رأي

لمن تكون الكلمة الأخيرة في انتخابات تونس الرئاسية

كتب علي قاسم, في “العرب”:

التونسيون بجميع فئاتهم يعلمون أن تحقيق العدالة الاجتماعية يحتاج إلى اقتصاد قوي جاذب للاستثمار وهذا بدوره يتطلب محاربة الفساد والسيطرة على الاقتصاد الموازي ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب.

في عام 2010 نجحت النخب المثقفة والنخب السياسية في تأجيج الشارع التونسي، رافعة شعار “الشعب يريد” الذي سرعان ما تحول إلى شعار للثورة التونسية، ومنها انتشر في العديد من الدول العربية.

حينها، خرج التونسيون لاستقبال قياديي المعارضة، سواء الخارجون من السجون أو العائدون من المنفى، ومن بينهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، العائد بعد أكثر من عشرين عامًا قضاها لاجئا في بريطانيا.

وأصبح الناشط والسياسي منصف المرزوقي، الذي أمضى نفس عدد السنوات في فرنسا يعمل طبيبًا وأستاذًا في جامعة ستراسبورغ، رئيسًا لتونس بعد أن رشحته حركة النهضة، ليحصل على 153 صوتًا من أصل 217 صوتًا في المجلس التأسيسي.

◄ مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، يكثر الحديث عن الديمقراطية، وتكتفي النخب المثقفة بالحديث عن الحريات العامة وحرية الإعلام، متجاهلة مخاطر أكثر أهمية مثل التضخم والبطالة وأزمة الغذاء

كان الغنوشي والمرزوقي شبه مجهولين إلا من قبل قلة مثقفة، لكن هذا لم يمنع خروج آلاف التونسيين لاستقبالهما في المطار بنشيد “طلع البدر علينا”.

وكانت مطالب الشعب آنذاك إسقاط النظام والتمتع بحرية التعبير وحرية الإعلام. وكان الانطباع الذي تركته النخب المثقفة لدى عموم أبناء الشعب أن كل معارضة بالضرورة جيدة، وبالتالي كل حكم بالضرورة فاسد.

سقط النظام وتمتع التونسيون بحرية الإعلام، ليكتشفوا لاحقًا أن ما يريدونه ويحتاجون إليه هو العدالة الاجتماعية وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

سرعان ما كذّب الماء الغطاس، وتبين أن القادمين الجدد إلى قصر قرطاج والبرلمان ليسوا في مستوى المسؤولية والثقة التي منحهم إياها التونسيون، لتبرز على السطح التوترات والصراعات بين الأحزاب السياسية التي نمت أعدادها بعد الثورة كالفطر، وأثّرت على فاعلية الحكومات المتعاقبة وأدائها وأعاقت تنفيذ السياسات والإصلاحات اللازمة، وانتشر الفساد مرفوقًا بسوء الإدارة في المؤسسات الحكومية في بلد طالما عرفت عنه كفاءة إداراته، وهو ما أفضى إلى أزمات اقتصادية حادة، رافقها ارتفاع في معدلات البطالة والتضخم.

الفترة التي أمضاها المنصف المرزوقي رئيسًا لتونس، دامت ثلاث سنوات (12 ديسمبر 2011 إلى 31 ديسمبر 2014)، وكانت حصيلتها كارثية بامتياز. لجأت الأحزاب بعدها إلى الباجي قائد السبسي، السياسي البراغماتي صاحب التجربة الطويلة، ليخرج البلاد من أزماتها.

يمكن وصف فترة حكم السبسي، التي استمرت أربع سنوات ونصف السنة وانتهت بوفاته، بعملية تجميل، عمل خلالها على تحقيق توافق سياسي بين الأحزاب، بما في ذلك حركة النهضة، مجنبًا البلاد انقسامات حادة شهدتها دول أخرى في المنطقة.

البعض يصف فترة الباجي بالديمقراطية التوافقية، اتفقت خلالها الأحزاب على تقاسم المكاسب والمناصب، وانتهت معها تونس إلى أزمة اقتصادية حادة فقدت معها الأحزاب ثقة الشارع التونسي.

بعد وفاة السبسي تقدم المرزوقي مرة أخرى للمنافسة في الانتخابات الرئاسية، كان واثقا من الفوز، لكنه لم يحصل هذه المرة إلا على 3.1 في المئة من الأصوات. لقد صدر حكم الناخب التونسي ضده.

في الوقت نفسه حصل قيس سعيد، المستقل، على نسبة 72.71 من أصوات الناخبين. منذ ذلك اليوم، 13 أكتوبر- تشرين الأول 2019، أعلنت تونس بدء تلاشي سلطة الأحزاب.

ورغم أن الوضع الاقتصادي في البلاد لم يتحسن إلى الأفضل خلال السنوات الأخيرة، بل يمكن القول إن الوضع ازداد صعوبة، إلا أن ذلك لم ينل من شعبية الرئيس سعيد، التي تؤكد الأرقام تناميها.

◄ الشارع التونسي سيذهب إلى صناديق الاقتراع ليختار دون تردد تحسين الأوضاع المعيشية ومحاربة الفساد والبطالة

فماذا حقق قيس سعيد لتونس وعجزت عن تحقيقه الأحزاب التي سبقته إلى الحكم؟ كلمة السر هي الفساد، الذي أعلن الحرب عليه.

الأحزاب في تونس وقعت ضحية الوعود التي راحت تغدق بها على التونسيين، ولم يتحقق منها شيء، بل ازداد الأمر سوءًا، وكان لا بد من أن ينفضّ الناخبون من حولها.

اليوم، مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، يكثر الحديث عن الديمقراطية، وتكتفي النخب المثقفة بالحديث عن الحريات العامة وحرية الإعلام، متجاهلة مخاطر أكثر أهمية مثل التضخم والبطالة وأزمة الغذاء والمخاطر الصحية، بينما عامة الشعب مقياسها للحكم على صلاح الدولة هو أسعار المواد الغذائية والرعاية الصحية والتعليم والسكن والنقل والتشغيل.

لماذا لا نسمع أصواتًا تنادي بتحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية من جانب المعارضة؟

أخشى أن يكون سبب ذلك عدم امتلاك المعارضة التونسية برنامجا واضحا يمكن أن يقنع الشارع التونسي بقدرتها على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد.

وحتى لا يكون الحديث عن العدالة الاجتماعية فضفاضًا، سنشرع في تقديم بعض التفصيلات المملة ولكن المؤلمة.

نبدأ بالتعليم، هل يمكن الحديث عن عدالة في التعليم عندما نعلم أن هناك 1242 مدرسة خاصة لا يرتادها سوى أبناء النخبة الميسورة، بينما باقي أبناء الشعب يحشرون في 4567 مدرسة تفتقد إلى كل مواصفات المدرسة، ومعظمها مبني في فترة الاحتلال الفرنسي ولم يشهد تحسينات منذ ذلك الوقت.

نفس الفجوة نشهدها في قطاع الخدمات الصحية؛ في تونس 80 مستشفى خاصا، مقابل 166 مستشفى حكوميا، تعاني من نقص في المعدات والأدوية واليد العاملة.

اقرأ أيضا:

  • هيئة الانتخابات في تونس تكشف جرائم انتخابية على مواقع التواصل وتحيلها إلى النيابة

الصورة في سوق العمل ليست أفضل؛ حيث بلغت نسبة العاطلين عن العمل 15.8 في المئة، ونسبة العاطلين من الشباب (15 – 24 سنة) 40.8 في المئة، ونفس النسبة تقريبا للعاطلين عن العمل من حاملي الشهادات الجامعية.

لا حاجة إلى الدخول في تفاصيل عن السكن، الجميع يعلم أن شريحة واسعة من المواطنين تعيش في بيوت غير صالحة للعيش. حتى في وسط العاصمة هناك بيوت مسكونة آيلة إلى السقوط.

يعلم التونسيون، بجميع فئاتهم، أن تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية يحتاج إلى اقتصاد قوي جاذب للاستثمار، وهذا يتطلب محاربة الفساد والسيطرة على الاقتصاد الموازي ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب.

مع ذلك رأى البعض في ما جاء ضمن تصريحات أدلى بها الرئيس قيس سعيد، من أن ترشحه لولاية ثانية يأتي ضمن “حرب تحرير” و”حرب تقرير مصير” تهدف إلى “تأسيس جمهورية جديدة”، مبالغة.

ولكنها حرب تحرير حقًا، تحرير من الفساد والفوضى والبيروقراطية.. الأرقام تقول ذلك.

الديمقراطية تكتسب قيمتها فقط بمقدار ما تنعكس نفعًا على البشر، عدا ذلك تتحول إلى أيديولوجيا مقدسة مثلها مثل باقي الأيديولوجيات.. لا تنفع، ولكن حتمًا تضر.

باختصار شديد، الشارع التونسي سيذهب إلى صناديق الاقتراع ليختار دون تردد تحسين الأوضاع المعيشية ومحاربة الفساد والبطالة.. ليختار “البناء والتشييد”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى