لهذه الأسباب سترتفع جاذبية السعودية بعد خفض الفائدة
في الوقت الذي ينتظر أن يعلن فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أول خفض لأسعار الفائدة منذ أكثر من أربع سنوات في اجتماعه للسياسة النقدية، اليوم الأربعاء، تترقب الأسواق توجهات البنك في مقدار الخفض، والذي سيكون ما بين 25 و50 نقطة أساس.
ومع توجه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية العالمية نحو خفض أسعار الفائدة، فإن الأسواق الناشئة مرشحة للاستفادة من هذا التحول في السياسة النقدية.
تاريخياً، تخلق أسعار الفائدة المنخفضة في الاقتصادات المتقدمة بيئة مواتية للأسواق الناشئة، من خلال تشجيع تدفقات رأس المال، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتحفيز الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل البنية الأساسية والتصنيع والتكنولوجيا.
انخفاض تكاليف الإقراض
وتؤدي تخفيضات أسعار الفائدة عادة إلى انخفاض تكاليف الاقتراض، مما قد يخفف العبء المالي على حكومات الأسواق الناشئة والشركات، على حد سواء، والذي يوفر إمكانية الوصول إلى رأس المال بأسعار أقل تكلفة، مما يتيح مشاريع التوسع والحد من ضغوط سداد الديون.
إضافة إلى ذلك، غالباً ما تدفع أسعار الفائدة المنخفضة في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المستثمرين العالميين إلى البحث عن عوائد أعلى في الأسواق الأكثر جاذبية والأسرع نمواً، مما يزيد الطلب على أصول الأسواق الناشئة.
وتستفيد الاقتصادات الناشئة من تحسن استقرار العملة مع تعزيز تدفقات رأس المال لميزان مدفوعاتها، ويمكن أن يساعد هذا في استقرار معدلات التضخم، مما يجعل الواردات الأساسية مثل الغذاء والطاقة أكثر بأسعار معقولة، وبالتالي المساهمة في الاستقرار الاقتصادي العام. وبالإضافة إلى ذلك، فإن انخفاض أسعار الفائدة من شأنه أن يدعم الاستهلاك المحلي ويزيد الطلب على السلع والخدمات المحلية.
جاذبية السعودية
ومع ذلك التحول، تبرز السعودية كأكثر الدول جاذبية عالمياً في ظل ديناميكية اقتصادها، والتحولات التي تشهدها، خصوصاً أنها في وضع جيد للاستفادة من الفرص التي توفرها أسعار الفائدة المنخفضة، وبالتحديد مع توجهاتها في تعزيز النمو المستدام الطويل الأجل.
يقول كبير محللي السوق في «سنشري فاينانشال» أرون ليزلي جون: «تبدو الآفاق المستقبلية للاقتصاد السعودي إيجابية بشكل ملحوظ مقارنة بالاتجاهات العالمية، مدعومة بالنمو القوي في قطاعاتها غير النفطية والمبادرات الحكومية الاستراتيجية لتعزيز الاستثمار الأجنبي».
ويضيف في حديث إلى «الشرق الأوسط» أنه من المتوقع أن تستفيد المملكة، إلى جانب دول الخليج الأخرى التي ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي، من تخفيضات أسعار الفائدة المقبلة. كما يتوقع أن تؤدي هذه التخفيضات إلى خفض تكاليف التمويل، وتعزيز السيولة، وتحفيز كل من الاستهلاك والاستثمار في المنطقة.
وتابع جون: «يمكن أن تؤدي هذه الظروف المواتية إلى تسريع النمو الاقتصادي، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأسهم وزيادة جاذبية السعودية بوصفها مركزاً رئيسياً للاستثمار»، مشيراً إلى أنه رغم تسجيلها أكثر من 19 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر، العام الماضي، وتجاوزها المتوسط السنوي البالغ 17 مليار دولار في الفترة من 2017 إلى 2022، فإن هذا الرقم جاء دون هدف الحكومة البالغ 22 مليار دولار.
وقال: «بالنظر إلى عام 2030، تهدف المملكة إلى تحقيق تدفق سنوي للاستثمار الأجنبي المباشر يتجاوز 100 مليار دولار، وهو هدف يبدو قابلاً للتحقيق في ظل التيسير الحالي للسياسة النقدية».
ورجح أن يستفيد القطاع المصرفي السعودي من انخفاض أسعار الفائدة في أواخر عام 2024، و«هو أمر حاسم لدعم الإقراض في الاقتصاد وتعزيز أهداف الحكومة في التنوع، في الوقت الذي تخطط فيه المملكة لمشاريع طموحة بقيمة 640 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، والتي سيتم تمويلها جزئياً من خلال إصدار الديون».
العوامل المساعدة
وحول العوامل التي تساعد السعودية ودول الخليج بشكل عام للاستفادة من تأثير خفض الفائدة، يقول كبير محللي السوق في «سنشري فاينانشال»: «تعد السعودية ودول الخليج الأخرى في وضع جيد للاستفادة من ارتباط عملاتها بالدولار الأميركي. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينخفض التضخم العالمي بشكل كبير بسبب السياسات النقدية الصارمة في معظم البلدان، حيث من المتوقع أن يعود التضخم في دول الخليج إلى مستوياته التي كانت قبل الوباء، والتي تبلغ نحو 2.3 في المائة في عام 2024، متراجعة من 2.6 في المائة العام الماضي».
وأضاف: «في الوقت الذي تواجه فيه الاقتصادات الكبرى احتمالات نمو منخفضة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة المستمر، من المتوقع أن تشهد منطقة الخليج نمواً، ومن المرجح أن تؤدي تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة إلى زيادة نشاط الاقتراض، وهو أمر حيوي للنهوض بأهداف التنوع في المنطقة، ومن المتوقع أن يكون القطاع غير النفطي محركاً رئيسياً للنمو، بنسبة نمو متوقعة تبلغ 4 في المائة في عام 2024، مدعوماً بالأداء القوي في قطاعي التجزئة والخدمات».
وتطرق جون إلى أن النمو المتوقع يعزز سياسات التيسير النقدي التي ستحسن ظروف السيولة، وتعزز كلاً من الاستثمار الخاص والحكومي.
وتشير بيانات مؤشر مديري المشتريات للسعودية والإمارات إلى استمرار التوسع، متجاوزة المتوسط العالمي، وتعكس مرونة اقتصادات هاتين الدولتين بعد الوباء، حيث أكد كبير محللي السوق في «سنشري فاينانشال» أنه من المتوقع أن تؤدي هذه العوامل، إلى جانب المبادرات الحكومية المستمرة، إلى دفع النمو الاقتصادي في منطقة الخليج، حتى في ظل الأداء البطيء لشركاء التجارة الرئيسيين.
الاستراتيجية الوطنية للاستثمار
وكانت السعودية أعلنت في أغسطس (آب) الماضي، عن نظام الاستثمار الذي يُعدّ إحدى ركائز الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، وذلك في إطار «رؤية 2030»، والدور المحوري للاستثمار في تحقيق مستهدفات التنمية الشاملة، وتنويع موارد الاقتصاد الوطني.
وقال وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح في حينه إن صدور نظام الاستثمار جاء امتداداً للعديد من الإجراءات التطويرية التي اتخذتها المملكة، ويؤكّد التزامها بتوفير بيئة جاذبةٍ وداعمةٍ وآمنة للمستثمرين المحليين والأجانب.
وأضاف أن توجُّه المملكة إلى تعزيز جاذبية وتنافسية البيئة الاستثمارية، خاصةً في الجوانب التنظيمية والتشريعية، ينطلق من مضامين المبادئ الاقتصادية التي كفلها النظام الأساسي للحكم، ويراعي المستقر من مبادئ وسياسات الاستثمار، التي تتضمن أفضل الممارسات العالمية في هذا الشأن؛ وقد استدعى هذا مراجعة نظام الاستثمار الأجنبي، الذي صدر قبل نحو 25 عاماً، لصياغة نظامٍ متكامل للاستثمار، يُعنى بالمستثمرين السعوديين والأجانب على حد سواء.
وخلال السنوات القليلة الماضية، شهدت المملكة تنفيذ ما يزيد على 800 إصلاح اقتصادي لتعزيز التنافسية العالمية، وأسهمت الإصلاحات في زيادة إجمالي تكوين رأس المال الثابت، بنسبة 74 في المائة، عما كان عليه عام 2017، ليصل إلى ما يقرب من 300 مليار دولار في عام 2023.
ووفقاً للإحصاءات الأخيرة، ارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 61 في المائة، بين عامي 2017 و2023، ليصل إلى نحو 215 مليار دولار، وارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 158 في المائة في عام 2023 مقارنة بعام 2017، لتصل إلى 19.3 مليار دولار.