع جديد على وجه المنطقة. بنيامين نتانياهو وضع كل أطماعه على الطاولة، الحفاظ على بقائه يقوده إلى فعل كل شيء على حساب الجميع، حالة انفلات غير مسبوقة تتجاوز كل القوانين الدولية والإنسانية.

يوم التاسع من سبتمبر 2025، يوم العدوان الإسرائيلي على قطر، يعد يوماً خطيراً يضاف إلى الأيام التي غيّرت العالم، ولذا لم يعد الصمت ممكناً على هذا العدوان الذي طال دولة خليجية للمرة الأولى في التاريخ، ما يفتح الباب للفوضى والغطرسة وما يسمى سلام القوة الخطير الذي بات يهدد الإقليم العربي، ويتوسع إلى تهديد الاستقرار العالمي، ويجعل من المنطقة ساحة تنطلق منها بذور الحرب العالمية الثالثة.
وقد اعترف بنيامين نتانياهو بوظيفة إسرائيل الحقيقية، حين قال إننا نشبه إسبرطة القديمة، وبذلك يكشف عن الدور، حيث إن إسبرطة كانت بمثابة معسكر جنود وسلاح تقاتل أثينا المتمدنة والمتحضرة.
والمعنى العميق لهذا الأمر أنه يضع نفسه كمستعمرة عسكرية لا تتوقف عن القتال، فإسبرطة كانت تلك وظيفتها في العصور اليونانية القديمة. يعتقد نتانياهو أننا لا ندرك الرموز التي يرمي إليها، فبعد أن استعان بنصوص دينية، ها هو يستعين بتاريخ مظلم من الأزمنة القديمة.

هذا التطرف يفضي إلى توسيع دائرة التدمير في الشرق الأوسط، وكان الاعتداء على الشقيقة قطر بمثابة إشارة كبرى لهذه الأخطار، فللمرة الأولى منذ اندلاع الصراع العربي – الإسرائيلي قبل ثمانين عاماً، ترتكب إسرائيل عدواناً على دولة خليجية.
وهذا بمثابة كسر للعهد الإقليمي والعهد الدولي الذي ينظر إلى منطقة الخليج كونها منطقة استقرار عالمي، بما تحظى به من اقتصاد يترابط مع العالم، وسياسة تسهم في استقرار الشرق الأوسط.

جاءت رسائل القمة لتؤكد أن العدوان الذي طال الأجواء والأراضي القطرية سابقة خطيرة وانتهاك جسيم للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ما يجعل المسألة ليست قطرية فقط، إنما قضية تمسّ الأمن القومي العربي والإسلامي، وأن الممارسات الإسرائيلية تجاوزت كل الخطوط الحمراء.
وأصبحت سلوكاً منفلتاً يهدد بتوسيع رقعة الصراع إلى المنطقة كلها، ما يعني أن الصمت لم يعد مقبولاً، وأنه لا بد للمجتمع الدولي، أن يتحمل مسئولياته القانونية والأخلاقية، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الإسرائيلية التي تعرقل أي جهد للسلام.

اللافت للنظر أيضاً، أن أوراق القمة أكدت أهمية بلورة إطار عربي – إسلامي للتعاون والأمن الإقليمي، استناداً إلى القرار العربي الأخير حول الرؤية المشتركة للأمن والتعاون، منعاً لفرض ترتيبات إقليمية أحادية الجانب.
فالأمن لا يتحقق بالقوة والاعتداء، بل باحترام القانون الدولي وسيادة الدول، فضلاً عن الرسالة الموجهة إلى المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة في المشهد، للضغط على بنيامين نتانياهو لوقف الإبادات الجماعية والتطهير العرقي الذي يقود إلى تقويض النظام العالمي، وقيادة العالم إلى نفق يصبح الخروج منه مكلفاً لكل الشعوب.

تباينت كلمات القادة والزعماء والرؤساء، لكن يظل القاسم المشترك والحقيقة الثابتة والسؤال المركزي هو: ماذا بعد القمة؟ في الحقيقة أرى أن التماسك العربي ووحدة الرؤية والموقف، ومواصلة الضغط على المجتمع الدولي، والإصرار على ثوابت منع التهجير وتصفية القضية، وترسيخ السردية العربية لدى الرأي العام العالمي.
واستثمار مخرجات القمة العربية الإسلامية كورقة ضغط مستمرة، كل هذا يجب أن يتم على قدم وساق وبقوة وعمق من كل الدول العربية والإسلامية لمجابهة هذه الأخطار المتلاحقة، فلم يعد خافياً على أحد أنه من دون إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ستظل خرائط الإقليم والمنطقة في صراعات وحروب لن يكتبها التاريخ، ولن تعتمدها الجغرافيا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى