لماذا يعد غداء ترامب مع الجنرال الباكستاني حدثا مهما؟

من الواضح أن الولايات المتحدة تفضل التعامل مع القيادة العسكرية بدلا من القيادة المدنية في إسلام آباد. فما مصير العلاقات بين الهند والولايات المتحدة؟ أبارنا بانده – ناشيونال إنترست
في الدبلوماسية الدولية، لا يأتي البروتوكول عرضيًا، بل يكون مقصودًا. فهو يُعبّر عن القوة والأداء وترتيب الأولويات. لذا، لم يكن الأمر هينًا عندما اختار الرئيس دونالد ترامب، الذي لم يكن يومًا من ذوي البراعة أو حنكة الحكم، أن يتناول طعام العشاء ليس مع رئيس الوزراء الباكستاني المنتخب أو الرئيس الشرفي، بل مع قائد الجيش الباكستاني، الجنرال عاصم منير، الذي رُقّي الآن إلى رتبة مشير.
لطالما فضلت واشنطن التعامل مباشرة مع جنرالات باكستان. سواء أكان ذلك يتعلق بالتفاوض على طرق الإمداد إلى أفغانستان، أو تهدئة التوترات النووية، أو السعي للتعاون في مكافحة الإرهاب، فقد وجد البيت الأبيض في كثير من الأحيان أن روالبندي أكثر استعدادًا من إسلام آباد للامتثال للطلبات الأمريكية. وقد تزامنت اجتماعات الرؤساء الأمريكيين مع قائدي الجيش الباكستاني، ضياء الحق وبرويز مشرف، مع منعطفات استراتيجية حاسمة.
ويتناسب غداء ترامب مع منير تمامًا مع هذا السياق التاريخي. ومع ذلك، ليس اللقاء بحد ذاته، بل سياقه هو الأكثر إثارة للقلق. فقد قتل إرهابيون متمركزون في باكستان 26 سائحًا في كشمير الهندية في 22 أبريل. وكان الرد الهندي سريعًا ورمزيًا لموقفها الاستراتيجي في السنوات الأخيرة؛ أوصلت من خلاله رسالة مفادها أن الهجمات الإرهابية ستعتبر عملاً حربياً، وأن الهند تعتقد أن لديها مساحة كافية لشن ضربات تقليدية تحت مظلة نووية. وتبع ذلك رد باكستاني مضاد سريع، وهو عملية “بنيان أون مارسوس”، حيث ضربت منشآت عسكرية هندية.
ومع ذلك، سمحت المواجهة مع الهند للجنرال منير بالادعاء بأنه المدافع الحقيقي عن سيادة باكستان. وسرعان ما تلا ذلك ترقيته إلى رتبة مشير، وهو لقب فخري ذو نفوذ، في لفتة شبه ملكية، رسّخت مكانته كوصي قوي على الدولة الباكستانية
وانتهى الصراع الذي استمر 4 أيام بوقف إطلاق النار، الذي أعلنه ترامب ببراعة مسرحية. ورغم أن الهند قللت علنًا من شأن دور الولايات المتحدة، إلا أن باكستان كان لديها كل الأسباب للإشادة بترامب.
ورغم أن الكثيرين في الهند ربما فوجئوا بمنشورات الرئيس ترامب العلنية وإشاراته إلى كشمير، إلا أن هذا ليس جديدًا. ففي يوليو 2019، التقى الرئيس ترامب برئيس الوزراء آنذاك عمران خان وعرض عليه التوسط في نزاع كشمير.
وبعد أسابيع قليلة من المناوشات الهندية الباكستانية، لم تكن زيارة المشير منير للولايات المتحدة زيارة سرية لجنرال عسكري، بل كانت بمثابة احتفال بالنصر. وكانت آخر مرة التقى فيها رئيس أمريكي بجنرال باكستاني خلال الحرب على الإرهاب، عندما التقى الرئيس جورج دبليو بوش بالرئيس والجنرال مشرّف. ويعدّ الغداء مع الرئيس الأمريكي لحظة تاريخية لمنير، تميّزه عن العديد من أسلافه.
وفي باكستان تمت الإشادة بمنشور الرئيس ترامب الذي ينسب فيه الفضل للولايات المتحدة بوقف إطلاق النار، لكن الوضع لم يكن كذلك في الهند التي أصبحت تعتبر نفسها شريكًا مهمًا لأمريكا.
لقد أتقن القادة الباكسنانيون طبيعة الشراكات مع الولايات المتحدة التي تكون ذات صبغة تعاقدية لا استراتيجية. وأدركوا أن الإدارة الأمريكية تفضل النهج التعاقدي. وبناء على ذلك رسخت باكستان نفسها كدولة قادرة على تقديم عروض جيوسياسية وجيواقتصادية بما يتناسب مع مزاج واشنطن.
وبناء على ما سبق، اقترحت إسلام آباد، على الصعيد الاقتصادي، اتفاقية تجارية خالية من التعريفات الجمركية، وتعهدت بزيادة صادرات النفط، ودخلت استراتيجيا في اتفاقية للعملات المشفرة مع شركة مرتبطة بنظام ترامب البيئي.
أما بالنسبة للهند، فإن أي إجراء أمريكي يعيد النظر في العلاقة بين الهند وباكستان، كدولتين متعادلتين استراتيجيا، يعد إهانةً لرؤية الهند لدورها الإقليمي والعالمي المتنامي. كما أن تحالف الهند مع الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والذي يتمثل هدفه الرئيسي في مواجهة النفوذ الصيني، كان مبنيًا على كسر هذا التكافؤ.
وعلى مدى العقود الثلاثة والنصف الماضية، دأبت الهند على اتباع نهج استراتيجي طويل الأمد، فبنت شراكة وثيقة مع الولايات المتحدة على مدار الإدارات الرئاسية المتعاقبة. وفي العقد الماضي، ازدادت العلاقات بين الهند والولايات المتحدة تقاربًا نتيجة لحاجتهما إلى موازنة صعود القوة العسكرية والاقتصادية للصين.
لكن الجيش الباكستاني المدعوم من واشنطن اقتصاديا يمكن أن يتصرف بعدوانية ضد الهند، وقد يؤدي إلى حسابات كارثية في روالبندي. وقد حدث هذا كثيرًا في الماضي عندما شعر الجيش الباكستاني بالثقة في علاقته بالولايات المتحدة، فسعى بالتالي إلى الانغماس في مغامرات عبر الحدود مع الهند.
مع ذلك، وبغض النظر عن مخاوفها المُبررة، يجب على الهند مقاومة إغراء العودة إلى سياسة عدم الانحياز أو التحوط الانفعالية، لأن ذلك لن يخدم مصالحها على المدى الطويل.
ويجب أن يتمثل النهج العملي طويل الأمد للهند في التركيز على بناء اقتصادها، وتحديث جيشها، والحفاظ على نظام سياسي ومجتمعي متماسك، وتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة وشركائها الآخرين في الشمال والجنوب العالميين. وتُعدّ العقود الثلاثة المقبلة حاسمة لمسار الهند المستقبلي، ويجب التركيز على ذلك، بدلاً من أي استفزازات من باكستان قد تشتت انتباه الهند.