رأي

لماذا رفضت مصر دخول المساعدات من رفح

كتب محمد أبو الفضل في صحيفة العرب.

تعاون مصر مع إسرائيل في إدخال المساعدات في هذه الأجواء يعزز رواية إعلام إسرائيل بشأن تنسيق أمني بين البلدين وأن عملية رفح تتم بالتعاون بينهما وهو ما نفته مصادر مصرية رسمية.

تردد هذا السؤال كثيرًا في بعض الأروقة السياسية مؤخرًا، وحاولت إسرائيل الإيحاء بأن مصر ترفض إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، بهدف الزج بالمجتمع الدولي في قضايا فرعية، وحرف الأنظار عن التطورات الميدانية وتداعياتها السياسية. لكن تعامل القاهرة الصارم مع هذا الملف كشف عن بعض الجوانب الخفية من وراء سيطرة القوات الإسرائيلية على معبر رفح من الجانب الفلسطيني.

أرادت إسرائيل فرض أمر واقع بذريعة القضاء على حركة حماس واجتثاث جذورها في رفح، وسعت ضمنيًا إلى إقامة الحجة على مصر بأنها سمحت بتهريب أسلحة إلى القطاع كأحد أسباب امتلاك الحركة كمية كبيرة من الأسلحة واستمرار إطلاق صواريخها على بعض المناطق داخل إسرائيل، وبالتالي تبرير عدم قدرة قوات الاحتلال على تدمير قوة حماس العسكرية تمامًا بعد ثمانية أشهر من الحرب، وإظهار مصر بأنها لا تُحسن قبضتها الأمنية أسفل الحدود مع غزة، ما يستلزم قيام إسرائيل بمساعدتها.

يعزز تعاون مصر مع إسرائيل في إدخال المساعدات في هذه الأجواء رواية إعلامها بشأن تنسيق أمني بين البلدين وأن عملية رفح تتم بالتعاون بينهما، وهو ما نفته مصادر مصرية رسمية وجعل القاهرة تتشدد في موقفها الذي أرخى بظلاله على تدفق المساعدات، وسعت الولايات المتحدة لنزع فتيل الأزمة بعد اتصال الرئيس جو بايدن بنظيره المصري عبدالفتاح السيسي والتفاهم على دخول المساعدات من معبر كرم أبوسالم.

يمثل دخول المساعدات من رفح استثناءً، لأنه مخصص أصلًا لعبور الأفراد من القطاع وإليه، بينما كرم أبوسالم معني بدخول الشاحنات وتحكم إسرائيل سيطرتها عليه وفقًا لبروتوكولات مبرمة مع مصر أسندت السيطرة على معبر رفح للجانب الفلسطيني، وحسب اتفاقية المعابر بين الجانبين وبرعاية أوروبية التي قُوضت عقب سيطرة حماس على غزة وقيامها بدور الولاية على المعبر بعد إزاحتها للسلطة الفلسطينية.

ينطوي رفض القاهرة دخول المساعدات من معبر رفح على بُعدين مهمين، الأول: لفت نظر المجتمع الدولي إلى ما قامت به إسرائيل، وحث قوى رئيسية على منع إسرائيل من التمركز فيه وتصويره على أنه انتصار سياسي أو أمني لها، والثاني: أن يدخل العلاقات مع مصر في تعقيدات لا يرغب أي من الطرفين فيها حاليًا، وما حدث من تبادل لإطلاق النار بين جنود إسرائيليين ومصريين على محور فيلادلفيا القريب من المعبر مؤخرًا يؤكد الخطورة الأمنية، وحجم التشابكات الناجمة عن هذه السيطرة.

كما أن إدخال المساعدات من رفح في ظل الوجود الإسرائيلي يؤدي إلى تعرض الشاحنات وسائقيها لمشاكل أمنية بسبب الكثافة العسكرية، ومحاولة انتقام حماس من الخطوة الإسرائيلية على طريقتها، بما يفضي إلى إزعاج أمني وسياسي لمصر، التي تحاول وساطتها التسريع من عقد صفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، بمعنى آخر سوف يؤدي تصاعد الخلاف في التقديرات إلى خلط بعض الأوراق الإقليمية، بما يصب في صالح أهداف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لتعطيل الصفقة أو تحسين شروطها، أي الهروب من مشكلة بخلق مشكلة أخرى.

أشار التعاطي المصري مع أزمة معبر رفح إلى تفويت الفرصة على نتنياهو للحديث عن مشاكل تم تجاوزها والعودة بها إلى المربع الأول، للتغطية على الهدف الرئيسي لتصورات القاهرة وهو الوصول إلى هدنة تفتح طريقا جادا لوقف الحرب، وهو ما يهرب منه نتنياهو ورفاقه المتطرفون في الحكومة وزرع المزيد من المطبات الإنسانية وتحويل دفة الاتهامات لمصر، ومنح الممر البحري فرصة لاختبار قدراته عمليا.

فشلت هذه الخطة بعد الموافقة على استئناف دخول المساعدات من معبر كرم أبوسالم خشية تفاقم الأزمة الإنسانية، وعدم فعالية الممر البحري، الذي أصيب بأضرار بالغة أثرت على كفاءته، وربما يخرج من الخدمة ولا يحقق أغراضه، وبعضها لا علاقة له بالمساعدات الإنسانية، حيث خُطط ليكون ممرا آمنا للخروج الطوعي من غزة لشريحة من سكانها أرهقتهم الحرب ونالت من عزيمتهم.

من يريد فهم التوجهات المصرية في أزمة معبر رفح عليه أن ينظر إليها من زاوية شاملة، وليس باعتبارها سحابة يمكن أن تمضي وتنتهي، فخبرة القاهرة في التعامل مع تل أبيب فرضت عليها رؤية التفاصيل في التطورات الأمنية والسياسية، وعدم الوقوف عند العناوين العريضة فقط، فالخدعة التي أرادت إسرائيل تمريرها وافتعال أزمة دخول المساعدات عبر رفح لم تنطل على مصر التي تبحث عن حل عملي حقيقي للأزمة الأكبر وهي الحرب وما بعدها.

كما أن رؤيتها تمتد إلى البحث عن حل جذري للقضية الفلسطينية، يتجاوز مسكنات تريدها بعض القوى الدولية، وتفكيك العراقيل التي تضعها إسرائيل، وعدم الابتعاد عن تبني فكرة حل الدولتين، والتي يعمل نتنياهو على إجهاضها بالمزيد من التدمير في قطاع غزة وتوسيع تقطيع أوصال الضفة الغربية وفتح الأبواب لتمدد المستوطنين.

كشفت أزمة معبر رفح عن بُعد في المسافة السياسية بين مصر وإسرائيل، وإمكانية أن تحدث توترات تصل إلى الشق الأمني المستقر بينهما منذ فترة طويلة، بعد حادث مصرع الجندي المصري، وما لم توجد قناعات مشتركة بأن الحل لن يأتي بالسيطرة على معبر رفح ومنع دخول المساعدات وتحجيمها، فالأمن الذي تبحث عن إسرائيل وقالت إنه دفعها للتوسع في هذه الحرب يصعب اختزاله في هذه النوعية من القضايا، ويأتي من طرق قضايا حيوية بالتعاون مع مصر وعدم تعمد إحراجها.

فما معنى أن تقضي تل أبيب على قدرات حماس العسكرية في غزة ثم تجد نفسها في ورطة أمنية في الضفة الغربية، وربما داخل إسرائيل، أو ما يسمى بـ”الخط الأخضر”، ناهيك عن توتر أمني مع مصر قد يؤدي إلى مشاكل عميقة تصعب السيطرة عليها بالوسائل التقليدية، ما يتنافى مع رغبة البلدين في التمسك بالسلام كخيار إستراتيجي في علاقاتهما حاليا ومستقبلا.

يؤكد تجاوز أزمة المعبر (نسبيا) وتدخل الولايات المتحدة لنزع فتيلها بعودة دخول المساعدات عبر كرم أبوسالم بعد توقفها بسبب صواريخ أطلقتها حماس على جنود بالقرب من المعبر تفويت الفرصة على جهات تريد الاستثمار في التوتر بين مصر وإسرائيل، وأن السلام بينهما ركيزة مهمة في المنطقة، وهو القاعدة التي تنطلق منها واشنطن لتطبيع العلاقات بين دول عربية وإسرائيل، وكل خرق أو ضعف في هذه القاعدة سوف يؤثر سلبا على هذا التوجه.

وعزز الخلاف بشأن دخول المساعدات من معبر رفح قناعة دوائر غربية بضرورة كبح جماح الاندفاعة الإسرائيلية الراهنة للحفاظ على قدر من الاستقرار في المنطقة، لأن التوجه الذي يتبناه نتنياهو يزيد ملامح الفوضى فيها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى