
بقلم الصحافية سناء ضو_ خاص رأي سياسي:
بين من يريد ولا يستطيع، وبين من يستطيع ولا يريد، تبقى الحرب بين إسرائيل ولبنان معلّقة على حبال الدبلوماسية، فإما أن تنتهي إلى حرب تعقبها تسوية، أو تسوية تختصر الحرب.
حتى الساعة لا غلبة لأيّ كفة، فقرع إسرائيل لطبول الحرب، لا يعدو كونه ضجيجاً مزعجاً، لكنّه خطير، ما دفع بمن يعنيهم الأمر إلى إسكاته، فالجهود الدبلوماسية، عربية وغربية، وكلها تدور في الفلك الأميركي، تتكثف لمنع الحرب التي تريدها إسرائيل، ولا تستطيع خوضها، من دون دعم أميركي ليس سياسياً فحسب، بل لوجستياً أيضاً على غرار عملية استعادة أربعة أسرى إسرائيليين من غزة، التي لم تكن لتتحقق لولا مشاركة قوات أميركية خاصة. ولكن ما تريده إسرائيل، الولد المدلل لأميركا، لأول مرة تجد الولايات المتحدة نفسها مترددةً في تلبيته، والولد “المفرط الدلال إلى درجة الابتذال”، يبتزها علناً عبر فيديوهات لنتنياهو شخصياً، يشكو فيها تأخر واشنطن بإرسال شحنات الأسلحة. وواشنطن لم تفعل كرمى لأعيننا، فهي لطالما كانت الراعي الرسمي لكل حروب إسرائيل علينا، ولكن هذه المرة كل شيء تغير: اتجاهات الرأي في أميركا والعالم، والوعي الذي فرضته مواقع التواصل الاجتماعي حول أحقية القضية الفلسطينية، والرفض الذي عبّر عنه الشباب الجامعي الأميركي، وهؤلاء شريحة ناخبة، نخبوية كبيرة، فضلاً عن وعي المكلًفين من الشعب الأميركي والشعوب الأوروبية لحقهم بمعرفة إلى أين تذهب أموال الضرائب التي يدفعونها، وهل هم مجبورون على تمويل إسرائيل، ناهيك عن ترابط الجبهات، من اليمن إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى فلسطين، والذي يحتّم بأن تكون الحرب، إن حصلت، حرباً إقليمية شاملة، أو “حرباً مختلفة جداً عن غزة”، بحسب ما أبلغت إيران أميركا أمس، نقلاً عن مصادر صحافية، وهذا بالتحديد ما يجعل الإدارة الأميركية تفضًل سلوك طرق الدبلوماسية، لاسيّما أنها تخوض سباقاً نحو البيت الأبيض، وسط حقل من ألغام، زرعته من يُفترض أنها حليفتها، أي إسرائيل.
على الجانب اللبناني قرار الحرب ليس سهلاً أيضاً، والمقاومة وإن كانت تستطيع خوض الحرب، إلا أنها لا تريدها، فالخناجر في ظهرها، قد تكون أكثر من تلك التي في وجهها من إسرائيل، “وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً”، فضلاً عن أن بيئتها، وإن كانت وستبقى حاضنة، إلاّ أنّها هذه المرة منهكة، بفعل أسوأ أزمة اقتصادية ومالية يمر بها لبنان منذ أكثر من أربع سنوات، واليوم أكثر من أي يوم مضى نفهم سبب الحرب الاقتصادية الخارجية التي مورست علينا بأدوات داخلية(كارتيلات السياسة والمصارف) لدفعنا إلى تسوية مع إسرائيل تضمن أمنها وتسلبنا حقوقنا، كل ذلك كان مخططاً له بالتزامن مع التطبيع مع دول خليجية لعزل لبنان والاستفراد به، ولكن حساب الحقل الميداني من صمود أسطوري في غزة، وإسناد نوعي في لبنان هو ما فرمل دعم الإدارة الأميركية المطلق لإسرائيل.
على الجانب الأوروبي ثمة تشابه بالأسباب التي تدفع اوروبا إلى الاستمرار بجهودها الدبلوماسية للتوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة، واحتواء التصعيد على جبهة لبنان، مع عوامل آخرى منها الخوف من النزوح نظراً إلى القرب الجغرافي، واستغراق أوروبا في حرب أوكرانيا، إلى حد الاستنزاف التدريجي الذي سنراه عاجلاً أم آجلاً، ولا ننسى أن التحذير الذي وجهه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في إطلالته الأخيرة، لقبرص، إذا سمحت لإسرائيل بمهاجمة لبنان انطلاقاً من أراضيها، هو تهديد ضمني لأوروبا وقواعدها في المنطقة.
وعليه وبمراجعة سريعة لمواقف الساعات الماضية، نجد أن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت حصل، على ما يبدو، في زيارته الحالية لواشنطن على وعد بالإفراج عن شحنات الأسلحة، ما دفع بالمتحدث باسم حكومة العدو إلى الإعلان بأن إسرائيل ستحصل على شحنات الذخائر والأسلحة، ولكن هل هذا ضوء أخضر أميركي لإسرائيل لشن حرب على لبنان؟ حتماً لا، هذا ليس كافياً، وإن كان مؤشر دعم كبيراً، إلا أن واشنطن لا تزال تراهن على الدبلوماسية من خلال حراك مبعوثها آموس هوكشتاين، الذي التقى غالانت في واشنطن، ويُنتظر أن يعاود اتصالاته مع القيادات اللبنانية، وهنا يبرز كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس، حول”شهر مصيري في لبنان”، وكلامه بقدر ما يعني أننا امام احتمالات حرب، خاصةً أنه اعتبر أن الوضع غير مطمئن، إلا أنه يعني أيضاً أننا أمام احتمالات تسوية، وربما سيكون الرئيس بري عرّاب التفاوض مع هوكشتاين، على غرار دوره في الترسيم.
بالموازاة قال البنتاغون: “جهودنا تنصب على التوصل إلى حل دبلوماسي للتوترات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية.” بينما قال السفير الأميركي في تل أبيب جاك ليو :”إن حل التوترات مع حزب الله أقرب مما يُعتقد، لكن التهدئة في قطاع غزة ضرورية لكي يحدث ذلك.
إذاً تبقى الأنظار مشدودة إلى الحراك الدبلوماسي، ودور قطر ومصر، اللتين تعملان على وقف إطلاق نار في غزة ينسحب على لبنان، فضلاً عن الدور الفاتيكاني، من خلال الزيارة التي يقوم بها امين سر الدولة الكاردينال بيترو بارولين إلى لبنان، والفاتيكان وإن كانت “لا تملك الدبابات”، “يا ستالين”، إلا أن لها تأثيراً معنوياً، لاسيّما في أوروبا، وهي دخلت بقوة، مستشعرةً الخوف على رعيتها في لبنان من أن تذوب في أي حرب، أو أي تسوية.
وفي إطار الجهود المبذولة تصل إلى بيروت غداً الأربعاء وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، وهي بدأت جولتها أمس في تل ابيب، وتزور اليوم رام الله.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن توقعات الحرب، تشبه إلى حد ما توقعات الطقس، فقد تشير المعطيات إلى عاصفة، إلا أنها قد تنحرف عن مسارها، وهذا ما نتمنى أن يحصل، ولكن أيضاً يبقى العكس صحيحاً أي أن الطقس قد ينقلب فجأةً إلى عاصف، وهذا ما لا نتمناه.