صدى المجتمع

لماذا يجب أن تقرأ قصص الرعب لطفلك؟

يتجنب معظم الآباء قراءة القصص المخيفة لأطفالهم، حتى تلك التي قُرئت لهم في طفولتهم كـ “ذات الرداء الأحمر” مثلا، أو “الأميرة والوحش”، صارت تخضع لإعادة النظر بشأنها، تارة بدافع التربية الإيجابية وتارة أخرى بدافع “عدم الملائمة” وهي وجهة النظر التي تنتشر على مستوى عالمي، ففي المملكة المتحدة مثلا، يتجنب ثلث الآباء قراءة القصص المخيفة لأطفالهم، بينما تتواصل الدراسات العلمية التي تعدد فوائد الخوف، وأثره ليس فقط في التعلم ولكن أيضا في التذكر.

هل يخاف الأطفال حقا؟

رافقت الحكايات المخيفة نشأة العديد من الأجيال عبر العالم، إن لم يكن في صورة قصص مطبوعة أو إلكترونية، ففي صورة “أساطير” مرعبة تتناقلها الأجيال، بداية من “أبو رجل مسلوخة” في مصر، إلى “بابا ياغا” في روسيا، و “بوجي مان” في أميركا، و”ماري الدموية” في بريطانيا، والقائمة تطول، فلكل بلد “أسطورة مرعبة”.

في الدور الثاني، من مكتبة مصر العامة -مكتبة مبارك سابقا- عادة ما يكون الرف الذي يحمل عنوان “أدب الرعب وما وراء الطبيعة” فارغا، وكانت ولاء محسن، واحدة ممن اعتادوا تلك اللحظة، حين تعيد أمينة المكتبة الكتب المستعارة إلى الرف دفعة واحدة، فتنطلق مع آخرين للحصول عليها فورا.

تقول ولاء للجزيرة نت “هذا الرف، بالذات، حيث سلاسل صرخة الرعب المترجمة، وما وراء الطبيعة للراحل أحمد خالد توفيق، كان بوابتي لحب القراءة، اشترك لي والدي في المكتبة قبيل وفاته، كنت حينها بعمر الـ10 سنوات، لم أكن من هواة القراءة، أو حتى قرأت كتابا من قبل، كنت أواصل اللعب، حتى عثرت على هذا الرف، وقرأت كتيبا بعنوان “النداهة” وقد كان اسما على مسمى، خوف سرى بي، وشغف أيضا دفعني لاستكمال السلسلة وبقية الكتب على الرف، واكتشفت لاحقا أنني لم أكن وحدي التي استهواها الأمر.. كانت تلك هي بوابتي لحب القراءة لبقية حياتي”.

للخوف فوائد تعددها الدراسات العلمية، ولهذا الهدف بالذات تخصص بعض الكتاب في أدب الرعب للأطفال من أعمار صغيرة جدا، في الواقع الجميع يحب الخوف، بدرجة أو بأخرى، خاصة إن كان مروضا، له حدود، ونهاية، لهذا السبب بالذات، يبقى أدب الرعب قائما وممتدا.

هكذا يحرص الناس على تذكر أسوأ مشاهد الرعب في طريقهم إلى السرير ليلا، أو حين ينقطع التيار الكهربائي، فيشتعل الخيال، جانب لذيذ في الخوف، تُدفع لأجله الأموال في السينمات، ويجذب الناس إليه في زوايا المكتبات.

يقول الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، الذي تخصص في أدب الرعب عبر عدد من السلاسل مثل “ما وراء الطبيعة”، في مقال له بعنوان “عن أدب الرعب في بلد مرعوب”، “الناس تعشق أدب الرعب لتتطهر من مخاوفها الخاصة (..) أن تعيش أفظع التجارب بشكل مقنن لتزداد ثقة في قدرتها على البقاء، باختصار أدب الرعب هو بروفة موت دائمة”.

أشهر قصص الرعب

تحوي مواقع الإنترنت عددا ضخما من القصص والحكايات الموجهة للأطفال من عمر 5 سنوات، وأحيانا أقل، بعضها مجهول الهوية، وبعضها الآخر مترجم بتصرف، وبعضها الآخر موصى به ضمن قوائم لأفضل حكايات الرعب الموجهة للأطفال، ومن بين تلك الحكايات مثلا:

  • فندق الفرصة الأخيرة لنيكي ثورتون
  • كتاب المقبرة لنيل جايمان
  • الغرفة رقم 13 لروبرت سويندلس
  • نظارة الماء لإليوس ويليامز
  • البداية السيئة لليموني سنيكت

ويعد الذكور أكثر تفضيلا للقصص المرعبة، فبحسب دراسة علمية، نشرت عام 1996 لمجلة دراسات الطفل الأميركية، حاول باحثون التعرف على ميول الفتيان والفتيات في مرحلة ما قبل المدرسة، من عمر 2 إلى 4 سنوات، ليتبين أن الفتيات أكثر تفضيلا للقصص الرومانسية بينما أظهر الأولاد تفضيلا متزايدا للقصص العنيفة والمخيفة.

يبدو أن النتيجة السابقة لا تقتصر على أطفال الولايات المتحدة -محل الدراسة- فتشير الكاتبة ورسامة الأطفال المصرية آلاء عرفة إلى حساسية طفلتها من التفاصيل المخيفة في القصص عكس صغيرها، وتقول “تكره ابنتي أي حديث عن القتل أو الدماء، بينما ابني الأصغر عكسها تماما، على المستوى الشخصي لا أميل لقراءة قصص مرعبة، لكن الأمر يتغير مع مرور الوقت، فقد تحولت ابنتي تماما بعدما قرأت واحدة من أعداد صرخة الرعب، فجذبتها لدرجة أن أنهتها في يومين اثنين وقد كانت تلك تجربتها الأولى مع قراءة قصة طويلة، وصارت ترغب في قراءة قصص أخرى”.

صحيح أن آلاء لم تحاول تأليف قصص مرعبة من قبل، لكن يبدو الأمر جذابا بالنسبة لها “أتمنى خوض التجربة لأن الرعب به جانب تشويقي كبير، وخيال عميق، وبناء عالم قصة مختلف، لذا ربما أخوض التجربة حين يكبر أطفالي أكثر ويصيروا يافعين”.

ما فائدة الحكايات المرعبة؟

يعد الخوف سمة تطورية هامة، فبحسب دراسة حول علم الأعصاب، أعدتها جامعة تولين، فإن العقل يكون أكثر استعدادا لتذكر الأشياء المخيفة، مقارنة بتلك العادية، ويقول جيفري تاسكر المؤلف الرئيسي للدراسة “نرغب في أن نكون قادرين على تجنب الأمور المخيفة، فإن كنا لا نتذكر البيئات أو المواقف المخيفة، فربما لن نتمكن من البقاء على قيد الحياة، كما أن الذكريات المخيفة، تساعد على إطلاق دفعات من الطاقة التي تعزز تكوين الذاكرة”.

وتتعدد الدراسات والمقالات التي تعدد مزايا القصص المخيفة الموجهة للأطفال في عمر مبكر، والتي تحذر في الوقت ذاته من تطهير البيئة المحيطة بالطفل من الحكايات المخيفة، ومن أهم تلك المزايا:

  • الدور الذي تلعبه القصص المخيفة في تعريف الأطفال مخاوف البالغين مثل الموت والجريمة والحرب في سن مبكرة، عبر أسلوب أدبي جذاب لمنحهم فكرة واقعية عن العالم.
  • الخوف عاطفة إيجابية رغم كل شيء، وممتعة أيضا، تساهم في جعل عادة القراءة أمرا محببا للأطفال، ويحول القصة المخيفة إلى تجربة ممتعة عاطفيا.
  • الخوف المروض، يطمئن أكثر مما يخيف، ويسهم في تعريف الطفل على ذلك الجانب المظلم والقبيح من العالم، وهو ما يمنحهم مرونة، وشعورا في الوقت ذاته بالسيطرة، هناك ذئاب مفترسة، وساحرات شريرات، وزوجات أب قاسيات، لكن الخير ينتصر، وننام آمنين في النهاية، وهو ما يسمى باستكشاف المخاوف في نطاق آمن.
  • بحسب دراسات في علم الأعصاب، فإن قراءة القصص الخيالية يساعد الأطفال على تنمية شعورهم بالتعاطف تجاه الآخرين، فالخيال يخدع أدمغتهم ويمنحهم شعورا أنهم جزء من القصة، ومن ثم يصير لديهم تعاطف لدى أبطال القصة، ولدى الآخرين.
  • القصص المخيفة تحصن الطفل من بشاعة العالم، تمنحهم قدرة على الصمود والمواجهة، فهي بمثابة تدريب مسبق على مواجهة الشرور بأنواعها، وقوة أيضا في الوقوف بوجه الأمور المخيفة بشجاعة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى