رأي

مؤشرات دولية للحسم الأممي في مغربية الصحراء

كتب طالع السعود الأطلسي, في العرب:

من الإدارة الأميركية كما من الاتحاد الأوروبي، القرار واحد ومؤداه واحد: الصحراء مغربية، والمغرب اقترح الحكم الذاتي كحل للنزاع، وهو اليوم موضوع تبنٍ دولي واسع ومتنامٍ.

أواخر شهر تشرين الأول – أكتوبر الجاري، سيعقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جلسته السنوية التقريرية بشأن تطورات نزاع قضية الصحراء المغربية. وتأتي هذه الجلسة متزامنة مع بلوغ النزاع نصف قرن منذ اندلاعه حول الحق الوطني المغربي، بعد استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراوية من الاستعمار الإسباني سنة 1975، بفعل المسيرة السلمية الشعبية التي دعا إليها الراحل الملك الحسن الثاني.

جلسة هذه السنة مرشحة لأن تكون فاصلة في تاريخ النزاع، إذ يُرتقب أن يكون قرارها نوعيًا. فمنذ عقود، تدرجت قرارات مجلس الأمن، متأثرة بمحرار السياسة الدولية، من قرارات باردة، فمحايدة، ثم مترددة، إلى أن أسقطت مطلب الاستفتاء وأحلّت محله عبارة: “حل متوافق عليه، واقعي ودائم”. وصولًا إلى ترديد مضمون مقترح الحكم الذاتي المغربي، دون تسميته صراحة. والمتوقع أن يُسمّى ويُتبنّى في الاجتماع المقبل، ليعلن مجلس الأمن عن تملكه لقناعة المجتمع الدولي بوجوب وضع نقطة النهاية لنزاع لا معنى له من أصله، وشاذ عن مجريات التدافعات الدولية ونشاز في معزوفاتها.

قبيل انقضاء شهر أيلول – سبتمبر، استباقًا أو تمهيدًا لقرار مجلس الأمن، كانت الأقاليم الصحراوية المغربية موضوع حدثين بارزين عززا مغربيتها:

الأول: الإعلان الرسمي للإدارة الأميركية عن تشجيع “الرأسمال” الأميركي على التوجه باستثماراته إلى الأقاليم الجنوبية المغربية، على خط الاعتراف الرسمي الأميركي بمغربيتها.

جلسة مجلس الأمن هذه السنة مرشحة لأن تكون فاصلة في تاريخ النزاع إذ يُرتقب أن يكون قرارها نوعيًا يعلن تبني مقترح الحكم الذاتي المغربي كحل واقعي ودائم

الثاني: قرار الاتحاد الأوروبي بتجديد الاتفاق التجاري مع المغرب، بما يسمح بتسويق المنتجات الفلاحية للأقاليم الصحراوية في أوروبا، متجاوزًا قرارًا قضائيًا أوروبيًا كان قد اعترض على ذلك. وما كان لأوروبا أن تسمح لأمريكا بتجاوزها في المجال المغربي الصحراوي.

بهذا القرار، تقول أوروبا إنها حسمت في مغربية الأقاليم الصحراوية سياسيًا، وبدون اشتراطات أو ضغوط مغربية، ورغم نتوءات مؤسساتية أوروبية. والملاحظ أن القرار الأوروبي يعكس اقتناع نحو عشرين دولة أوروبية بمقترح الحكم الذاتي المغربي. ولعل القارئ يستنتج حاجة أوروبا إلى تأمين خلفيتها الجغرافية والاقتصادية والإستراتيجية في ظل تداعيات الصراع بين روسيا والإدارة الأميركية. كما قد يلحظ أن أوروبا اختارت أن تكون في صف المغرب، بكل مؤهلاته وممكناته وما يعد به واقعيًا وملموسًا من فوائد، في إطار قاعدة “رابح-رابح” التي فرضها المغرب، بما يريحها ويرتاح له شركاؤه.

من الإدارة الأميركية كما من الاتحاد الأوروبي، القرار واحد ومؤداه واحد: الصحراء مغربية، والمغرب اقترح الحكم الذاتي كحل للنزاع حولها، وهو اليوم موضوع تبنٍ دولي واسع. وكلا الجهتين الوازنتين دوليًا مع ذلك الاقتراح، بل وتدفعان في اتجاه توجيه مجلس الأمن ليصرّح بما هو معلن من قناعة دولية.

في مجلس الأمن، تفاعلت الصين مع القرارات منذ 2017 بالموافقة عليها، رغم أنها “مكتوبة” بقلم أمريكي. وللصين اعتبار خاص للمغرب تاريخيًا. واليوم، تربطها به “اتفاقية الحوار الاستراتيجي” التي تؤطر طموحات للتعاون الاقتصادي والتجاري بعيد المدى، وهي تتطلع لتجديد صلاتها مع إفريقيا وفتح معابر نوعية إليها بقواعد جديدة، وهو ما يؤمنه المغرب أو هو مؤهل له. وبذلك، فإن دعمها لقرار أممي نوعي وواضح يؤكد مغربية الأقاليم الجنوبية لن يكون مفاجئًا، بل مرتقبًا، وهو على خط التفاهم المغربي-الصيني.

أما روسيا، فهي تخوض صراع تحدٍ مع الحلف الأطلسي، ولها حضور عسكري في شمال إفريقيا، سواء في ليبيا أو دول الساحل والصحراء. والمغرب حاضر أيضًا في المنطقة، لكن بالقوة الهادئة، عبر المبادرات الاقتصادية الإستراتيجية المفيدة لدول وشعوب المنطقة، وبالخبرة الاستخباراتية المناهضة للإرهاب، وبالتفاعل الديني المسالم والموحّد لأقطار تعاني من شقوق أثنية واجتماعية غائرة.

لا الإدارة الأميركية ولا رئاسة الاتحاد الأوروبي أقدمتا على “إشهار” اعترافهما بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية إلا تصريحًا بالتوجه الذي على مجلس الأمن أن يؤكده ويمنحه “الدمغة” الدولية المطلوبة

المغرب، في المنطقة، لا يناصر روسيا ولا يزعجها. الفارق أن دول المنطقة هي التي تستدعي المغرب وتطلبه، بينما لروسيا مرامٍ إستراتيجية أوسع، وهي في حاجة لإخماد نزاعات هامشية أو مزعجة فقط، ضمن إمساكها بخيوط توازنات علاقاتها هناك. والنزاع حول الصحراء المغربية من صنف تلك المزعجات ليس إلا.

من أصل 15 دولة عضوًا في مجلس الأمن، هناك 11 دولة ما بين معترفة بالسيادة المغربية على أقاليمه الصحراوية (مثل الولايات المتحدة، فرنسا، سيراليون، الصومال) أو مقرة بمقترح الحكم الذاتي كحل للنزاع (مثل بريطانيا، الدانمرك، اليونان، باكستان، بنما، كوريا الجنوبية، سلوفينيا). أما البقية فهي خارج التصنيف: الجزائر، ولا يحتاج موقفها إلى توصيف لوضوحه في رفض التوجه الأممي لفائدة الحق الوطني المغربي (بل واستنكرته كما فعل مندوبها في المجلس السنة الماضية)، والصين التي وافقت على القرار الأخير، وروسيا التي امتنعت عن التصويت عليه، وأخيرًا غويانا التي يُفترض أن تكون مع القرار القادم بالنظر لعلاقاتها الحديثة والجيدة مع المغرب. في النهاية، عبور القرار بالمحمولات المتوقعة له لفتح مرحلة الحسم النهائي في مغربية الصحراء، وللخوض في تنزيل الحكم الذاتي فيها، يعتمد على الموقف الروسي، والذي لا يُتوقع أن يكون أقل من الامتناع، إذا لم يكن أحسن وأصح ومنصفًا للمغرب.

روسيا ستستضيف منتصف تشرين الأول – أكتوبر الجاري المؤتمر الروسي-العربي. ولن يُطرح فيه موضوع نزاع الصحراء المغربية، لأن العرب “مجمعون” على مناصرة الحق الوطني المغربي، والاستثناء واحد لا يُعتد به. كما أن “دولة” البوليساريو ممنوعة من الجامعة العربية ومن الاعتراف الروسي على السواء. وللمغرب في المحيط العربي مكانة الجامع والميسّر، وهو ما تطلبه روسيا لنفسها من المغرب. ولن يتعذر على روسيا الاستمرار في ممارسة امتناعاتها، تسهيلًا لقرار تاريخي لصالح المغرب. هذا إذا لم تستجد تطورات تدفعها إلى الارتقاء من الامتناع إلى مناصرة مقترح المغرب للحل السلمي الواقعي والدائم، على النحو الذي أشرت إليه أعلاه.

أتصور أن لا الإدارة الأميركية ولا رئاسة الاتحاد الأوروبي أقدمتا على “إشهار” اعترافهما بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية إلا تصريحًا بالتوجه الذي على مجلس الأمن أن يؤكده ويمنحه “الدمغة” الدولية المطلوبة.

المغرب، بمجموع ما هو عليه من إنجازات، وتحولات، ومؤهلات، قيمة خالصة، أكيدة، واعدة وموثوقة. وبذلك تحطمت أوهام الانفصال على أسوار متينة أرساها بنجاعة الأعمال وقوة الآمال.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى