رأي
لماذا جاء ردّ الدكتور الجعفري هادئًا وحازمًا على تطاول الدبلوماسي السعودي المعلمي على سورية والرئيس الأسد؟

كتب الصحافي عبد الباري عطوان مقالاً في “رأي اليوم” قال فيه انه “كان الدكتور بشار الجعفري نائب وزير الخارجيّة السوري، ومندوب بلاده لأكثر من عقد في الأمم المتحدة، في ذروة الكبر والتّهذيب والصّرامة في ردّه على نظيره السعودي السّابق عبد الله المعلمي عندما قال في مُقابلةٍ مع قناة “الميادين” قبل يومين “إن سورية أكبر من أن تتعامل مع مُوظّف سعودي هُنا أو هُناك”، في ردّه على تطاولات الأخير، أيّ السيّد المعلمي على سورية ورئيسها في تصريحاتٍ مُفاجئة له، أطلقها قبل بضعة أيّام وشكّك فيها بالانتِصار على “المُؤامرة” وتوقّف الحرب.
السيّد المعلمي، الذي لا ينطق عن هوى، ولا يُمكن أن يشن مِثل هذا الهُجوم الشّرس على سورية دون ضُوء أخضر من قِيادة دولته، فالعُلاقات بين البلدين، أيّ سورية والسعوديّة كانت تمر بمرحلةٍ من الهُدوء، وقُرب إعادة فتح السّفارات، الأمر الذي يطرح سُؤالًا على درجةٍ كبيرة من الأهميّة حول هذا التّغيير غير المُتوقّع، ليس في توقيته فقط، وإنّما ما تضمّنه الهُجوم من كلماتٍ غير معهودة في الآداب والمعايير الدبلوماسيّة المُتّبعة بين الدول.
فقبل بضعة أشهر، وفي شهر أيّار (مايو) الماضي، قام وفد أمني سعودي كبير برئاسة الجنرال خالد الحميدان، رئيس جهاز المُخابرات السعودي، بزيارةٍ إلى دِمشق، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد، واللواء علي المملوك رئيس مكتب الأمن القومي السوري، الأمر الذي أثار موجةً من التّفاؤل حول قُرب عودة العلاقات بين الجانبين، وجرى الحديث عن فتحٍ وشيك للسّفارة السعوديّة في دِمشق، وطيّ صفحة الخِلاف ولو مُؤقَّتًا.
***
هُناك عدّة تفسيرات عن أسباب هذا الهُجوم السعودي على سورية ورئيسها استَطعنا استِشرافها من العديد من الاتّصالات مع المصادر السوريّة القريبة من صُنّاع القرار في دِمشق:
- الأوّل: غضب المسؤولين في السعوديّة، وخاصَّةً الأمير محمد بن سلمان، الحاكِم الفِعلي، من سورية لأن هُناك اعتقاد سائد بأنّها هي التي طلبت من السيّد سليمان فرنجية، حليفها في لبنان، وزعيم حزب المردة، بترشيح الإعلامي جورج قرداحي لمنصب وزير الإعلام في حُكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وأنها حرّضت القرداحي على عدم الاستِقالة، والاعتِذار عن تصريحاته “المُسيئة” للسعوديّة عن حرب اليمن.
- الثاني: تعثّر أربع جولات من الحِوار بين مُمثّلين عن السعوديّة وإيران في بغداد وعدم لعب سورية دورًا مُساعِدًا لإنجاحها، بما يُؤدِّي إلى نهاية “مُرضية” للسعوديّة في حرب اليمن.
- الثالث: التحسّن السّريع في العُلاقات السوريّة الإماراتيّة، في وقتٍ تتدهور فيه العُلاقات السعوديّة الإماراتيّة، وقِيام الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجيّة الاماراتي بزيارةٍ لدِمشق حاملًا دعوةً رسميّة إلى الرئيس الأسد من شقيقه محمد بن زايد، وليّ عهد أبوظبي لزيارة الإمارات، وهي الزيارة التي تعزّزت بمُكالمةٍ هاتفيّة بين الأسد والشيخ محمد بن زايد، فالسعوديّة تُريد أن تكون هي الأُولى في كُل شيء، وأن يتم التّنسيق معها مُسبقًا باعتِبارها “الشّقيقة الكُبرى”.
- الرابع: المقال القوي الذي كتبته الدكتورة بثينة شعبان، مُستشارة الرئيس على موقع قناة “الميادين”، وأيّدت فيه بقُوّةٍ موقف الوزير القرداحي برفض الاستِقالة، حتى لا يكون سابقة فريدة من نوعها، تقود إلى نجاح ضُغوط سعوديّة مُستقبليّة بإقالة وزراء آخرين في لبنان.
- الخامس: توارد تقارير إخباريّة “غير رسميّة” إحداها في هذه الصّحيفة، تُؤكّد حُدوث لقاء قمّة في الدوحة بين الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، ووليّ العهد السعودي محمد بن سلمان أثناء زيارتهما للعاصمة القطريّة في الوقتِ نفسه، وتتويجًا لوساطة قام بها الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر، وكان من أبرز نتائج هذا اللّقاء إعادة التحالف التركي السعودي ضدّ سورية بالتّالي، وإشعال فتيل الحرب فيها، ودعم المُعارضة السوريّة المُسلّحة مُجَدَّدًا، علاوةً على اتّفاقِ تعاون اقتصادي قوي يُخرِج الليرة التركيّة من أزمتها.