رأي

لمحة عن فريدريش ميرتس .. مستشار ألمانيا المنتظر

كتب كريستوف شتراك في صحيفة DW.

فريدريش ميرتس مرشح لمنصب المستشار، يجلس حاليًا – إذا جاز التعبير – في غرفة انتظار المستشارية ويبدو سياسيًا وإعلاميًا أنَّه سيتولى منصب المستشار. ولكنه في النهاية ما يزال لا يعرف بالتأكيد إن كان سيصبح مستشارًا أم لا. وبحسب التخطيط الحالي، من المفترض أن يقرر البرلمان (البوندستاغ) حول ذلك في 6 أيار/ مايو. ولكن يُجرِي قبل ذلك أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي تصويتًا على اتفاق الائتلاف حتى 29 نيسان/ أبريل.

وستكون بذلك خطوة دخوله المستشارية الخطوة الأخيرة في سلم سياسي غير عادي – وفي الوقت نفسه خطوة نحو المجهول. وذلك لأنَّ ميرتس، الذي يبلغ عمره الآن 69 عامًا، لم يسبق له قط تولي أية مسؤولية قيادية سياسية محددة. فهو لم يكن من قبل وزيرًا اتحاديًا أو رئيس وزراء ولاية، ولا حتى عمدة مدينة صغيرة. والآن سيكون عند توليه منصبه المستشار الأكبر سنًا منذ المستشار كونراد أديناور، أول رئيس حكومة ألمانية من عام 1949 حتى عام 1963.

وبالإضافة إلى ذلك فقد شارك خلال الأسابيع الأخيرة لأول مرة على الإطلاق في محادثات حزبية لتشكيل ائتلاف حكومي. وهذا ما يؤخذ ضده أحيانًا من قبل وسائل الإعلام أو ممثلين من صفوف المتفاوضين لم تُذكر أسماؤهم. وفي المقابل يوجد لدى كل من زعيمي الحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كلينغبايل وساسكيا إسكن وكذلك زعيم الحزب المسيحي الاجتماعي ماركوس زودر خبرة في التفاوض والجدال. وفي المستقبل، يريد ميرتس قيادة هذا الائتلاف المكون من ثلاثة أحزاب كمستشار.

“مؤيد للعلاقات عبر الأطلسي وصديق لأوروبا”

وكتبت مجلة “فيرتشافت فوخه” الاقتصادية الأسبوعية أنَّ ميرتس “مؤيد للعلاقات عبر الأطلسي وصديق لأوروبا ومصلح”. وهو بهذا “ربما الشخص المناسب تمامًا لهذه الأوقات”.

كان ميرتس نائبًا في البرلمان الأوروبي من عام 1989 حتى عام 1994. وبعد ذلك نائبا في البرلمان الألماني الاتحادي (البوندستاغ) طيلة 15 عامًا، من عام 1994 حتى عام 2009، ووصل خلال هذه الأعوام إلى قمة كتلته النيابية، ولكنه خسر بعد ذلك الصراع على السلطة أمامأنغيلا ميركل الصاعدة آنذاك. وكان يُعدّ من المتطلعين كثيرًا إلى تعزيز العلاقة بين جمهورية ألمانيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية.

وفريدريش ميرتس رجل قانون اقتصادي من زاورلاند، وهي منطقة تقع في ولاية شمال الراين وستفاليا، شرقي منطقة الرور، وما يزال يعيش فيها حتى اليوم. وهذه المنطقة معروفة بطبقتها المتوسطة وبالسياحية الريفية وبأنَّها كاثوليكية محافظة.

وكان ميرتس محافظًا تقليديًا أكثر بكثير من منافسته المنحدرة من شرق ألمانيا، أنغلا ميركل، الحاصلة على درجة دكتوراه في الفيزياء. وكذلك كان ميرتس في فترة مبكرة أحد المقربين من سياسي الحزب المسيحي الديمقراطي فولفغانغ شويبله (1942-2023)، الذي كان نائبًا في البرلمان الألماني لأكثر من خمسين عامًا.

وبعد عدم ترشح ميرتس من جديد للبوندستاغ في عام 2009، واصل مسيرته المهنية في مجال الاقتصاد. وكان من عام 2016 حتى عام 2020 رئيسًا لمجلس إدارة “بلاك روك” في ألمانيا، وهي أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم. وخلال هذه الفترة كان لديه عمل كثير في الولايات المتحدة الأمريكية.

ميرتس يعد بتسليم أوكرانيا صواريخ تاوروس

في عام 2021 ترشح ميرتس مرة أخرى للبوندستاغ وتم انتخابه. والآن على الأرجح فإنّ زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي هو المستشار القادم، وقد بدأ يحدد بالتدريج ملامح خططه في حال توليه منصب المستشار. وهو هنا أوضح بكثير من سلفه المستشار الحالي أولاف شولتس. وكثيرًا ما يشير بوضوح إلى اتصالاته مع رؤساء حكومات أوروبية، والتي كوّنها منذ أشهر، خلال عشائه مع إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، أو خلال محادثات ثنائية في برلين أو بروكسل. وهو يريد أيضًا السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية للقاء الرئيس دونالد ترامب قبل عطلة الصيف.

وأوضح مثال على ذلك: قبل ثمانية أيام من عطلة عيد الفصح، تحدث ميرتس في مقابلة تلفزيونية استمرت ساعة عن تقديم المزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وتجاوز بذلك خطًا أحمر، كثيرًا ما أكد عليه المستشار شولتس. وقبل بضع ساعات من بث برنامج “كارين ميوسغا” الحواري على القناة الألمانية الأولى (ARD)، قتل الجيش الروسي عشرات المدنيين وأصاب أكثر من مائة شخص في هجوم صاروخي على مدينة سومي الأوكرانية.

وتحدث ميرتس عن “جريمة حرب خطيرة” ووعد بتسليم كييف صواريخ تاوروس بعيدة المدى، التي يمكن أن تساعد أوكرانيا المحاصرة وتسبب مشاكل لروسيا بفضل مداها البعيد وقوة اختراقها. وقال: “لقد قلت دائمًا إنَّني لن أفعل هذا أيضًا إلا بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين”. ولكن البريطانيين والفرنسيين والأمريكيين يمدون أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى. وإذا تم تنسيق التسليم مع الحلفاء، “فيجب على ألمانيا أن تشارك بذلك”. لأنَّ “الجيش الأوكراني يجب أن يخرج من موقف الدفاع – فهو دائمًا يرد فقط”. ولكن يجب أن “يتمكن من تحديد جزء من هذا الحدث”.

وحتى أنَّه ذكر بكل صراحة إمكانية تمكُّن أوكرانيا من تدمير جسر القرم، الذي يمثل الطريق الأكثر أهمية واستراتيجية بين روسيا وشبه جزيرة القرم، التي احتلتها روسيا وضمتها إليها من طرف واحد. وميرتس يخالف بصراحة من خلال أسلوبه ومن خلال هذا الوضوح سلفه أولاف شولتس، الذي كان يرفض دائمًا تسليم صواريخ تاوروس ويحذر من أي تصعيد آخر بين روسيا وأوكرانيا.

صدمة ما بعد الانتخابات

ومع ذلك فإنَّ استمرار دعم أوكرانيا ليس سوى مُكَوِّنٍ من مكونات الصدمة الكبرى، التي شغلت ألمانيا سياسيًا نتيجة للسياسة الأمريكية الجديدة بعد فترة قصيرة من الانتخابات، وأدت مؤقتًا إلى انخفاض مستوى شعبية ومصداقية المرشح لمنصب المستشار فريدريش ميرتس.

فعلى مدار عدة أشهر، كان ميرتس وسياسيون آخرون من حزب الاتحاد المسيحي يؤكدون في البوندستاغ وكذلك في فعاليات الحملة الانتخابية، على أهمية نظام كبح الديون المقرر أوروبيًا، وكانوا يدعون الحكومة الاتحادية إلى انضباط مالي مناسب. ولكن انتهى ذلك مع بدء المحادثات الاستكشافية لتكوين الائتلاف بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزبي الاتحاد المسيحي. وفي منتصف آذار/مارس جرى تمرير قرار في البوندستاغ والبوندسرات غير مسبوق في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية. فقد تم إلغاء الحد الأقصى للنفقات الدفاعية. وبالإضافة إلى ذلك تقرر إنشاء صندوق خاص بقيمة 500 مليار يورو من أجل تطوير البنية التحتية المتهالكة في ألمانيا – مع التراجع عن نظام كبح الديون، الذي وعد الاتحاد المسيحي بالالتزام به خلال الحملة الانتخابية.

وفي برنامج “كارين ميوسغا” قال ميرتس: “لدينا مهام كبرى” تحتاج إجابات مناسبة. وأضاف أنَّه لا ينظر “كل يوم إلى نتائج الاستطلاعات”. وأنَّه يريد أن تصبح ألمانيا مرة أخرى “أكثر شجاعة وثقة”.

ومع كل هذا، يتعرض ميرتس وجميع الأحزاب المعترف بها، لضغوط من جانب حزب البديل من أجل ألمانيا، المصنف في بعض أجنحته كحزب يميني متطرف. ويقول المراقبون إنَّ زيادة قوة حزب البديل في الانتخابات الأخيرة قد دفعت شركاء الائتلاف المستقبليين إلى تبنيهم، في اتفاق الائتلاف، سياسة أكثر صرامة تجاه اللاجئين وجهوداً لتعزيز الأمن الداخلي.

ونظرًا إلى حديثه حول “جدار الحماية” لعزل ” حزب البديل من أجل ألمانيا”، فقد أثار ميرتس قبل أيام قليلة من الانتخابات الألمانية موجة من الضجة والغضب محليًا ودوليًا. وفي العديد من عمليات التصويت على سياسة الهجرة في البرلمان، كان يسعى إلى تفوق الاتحاد المسيحي والحزب الديمقراطي الحر مع أصوات حزب البديل من أجل ألمانيا على ما تبقى من ائتلاف الاشتراكيين والخضر، الذي لم يعد يتمتع بالأغلبية. ولذلك فقد بلغت موجة الغضب ذروتها لدى أجزاء من المجتمع المدني الألماني أيضًا.

والآن يريد ميرتس زيادة ثقة الناس بأنفسهم في ألمانيا، وفي هذا الصدد قال: “نحن بلد عظيم فيه أكثر من 80 مليون إنسان، هنا يعيشون ويعملون ويعتنون بأسرهم”. وأضاف أنَّه يريد أن يظهر “أنَّ الجهد يستحق هذا العناء”.

وبعد تصويت أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي وعقد مؤتمر صغير للحزب المسيحي الديمقراطي، سيتضح في نهاية نيسان/أبريل ما إذا كانت أغلبية الائتلاف في البوندستاغ ستنتخب في 6 أيار/ مايو ميرتس مستشارًا لألمانيا. وسيكون هذا على أية حال ذروة مسيرته السياسية غير العادية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى