رأي

ليبيا في انتظار خارطة الطريق

كتب الحبيب الأسود, في العرب:

عبدالحميد الدبيبة وجه رسالة مضمونة الوصول إلى الأطراف السياسية برفضه سفر نواب المنطقة الغربية إلى بنغازي محقرا البرلمان ودوسا على رمزيته مما ينذر بتصعيد في الأفق القريب.

في الواقع الذي يراهن فيه البعض على خطة الأمم المتحدة الجديدة التي تدور حولها نقاشات وحوارات وسجالات على أكثر من صعيد، استطاع رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة تسجيل هدف مهم في مرمى مجلس النواب عندما دفع بقوة نحو استبعاد خالد المشري، المعروف بحلفه مع عقيلة صالح، من رئاسة مجلس الدولة، واستبداله بمنافسه محمد تكالة، القيادي في حزب العدالة والبناء، الجناح السياسي لجماعة الإخوان، وذلك من خلال جلسة عامة انتخابية شكك المشري وفريقه في شرعيتها، بينما اعترفت بنتائجها بعثتا الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، المعبّرتان عن سياسات عواصم مؤثرة ليس فقط في مجلس الأمن، بل أيضًا في التوازنات الداخلية، لاسيما في العاصمة طرابلس. أول قرار صدر عن مجلس الدولة برئاسة تكالة تعلّق ببطلان إجراءات تشكيل المحكمة الدستورية من قبل مجلس النواب،  معتبرا أن ما جرى من أداء اليمين أمام مجلس النواب هو إجراء باطل منعدم الأثر قانونا، تم خارج إطار الشرعية الدستورية والنظام القضائي، ولا ينشئ أي صفة قضائية لمن قام به.

وجه الدبيبة رسالة مضمونة الوصول إلى جميع الأطراف والقوى السياسية في البلاد عندما رفض السماح لنواب المنطقة الغربية بالسفر جوًا من مطار معيتيقة في طرابلس إلى مطار بنغازي للمشاركة هناك في الجلسة العامة لمجلس النواب التي كان من المفترض أن تُخصّص للنظر في ميزانية الدولة. أهم ما نصت عليه تلك الرسالة هو تحقير البرلمان وترذيله والدوس على رمزيته، وهو ما ينذر بتصعيد في الأفق.

لم يعد خافيًا أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين أكدوا رفضهم لخارطة الطريق المشتركة بين مجلسي النواب والدولة، وأعربوا عن عدم استعدادهم للقبول بقائمة الشخصيات السياسية والاقتصادية المرشحة لرئاسة الحكومة الموحدة، والتي كانت قد قدمت برامجها أمام مجلس النواب ثم أمام مجلس الدولة قبل استبعاد المشري من رئاسته، فيما يواصل الدبيبة، المتمرد على الاتفاق السياسي والمستقوي بمفاتيح الثروة التي يتحكم بها وبسلاح الميليشيات الموالية لسياساته، العبث بالقرار الداخلي واللعب على حبل التجاذبات الإقليمية والدولية وتناقضات المصالح بين القوى الخارجية المتصارعة.

◄ مجلس النواب سيرفض خارطة الطريق الأممية، وسيجد موقفه دعمًا من عدد من أعضاء مجلس الدولة ممن يعتبرون أن امتيازاتهم معرضة للخطر إذا تم تفعيل التوصية الرابعة، خاصة في ما يتعلق بحل الأجسام التشريعية

يعتبر الدبيبة نفسه قادرًا على البقاء في الحكم لما لا يقل عن عشر سنوات قادمة، وهو يراهن على ترويض الإدارة الأميركية الحالية بسلة صفقات، سواء كانت ثنائية بين طرابلس وواشنطن أو مع شركات قريبة من الرئيس. أبلغ ذلك بوضوح تام إلى كبير مستشاري ترامب ومبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وصهره مسعد بولس، عندما عرض عليه علنًا خطة تمويل تصل إلى 70 مليار دولار، بينما بقيت بعض المقترحات الأخرى طي الكتمان، وقد يكون لها دور مهم في تحديد ملامح المستقبل.

في الحادي والعشرين من أغسطس الجاري، ستطرح رئيسة بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا حنا تيتيه، خارطة الطريق المقترحة لحل الأزمة السياسية المتفاقمة في البلد المنهك بفعل الفوضى والحروب والفساد والانقسام والتدخلات الخارجية منذ 15 عاما. مبدئيا، لا توجد مؤشرات عملية على استعداد الفرقاء الأساسيين للسير في اتجاه الحل. المستفيدون من الوضع الحالي غير مستعدين للتنازل عن مصالحهم: الدبيبة سيعمل بكل الإمكانيات المتاحة على عرقلة خارطة الطريق. حلفاؤه سيتحركون معلنين رفضهم المطلق لأي مرحلة انتقالية جديدة، متمسكين باستمرار السلطات الحالية في مواقعها إلى حين تنظيم استفتاء على مسودة الدستور وتنظيم انتخابات برلمانية. كل من يزعمون أنهم يمثلون ثورة فبراير، من قادة ميليشيات وعمداء بلديات وشيوخ قبائل ونشطاء سياسيين وإعلاميين، سيتحركون لدعم الدبيبة. رئيس دار الإفتاء الصادق الغرياني سيتجه إلى نشر فتاواه التي تصب في ذات السياق، محاولا إضفاء شرعية دينية على حكومة طريق السكة. ليس مستبعدًا أن تشهد طرابلس وبعض المناطق المجاورة تحركات ميدانية مفتعلة بين الميليشيات، وقد تنطلق من افتعال معركة بين الميليشيات الموالية للدبيبة وقوة الردع الخاصة والجماعات المتحالفة معها، بما ينقل الحالة الأمنية إلى صدارة الاهتمام ويؤدي تلقائيًا إلى تهميش مبادرة البعثة.

سيرفض مجلس النواب خارطة الطريق الأممية، وسيجد موقفه دعمًا من عدد من أعضاء مجلس الدولة ممن يعتبرون أن امتيازاتهم معرضة للخطر إذا تم تفعيل التوصية الرابعة، خاصة في ما يتعلق بحل الأجسام التشريعية لتحل محلها هيئة تأسيسية جديدة. قد يتطور الوضع إلى احتجاجات قبلية تقود إلى إغلاق الحقول والموانئ النفطية. كل الاحتمالات ستكون ممكنة لإفشال البعثة وفريقها وإشعارها بالعجز والفشل والخيبة، والتأكيد على أن الغانية حنا تيتيه لن يكون حظها أفضل من حظ السلوفاكي يان كوبيش، أو السنغالي عبدالله باتيلي، أو الأميركية ستيفاني ويليامز، أو أي مبعوث آخر، طالما أن المشهد السياسي متأكسد، وكل مضادات الأكسدة لا تفيد في إعادة الصحة والحيوية إليه، وجسم الدولة يبدو فاقدًا للمناعة، وشبه مخترق بالكامل بالبكتيريا الضارة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى