مؤتمر ميونخ 2024.. الهجرة والمناخ وروسيا تتصدر مخاوف العالم
كتب فرانك هوفمان في DW.
كشف تقرير مؤتمر ميونخ للأمن عن أن الهجرة وظاهرة تغير المناخ تشكلان أول وثاني تهديد للأمن العالمي فيما جاءت روسيا ثالثة في الترتيب. وأظهر الاستطلاع عن أن معظم شعوب العالم باتت تخشى من الهجمات السيبرانية والذكاء الاصطناعي.
قال رئيس مؤتمر ميونخ للأمن كريستوف هيوسغن إن العالم في 2024 يتسم “بمسار منحدر في السياسة العالمية بما يشمل زيادة وتيرة التوترات الجيوسياسية وحالة من عدم اليقين الاقتصادي”.
جاء حديث هيوسغن في مستهل التقرير الأمني الجديد للمؤتمر الذي صدر الاثنين قبل بدء فعالياته رفيعة المستوى هذا الأسبوع في بافاريا.
وسينطلق مؤتمر ميونخ للأمن في السادس عشر من فبراير / شباط الجاري ولمدة يومين حيث سيجتمع سياسيون رفيعو المستوى وشخصيات عسكرية وخبراء أمنيون من كافة بقاع العالم وسط توقعات بمشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وفقا لاستطلاع “مؤشر ميونخ للأمن” نُشر قبل مؤتمر العام الماضي، فقد جرى تصنيف الحرب الروسية على أوكرانيا على أنها أكبر تهديد للأمن خاصة في بلدان مجموعة السبع.
بيد أن مؤشر 2024 حيث جرى استطلاع آراء أكثر من 12 ألف شخص في دول مجموعة السبع بالإضافة إلى البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا، فقد كشف عن أن “الهجرة الناجمة عن الحروب وظاهرة تغير المناخ” تتصدران المخاوف الأمنية بما يتجاوز ما تشكله روسيا من تهديدات.
وذكر المؤشر أن الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع خلال الفترة ما بين أكتوبر / تشرين الأول ونوفمبر / تشرين الثاني الماضيين يبدوا أنهم قد اعتادوا على مشهد الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي سؤال عن “الشروط المقبولة لوقف إطلاق النار في أوكرانيا”، أفاد 92 في المئة من المشاركين بضرورة انسحاب كامل القوات الروسية من أوكرانيا بما في ذلك شبه جزيرة القرم، فيما رأى 12 في المئة فقط أنه من المقبول أن تبقى شبه جزيرة القرم فقط تحت السيادة الروسية.
وأعرب أكثر من ثلثي المشاركين في الاستطلاع عن دعمهم لتسريع خطوات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
الغرب ومنافسة الصين؟
وجاء تقرير مؤتمر ميونخ للأمن الجديد تحت عنوان “خسارة – خسارة” أو عبارة أخرى “الجميع خاسر” في ظل الوضع العالمي الراهن. وقد كشف الاستطلاع عن تزايد مخاطر حدوث صراع عسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بين الصين وتايوان.
وأشار الاستطلاع إلى تنامي المخاوف بشكل كبير جراء تداعيات تزايد ثقة الصين بنفسها، خاصة في اليابان تليها الهند والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا.
وفيما يتعلق بدول مجموعة السبع التي تضم ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا واليابان وكندا والولايات المتحدة، فقد كتب هيوسغن أن قطاعات كبيرة من شعوبها أعربوا عن اعتقادهم بأن بلدانهم ستكون “أقل أمانًا وثراءً في غضون عشر سنوات”.
ويظهر الاستطلاع أن المشاركين في دول السبع يتوقعون أن تُقدم الصين ودول الجنوب العالمي على زيادة قوتها ونفوذها بما يصب في صالح العملاق الآسيوي على حساب بلدان المجموعة.
العولمة في اتجاه معاكس
وكشف التقرير عن تزايد حالة السخط بشكل عام تجاه الوضع الاقتصادي العالمي، مضيفا أنه “رغم الإنجازات الكبيرة التي تحققت في حقبة ما بعد الحرب الباردة، إلا أن الأطراف الفاعلة الرئيسية في الدول الغربية والأنظمة الاستبدادية القوية وبلدان الجنوب العالمي باتت جميعها غير راضية عن الوضع الراهن”.
وكشف المؤشر عن انزلاق العولمة صوب مسار عكسي خاصة مع تزايد المنافسة والضروريات الأمنية المتنامية التي تسود عالمنا في الوقت الراهن.
وعلى الصعيد العالمي، فإن وتيرة تدفق رؤوس أموال إلى الصين تنخفض بشكل خاص فيما أدى احتدام التنافس الجيوسياسي إلى إعلان وفاة الاعتقاد السائد بأن العولمة التي تحركها عوامل السوق تؤدي إلى توزيع عادل للثروات.
وقال التقرير إن الدول تعطي أولويتها “لتعزيز قدرتها على الصمود وتكثيف قدراتها الأمنية على حساب الجدارة والكفاءة”، مضيفا أن التحولات السياسية الدراماتيكية التي شهدتها الأعوام القليلة الماضية تنعكس على “واقع الاقتصاد الكلي”، بحسب وصف التقرير.
وأشار إلى أن تدفقات رؤوس الأموال الغربية باتت تتجه من الصين إلى شركاء دوليين آخرين، مضيفا أن “التدفقات التجارية تُظهر أيضا مؤشرات أولية على إعادة الهيكلة على أسس جيوسياسية”.
ويرى مراقبون أنه استنادا على هذه النتائج، فإن تقرير مؤتمر ميونخ الأمني يرسم صورة متشائمة للغاية للحوار في العالم بشكل عام، لكن التقرير كشف عن أن أوروبا وألمانيا على وجه الخصوص تمثل الاستثناء.
وفي ذلك، قال التقرير إن “الشركات الألمانية تمضي قدما في ضخ استثمارات بكثافة في الصين في تحدٍ لطموح برلين في تقليل تعرضها (للصين)”، مضيفا “بقى الاستثمار الأجنبي الألماني المباشر في الصين عند مستوى شبه قياسي في النصف الأول من عام 2023.”
يأتي ذلك رغم استمرار الحكومة الألمانية في استراتيجية “إزالة المخاطر” في علاقاتها مع الصين أو ما يُطلق عليه الحد من التبعية الاقتصادية للصين. وشرعت برلين في هذه السياسية منذ تفشي جائحة كورونا عند انهيار سلاسل التوريد مع الصين فيما تسارعت وتيرة ذلك مع رغبة ألمانيا في تقليل وإنهاء اعتمادها الذي امتد لوقت طويل على مصادر الطاقة الروسية عقب غزو بوتين أوكرانيا أواخر فبراير / شباط عام 2022.
بيد أن التقرير أشار إلى أن هذه الاستراتيجية لم تُترجم إلى أرقام ملموسة حتى الآن.
الساحل الأفريقي..عنف ما بعد الانقلابات
وقد سلط التقرير الضوء على الدور الذي لعبه النفوذ العسكري الروسي المتنامي في موجة الانقلابات العسكرية التي عصفت ببلدان منطقة الساحل الأفريقي.
فعقب الانقلاب في النيجر، عانت القوة الاستعمارية السابقة فرنسا من تراجع نفوذها في المنطقة فيما يبدو أن روسيا تسعى إلى دفع دول الساحل بعيدا عن المدارين الأوروبي والأمريكي.
وفي إسقاط لعنوان التقرير، قال مؤلفه إن “شعوب منطقة الساحل بدورها تخسر فرصة تحقيق السلام والتقدم الديمقراطي إذ شهدت انقلابا واحدا تلو الآخر ودوامة عنف غير مسبوقة منذ 2020.”
وقال التقرير إن حالة انعدام الثقة المتزايدة في جميع أنحاء العالم تنعكس أيضا في إدراك الشعوب حول العالم للخطر الناجم عن الهجمات السيبرانية والجوانب السلبية للذكاء الاصطناعي.
ويشير التقرير إلى أن “التقدم التكنولوجي الذي كان ذات يوم محركا للعولمة ذات المنفعة المتبادلة، تحول إلى سباق من أجل الهيمنة الجيوسياسية” فيما يدعم ذلك نتائج استطلاع مؤشر مؤتمر ميونخ للأمن.
وفي ذلك، قال المشاركون في الاستطلاع بالولايات المتحدة إن هذا التهديد قد ارتفع بشكل خاص فيما جاء في المرتبة الثانية المشاركون من الهند. ويقول التقرير إن الشعوب بشكل عام باتت في حالة خوف بشكل متزايد إزاء حملات التضليل في العالم الرقمي.