
كتب حسين زلغوط خاص رأي سياسي
لم يسمع المسؤولون في لبنان من الموفد الفرنسي جان ايف لودريان اي جديد مختلف عما كان حمله اليهم في زيارته الأخيرة الى بيروت، فهو كرر إستعداد بلاده مساعدة لبنان على تجاوز أزمته السياسية، وجدد طرح فكرة اللقاءات التشاورية للتوافق على انتخاب رئيس، كما انه جدد ايضا تحذيراته من أن يذهب لبنان “فرق عملة” نتيجة أية تسوية للمنطقة ما لم يكن محصناً بمؤسسات دستورية في مقدمها رئاسة الجمهورية لتستطيع ان تواكب اي تطور محتمل ، وتشارك في أي مفاوضات يمكن ان تحصل قبل نسج هذه التسوية. وفي المقابل فإن لودريان سمع من الاطراف السياسية المواقف ذاتها التي كان سبق ان سمعها في جولاته السابقة، من دون ان يطرأ أي تعديل في هذا الموقف او ذاك ولو بمقدار قيد انملة، لا بل ان مواقف بعض القيادات التي التقاها زادته يقيناً بأن الإنشطار السياسي إزداد عن الفترات السابقة ، وأن هناك إستحالة في إنتخاب رئيس للجمهورية من دون أن يكون هناك توافق داخلي ، وبصورة أساسية على الساحة المسيحية، حيث ان الشرخ العميق ما بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانينية” يشكل أبرز المطبات التي تعيق إنجاز هذا الاستحقاق.
واذا كان العنوان الرئيسي الذي وضعه الموفد الرئاسي الفرنسي لمحادثاته مع القيادات اللبنانية هو تجديد التأكيد على موقف “اللجنة الخماسية” الذي يدعو اللبنانيين الى توحيد الموقف والاسراع في انجاز الانتخابات الرئاسية، وإبداء الاستعداد لمساعدتهم في هذا الاطار، فانه ايضاً عرّج باهتمام بالغ على الوضع في الجنوب اللبناني ، حيث ووفق ما تسرب من معلومات إستطلع أراء من التقاهم حول حقيقة ما يجري ، وطرح أسئلة حول إمكانية أن تتوسع دائرة الحرب أكثر، منبهاً الى ان الموقف الفرنسي الحازم هو ضرورة أن ينأى لبنان بنفسه عن الصراع المحتدم من منطلق الحفاظ على القرار 1701 والاستمرار بتنفيذ مندرجاته، محذرا من ان توسعة نطاق العمليات العسكرية قد يؤدي الى اشتعال حرب لا يعرف أحد مداها في المنطقة.
ووفق ما تسرب عن محادثات اليوم الأول لرأس الدبلوماسية الفرنسية السابق ، فإنه لم يقارب لا من قريب ولا من بعيد مسألة انتخاب الرئيس من حيث طرح أي إسم من الأسماء بل كلامه بقي في العموميات بمفردات كان قد قالها في زياراته السابقة، إنما حاول هذه المرة صياغتها بشكل مختلف، وانه لولا تطورات غزة والجنوب ، لما كان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون طلب من لودريان الإستعجال في زيارة لبنان تحت عنوان محاولة نفض الغبار عن الملف الرئاسي الموجود على رف الإنتظار منذ عام ونيف، ولذلك كرر الموفد الفرنسي الإشارة الى قلق بلاده الشديد مما يجري في غزة ، وخوفها من ان لا يكون لبنان في استطاعته تجنب تداعيات هذه الحرب في ظل التبعثر السياسي الموجود، وغياب رأس الدولة ، سيما وأن هناك من بدأ يثير مسألة تعديل القرار 1701 وضرورة تعديله بعد الاحداث التي شهدها الجنوب قبل بدء سريان الهدنة في غزة.
وكان لافتاً وفق هذه المعلومات ان لودريان أعطى حيزاً واسعاً من مناقشاته مع من التقاهم الى مسألة قيادة الجيش، حيث أضهر حرصاً فرنسيا بوجوب ان تبقى هذه المؤسسة بعيدة عن التجاذب السياسي، والعمل على عدم انسحاب الفراغ على قيادتها، حيث المح الى ان باريس لا تعارض التمديد لقائد الجيش الحالي جوزاف عون ، طالما هناك عوائق مختلفة تحول دون تعيين قائد جديد في ظل غياب رئيس للجمهورية.
وفي هذا السياق تذهب مصادر سياسية تابعت حركة اليوم الاول للموفد الفرنسي للجزم بأنه لن يكون قادراً على إحداث أي ثغرة ولو بسيطة في جدار الأزمة الرئاسية، وأن جل ما فعله هذا الرجل انه رمى حجراً في المياه السياسية الراكدة، وذكّر بالاستحقاق الرئاسي الذي كاد ان يدخل غياهب النسيان ، بفعل التطورات المتسارعة في المنطقة، وايضا بفعل سياسة الابواب المغلقة التي تمنع على أهل الحل والربط في لبنان من التلاقي والحوار للتوافق على اخراج الملف الرئاسي من النفق المظلم، وهي ترى ان التسوية في لبنان ما تزال غير جاهزة وهي ما تزال معلقة على حبل الصفقة المرتقبة التي تتم حياكتها في الغرف الدولية المغلقة لحل الكثير من الملفات الموجودة في أكثر من مكان في المنطقة.