لماذا قد تضطرّ إيران لحسم خيارها في فيينا قريباً؟
كتب جورج عيسى لـ “النهار”: تمّ تعليق مفاوضات فيينا موقّتاً على أن تُستأنف بين عيدي الميلاد ورأس السنة. اتّسمت المرحلة الثانية من الجولة التفاوضيّة السابعة بتشاؤم وتحذير غربيّين من “نفاد الوقت”. لكن في اليوم الأخير من هذه المرحلة، تمّ تسجيل “بعض التقدّم التقنيّ”، وفقاً لما أفاد به مسؤولون ديبلوماسيّون أوروبيّون الجمعة. مع ذلك، قالوا “إنّنا نتّجه سريعاً إلى حائط مسدود في هذه المفاوضات” معتبرين أنّ التوقّف الذي طلبته إيران “مخيّب للآمال”. لكن لإيران تكتيكها التفاوضيّ الخاصّ الذي يفترض ألّا يفاجئ الأوروبيين أو “يخيّب” آمالهم.
كلّما أعلن الغربيّون أنّ “الوقت ينفد” أمام إنجاح المفاوضات يردّ الإيرانيّون بأنّ المفاوضات تسير بموجب توقيتهم الخاص، لا توقيت فيينا أو بروكسل أو واشنطن. حتى التوصيف الصادر عن المسؤولين الإيرانيين بخصوص المفاوضات يبدو أكثر تفاؤلاً من التوصيف الغربيّ. ففي حين تحدّث الغربيّون عن “بعض التقدّم التقنيّ”، أشار كبير المفاوضين الإيرانيّين علي باقري كني إلى إحراز “تقدّم جيّد” خلال الأسبوع الماضي. ليس هذا التمايز الإيرانيّ في تقديم وصف أكثر إيجابيّة من الوصف الأوروبي عرضيّاً. في أساسه، هو يهدف إلى تحميل الغربيّين مسؤوليّة فشل المفاوضات بعد “أن تكون قد قطعت شوطاً جيّداً” بحسب المقاربة الإيرانيّة. بالتالي، تكون مسؤوليّة الغرب أكبر وفقاً لهذا المنطق. مع ذلك، وبعيداً من التصريحات، تستعدّ إيران لفشل المفاوضات بشكل نهائيّ – إن لم يكن لإفشالها.
حسابات رئيسي وفريقه
وجّه الفريق الإيرانيّ المحافظ حين كان خارج الحكم انتقادات للإصلاحيّين بأنّهم لم ينتزعوا ضمانات كافية بعدم تراجع الولايات المتحدة عن تعهّداتها. اليوم، يسعى هذا الفريق إلى النجاح حيث فشل سلفه. من هنا إصرار الإيرانيّين في الجولة السابعة من المفاوضات على انتزاع تعهّد بعدم خروج الولايات المتحدة من أيّ اتّفاق مستقبليّ. يدرك الإيرانيّون على الأرجح أنّ إدارة الرئيس جو بايدن لا تستطيع تقديم هذا التعهّد. فهذه مسألة تتعلّق بصلاحيّة الرؤساء الدستوريّة. وتطالب إيران بتعويضات أيضاً عن انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتّفاق والأضرار الاقتصاديّة التي تسبّبت بها حملة الضغط الأقصى. لهذا السبب وغيره، يقول الأوروبيون إنّ حكومة الرئيس ابرهيم رئيسي تراجعت عن مواقف حكومة سلفه حسن روحاني في الجولات الستّ الأولى. ويقولون أيضاً إنّ طهران تقدّمت بمقترحات “لا تتماشى” مع الاتّفاق الأساسيّ الذي تمّ توقيعه في 2015.
لا يبدو الفريق الديبلوماسيّ الإيرانيّ الحاليّ في موقف سهل. لو قبِل بمجرّد العودة إلى الاتّفاق فهو يخاطر بإعادة تكرار سيناريو 2018 في 2024 أو بعدها بقليل. ولو لم يقبل بهذه العودة فلن يحصل على تخفيف العقوبات الذي لا يزال الاقتصاد الإيرانيّ بأمسّ الحاجة إليه. حتى مع افتراض أنّ إيران قادرة على الاستمرار بالاعتماد على الاكتفاء الذاتيّ، فإنّها لن تكون قادرة على ضمان عدم إغضاب روسيا أو الصين في حال رفضت العرض. بين تلك المعطيات الداخلية والخارجية، تتأرجح الحسابات الإيرانيّة.
“تفضّل” المقاومة على الازدهار؟
تشير مديرة “مبادرة مستقبل إيران” التابعة لـ”المجلس الأطلسيّ” باربرا سالفين إلى ما قالته إحدى طالباتها في جامعة جورج واشنطن خلال العام الدراسيّ الحاليّ: “يمكن أن يكون اختلال توازن القوى بين الولايات المتحدة وإيران قد رسم مصيراً محتوماً لخطة العمل الشاملة المشتركة (#الاتفاق النووي) منذ البداية. بالفعل، ليست الولايات المتحدة وإيران متنافسين متناظرين – كما الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق – وبالتالي، كانت واشنطن قادرة على انتهاك التزاماتها مع إيران من دون عقاب. إيران، بدورها، تستاء من كونها مُحاصَرة من قوة عظمى وقد تفضّل ‘المقاومة‘ عوضاً عن الازدهار”.
حتّى في وجود إدارة تؤمن بأهمّيّة الاتفاق النوويّ، ليس بإمكان إيران تغيير معادلة غياب توازن القوى التي تحكم علاقتها بالجانب الأميركيّ. لو عاد الجمهوريّون إلى البيت الأبيض فسيكون أيّ اتّفاق مستقبليّ يبرمه بايدن مع الإيرانيّين بحكم الملغيّ. ويزداد هذا الاحتمال مع عدم رغبة الإدارة الحاليّة بالتفاوض مع الجمهوريّين للسعي إلى تقريب وجهات النظر حول الملفّ. وهذا عامل إضافيّ تأخذه إيران في الاعتبار. وفي كلتا الحالتين هي خاسرة مجدّداً: لو توافق الديموقراطيّون والجمهوريّون على اتّفاق جديد، فمن شبه المؤكّد أن يكون أكثر تشدّداً وديمومة في قيوده وهذا لا يناسبها، على الرغم من أنّ احتمالات نجاته في المستقبل قد تكون أعلى. وفي حال العكس، من المرجّح أن يكون الاتّفاق مع بايدن أقلّ تشدّداً وفي الوقت نفسه أقلّ ديمومة. لكنّ هذه ليست نهاية الطريق بالنسبة إلى إيران.
اقترب الحسم؟
رأت مجلّة “إيكونوميست” أنّه بالنسبة إلى إيران، أيّ اتّفاق حاليّ هو أفضل من غيابه. فالمليارات التي ستستفيد منها إيران في حال رفع العقوبات، ستمكّنها من مواجهة الإدارة الجمهوريّة المقبلة من موقع أقوى. لو قبلت طهران اليوم بالاتّفاق مع بايدن، فسيكون أمامها على الأقلّ ثلاثة أعوام للاستفادة منها كي تحسّن اقتصادها وتطوّر تجارتها مع العالم. إنّ إيران أكثر ملاءة اليوم ستكون أقدر على مواجهة أميركا جمهوريّة في المستقبل من إيران الحاليّة.
يصعب معرفة ما إذا كانت إيران ستلجأ إلى خيار كهذا. ليس مستبعداً أن تفضّل إيران الخروج خالية الوفاض من فيينا على أن تكون قد تعرّضت لـ”الخداع” مرّتين من قبل الدولة نفسها، خصوصاً مع وجهة نظر المرشد الإيرانيّ الأعلى علي خامنئي التي تقول إنّه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة أيّاً كان رئيسها. مجدّداً إنّه الخيار بين “البراغماتيّة” و”الإيديولوجيا” بحسب “إيكونوميست”. ورّبما اقترب الموعد كي تقرّر إيران أيّاً من الخيارين ستعتمد، خصوصاً إن كان البراغماتيّة.
فكلّما طالت المفاوضات ضاقت نافذة الاستفادة الإيرانيّة الماليّة، وبالتالي حجم قوّتها في المواجهة المستقبليّة المحتملة. ولو اختارت “الإيديولوجيا” أي رفض الاتّفاق مع بايدن فلن تستمرّ في فيينا إلّا بمقدار ما يخدمها ذلك بإظهار “جدّيتها” وبذلها “كلّ التسهيلات الممكنة” لإحياء الاتّفاق. في هذه الحالة أيضاً، من غير المتوقّع أن تكون فترة بقاء ديبلوماسيّيها في فيينا طويلة.