رأي

لوفيغارو: ماكرون.. من الحلم الروسي إلى الواقع “البوتيني”

قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية في مقال للكاتبة إيزابيل لاسيير، إنه بعد عامين ونصف، لم ينسَ الدبلوماسيون بعد إشارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في آب/ أغسطس 2019 خلال مؤتمر السفراء، إلى أولئك الذين -بحسب قوله- يقاومون في التواصل مع الكرملين للتفكير في “هيكل أمني جديد في أوروبا”.

كان بعض الدبلوماسيين الفرنسيين، الذين شهدوا لسنوات فشلا منهجيا للمبادرات التي قدمها كل رئيس جديد، متشككين بشأن إمكانية تحسن العلاقات مع فلاديمير بوتين، الذي ضاعف من أعمال العداء تجاه أوروبا، وأعمال العنف ضد جيران روسيا.

وأضافت الصحيفة أن الرئيس ماكرون، وبعد استحضاره لما وصفه “بالدولة العميقة” التي تعارض سياسته الروسية، قام بتوبيخ السلك الدبلوماسي، قائلاً: “أعلم أن الكثير منكم قد تشكّلت لديهم حالة عدم ثقة في روسيا. بشكل عام، حول هذا الموضوع، نستمع إلى الرئيس ونفعل كالمعتاد. لا يسعني إلا أن أنصحكم بعدم اتباع هذا المسار”.

قبل ذلك بأسبوع، كان ماكرون قد دعا نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى مقر إقامته الصيفية في منطقة “فور بريغانسون”. كان الجو ودياً ونوقشت جميع الموضوعات “بدون محرمات”. الرئيس الفرنسي لم يرضخ قط فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم. لكنه أراد أن يربط روسيا بالغرب، مقتنعاً بأنها أوروبية في الأساس.

لقد الحكاية الحديثة -تتابع “لوفيغارو”- أثبتت بدلاً من ذلك، أن الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الفرنسية هم من كانوا على حق. فقد بالغ ماكرون في تقدير قوة قناعته وتأثير فرنسا. منذ ذلك الحين، تطور حكمه على الكرملين. لقد صُدم الرئيس الفرنسي من تسميم أليكسي نافالني في أكتوبر 2021، وسخرية فلاديمير بوتين من أن خصمه السياسي ربما يكون قد ”سمم نفسه”. كما دمر غزو بوتين لأوكرانيا وأكاذيبه، الأوهام الأخيرة لماكرون، تقول ”لوفيغارو”، مشيرة إلى أن الرئيس الفرنسي، وقبل بدء الحرب، وجد الرئيس الروسي متغيّرا ومتشددا ومهووسا برغبته في مراجعة التاريخ، خلال الزيارة التي قام بها إلى موسكو في السابع من فبراير. ومنذ ذلك الحين، ندد ماكرون بـ”الوقاحة الأخلاقية والسياسية” للرئيس بوتين، و“فتحت الحرب عينيه” كما يقول مصدر في حاشية الرئيس الفرنسي.

فلا جدال في كسر القناة الدبلوماسية التي فتحتها فرنسا مع الكرملين، توضح “لوفيغارو”، منوهة أن ماكرون تحدث مع بوتين عبر الهاتف عدة مرات، أحياناً بناءً على طلب الرئيس الأوكراني، وأحيانا بطلب من بوتين نفسه، وغالبا بمبادرة من ماكرون نفسه.

لم تسفر الدبلوماسية الهاتفية حتى الآن عن أي شيء سوى إثبات التصميم الكامل لسيّد الكرملين على مواصلة حربه. لكن الإليزيه يعتقد أنه من المفيد “قول حقائقه الأربع” لرئيس منعزل للغاية ومنغمس في اندفاع خطير، حتى لا يتركه في فراغ تام. فالإبقاء على القناة الدبلوماسية مفتوحة يجعل من الممكن أيضا الاستعداد لليوم الذي يوافق فيه فلاديمير بوتين على التفاوض. وكان من الطبيعي أن يعود هذا الدور إلى فرنسا التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي. كما افتتح الرئيس الفرنسي مؤخرا قناة اتصال ثانية داخل حاشية الرئيس الروسي.

وتتابع “لوفيغارو” أن ماكرون كرّس جهوده ضمن إطار فرنسي- ألماني، بعد أن تعرضت المبادرات الانفرادية للرئيس الفرنسي لانتقادات من قبل شركائه الأوروبيين. فألمانيا ما تزال تتذكر عبارة “الموت السريري لحلف شمال الأطلسي”، وهي قنبلة يدوية تم إطلاقها في نوفمبر عام 2019 دون إخطار برلين.

أما بالنسبة لدول وسط وشرق أوروبا، فقد كانت قلقة من التقارب مع روسيا الذي بدأ دون علمهم في “فور بريغانسون”. لكن انتهى ذلك منذ بداية الأزمة الأوكرانية، حيث تم تنسيق جميع المبادرات الدبلوماسية للرئيس الفرنسي مع شركائه الأوروبيين.

ولكن إذا أعيد انتخاب ماكرون، فسيتعين عليه أيضا مراجعة أسلوبه في السياسة الخارجية تجاه مؤسستين رئيسيتين، البرلمان الذي لم يُسمع صوته إلا قليلاً، والذي يعتقد البعض أنه يجب أن يكون له مكانة أكثر أهمية. ووزارة الخارجية، التي غالبا ما يتم خنق صوتها منذ بداية الفترة الرئاسية الأولى لماكرون عام 2017 “في هذه الأوقات العصيبة، تحتاج البلاد إلى وزارة خارجية قوية”، يلخص دبلوماسي فرنسي. قد تساعد التجربة الروسية في استعادة التوازن، تختتم “لوفيغارو”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى