لماذا جاء رد الجعفري هادئاً وحازماً على تطاول الدبلوماسي السعودي المعلمي على سوريا والأسد؟

كتب عبد الباري عطوان في “رأي اليوم”: كان الدكتور بشار الجعفري نائب وزير الخارجية السوري، ومندوب بلاده لأكثر من عقد في الأمم المتحدة، في ذروة الكبر والتهذيب والصرامة في رده على نظيره السعودي السابق عبد الله المعلمي عندما قال في مقابلة مع قناة “الميادين” قبل يومين “ان سوريا اكبر من ان تتعامل مع موظف سعودي هنا او هناك”، في رده على تطاولات الأخير، أي السيد المعلمي على سورية ورئيسها في تصريحات مفاجئة له، اطلقها قبل بضعة أيام وشكك فيها بالانتصار على “المؤامرة” وتوقف الحرب.
السيد المعلمي، الذي لا ينطق عن هوى، ولا يمكن ان يشن مثل هذا الهجوم الشرس على سورية دون ضوء اخضر من قيادة دولته، فالعلاقات بين البلدين، أي سورية والسعودية كانت تمر بمرحلة من الهدوء، وقرب إعادة فتح السفارات الامر الذي يطرح سؤالا على درجة كبيرة من الأهمية حول هذا التغيير غير المتوقع، ليس في توقيته فقط، وانما ما تضمنه الهجوم من كلمات غير معهودة في الآداب والمعايير الدبلوماسية المتبعة بين الدول.
فقبل بضعة اشهر، وفي شهر آيار (مايو) الماضي، قام وفد أمني سعودي كبير برئاسة الجنرال خالد الحميدان، رئيس جهاز المخابرات السعودي، بزيارة الى دمشق، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد، واللواء علي المملوك رئيس مكتب الامن القومي السوري، الامر الذي أثار موجة من التفاؤل حول قرب عودة العلاقات بين الجانبين، وجرى الحديث عن فتح وشيك للسفارة السعودية في دمشق، وطي صفحة الخلاف ولو مؤقتا.
هناك عدة تفسيرات عن أسباب هذا الهجوم السعودي على سورية ورئيسها استطعنا استشرافها من العديد من الاتصالات مع المصادر السورية القريبة من صناع القرار في دمشق:
الأول: غضب المسؤولين في السعودية، وخاصة الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي، من سورية لان هناك اعتقاد سائد بأنها هي التي طلبت من السيد سليمان فرنجية، حليفها في لبنان، وزعيم حزب المردة، بترشيح الإعلامي جورج قرداحي لمنصب وزير الاعلام في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وانها حرضت القرداحي على عدم الاستقالة، والاعتذار عن تصريحاته “المسيئة” للسعودية عن حرب اليمن.
الثاني: تعثر اربع جولات من الحوار بين ممثلين عن السعودية وايران في بغداد وعدم لعب سورية دورا مساعدا لإنجاحها، بما يؤدي الى نهاية “مرضية” للسعودية في حرب اليمن.
الثالث: التحسن السريع في العلاقات السورية الإماراتية، في وقت تتدهور فيه العلاقات السعودية الإماراتية، وقيام الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الاماراتي بزيارة لدمشق حاملا دعوة رسمية الى الرئيس الأسد من شقيقه محمد بن زايد، ولي عهد ابوظبي لزيارة الامارات، وهي الزيارة التي تعززت بمكالمة هاتفية بين الأسد والشيخ محمد بن زايد، فالسعودية تريد ان تكون هي الأولى في كل شيء، وان يتم التنسيق معها مسبقا بإعتبارها “الشقيقة الكبرى”.
الرابع: المقال القوي الذي كتبته الدكتورة بثينة شعبان، مستشارة الرئيس على موقع قناة “الميادين”، وايدت فيه بقوة موقف الوزير القرداحي برفض الاستقالة، حتى لا يكون سابقة فريدة من نوعها، تقود الى نجاح لضغوط سعودية مستقبلية بإقالة وزراء آخرين في لبنان.
الخامس: توارد تقارير إخبارية “غير رسمية” احداها في هذه الصحيفة، تؤكد حدوث لقاء قمة في الدوحة بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان اثناء زيارتهما للعاصمة القطرية في الوقت نفسه، وتتويجا لوساطة قام بها الشيخ تميم بن حمد امير دولة قطر، وكان من ابرز نتائج هذا اللقاء إعادة التحالف التركي السعودي ضد سورية بالتالي، واشغال فتيل الحرب فيها، ودعم المعارضة السورية المسلحة مجددا، علاوة على اتفاق تعاون اقتصادي قوي يخرج الليرة التركية من ازمتها.
السلطات السورية، وحسب ما قاله احد المصادر المقربة منها لهذه الصحيفة “راي اليوم” فوجئت بحدة الهجوم الذي شنه عليها السيد المعلمي، ولكنها تفضل عدم الانجرار الى معركة إعلامية، قبل التأكد من النوايا السعودية الحقيقية والأسباب التي تكمن خلف هذا الهجوم.
موقف سورية الداعم للوزير قرداحي ليس غريبا، ولا مستهجنا، فالرجل وقف في الخندق المعارض لـ”المؤامرة” الرامية التي تفتيت سورية، واسقاط نظامها منذ اليوم الأول، فاذا كانت القيادة المصرية “شبه المحايدة” في الملف السوري، أبلغت السيد ميقاتي رئيس الوزراء اللبناني اثناء زيارته للقاهرة في ذروة الازمة بـ”الثبات” وعدم الرضوخ للضغوط السعودية في قضية قرداحي، فلماذا توجيه اللوم لسورية في هذا الاطار.
السلطات السعودية تعيش حالة من التوتر، والتخبط، لتعرضها لضغوط من جهات عديدة هذه الأيام، أولها تطورات حرب اليمن، ومعركة مأرب تحديدا، حيث لا تسير الأمور وفق ما تريد، وثانيها الغضب الأمريكي نتيجة اكتشاف تعاون سعودي صيني في انتاج صواريخ باليستية في معامل قرب الرياض، وثالثهما قرب الحسم، سلما او حربا، لمفاوضات فيينا النووية.
سورية التي صمدت وخاضت حربا لمدة عشر سنوات ضد اكثر من 65 دولة برئاسة أمريكا، ومشاركة العديد من الدول الخليجية بتمويلها، ليس لديها وقت لتضيعه في حروب صغيرة وهامشية.. وهناك مثل شامي يقول “الحجر في مطرحة قنطار”، والباقي لفهمكم.