لماذا تعاقب أميركا الألمنيوم وتُعفي النحاس المكرّر؟

تكاليف الطاقة ودعم جماعات المصالح يحدّدان سياسة الرسوم الجمركية على المعادن
يسلّط قرار الولايات المتحدة الأخير، القاضي بإعفاء النحاس المُكرر من الرسوم الجمركية على الواردات، في مقابل فرض رسوم باهظة على الألمنيوم؛ الضوء على الدور المحوري لتكاليف الكهرباء وضغوط جماعات المصالح في رسم معالم السياسة التجارية الأميركية.
وقد فُوجئت أسواق النحاس بإعلان واشنطن فرض رسوم جمركية فقط على المنتجات شبه المُصنّعة، مثل الأسلاك والأنابيب والصفائح، دون أن تشمل النحاس المُكرر. وسرعان ما انعكس القرار على الأسعار، بعدما تراجع سعر النحاس في بورصة «كومكس» بأكثر من 20 في المائة منذ صدوره يوم الأربعاء، وفق «رويترز».
وعلى النقيض، يخضع الألمنيوم المستورد إلى الولايات المتحدة، منذ شهر يونيو (حزيران)، لرسوم جمركية بنسبة 50 في المائة، وهو ما يُعزى جزئياً إلى الارتفاع الكبير في فواتير الكهرباء التي تتحملها مصاهر الألمنيوم مقارنة بمنتجي النحاس.
وتأتي هذه الإجراءات ضمن جهود أميركية أوسع لتعزيز القدرة المحلية على صهر المعادن، وتقليص الاعتماد على الواردات الأجنبية. وقد رحّبت شركة «سنشري ألمنيوم»، أحد أبرز المنتجين الأميركيين في القطاع، بهذه الخطوة، ووصفتها بالضرورية للحفاظ على ما تبقى من صناعة الألمنيوم الوطنية. وقالت في بيان صدر في يونيو: «تُشيد نحن شركة سنشري ألمنيوم بالدفاع الثابت للرئيس ترمب عن الإنتاج المحلي للمعادن الأساسية من خلال رفع الرسوم الجمركية على الألمنيوم إلى 50 في المائة».
في المقابل، يعكس إعفاء النحاس المُكرر من الرسوم الجمركية أهميته الحيوية للصناعة التحويلية الأميركية، إلى جانب التأثير القوي للاعبين الكبار في القطاع، وعلى رأسهم شركة «فريبورت-ماكموران»، إحدى أكبر شركات إنتاج النحاس في الولايات المتحدة التي كانت قد حذّرت في وقت سابق خلال هذا العام من أن اندلاع حرب تجارية عالمية قد يُضعف الإنتاج المحلي للنحاس.
وجاء في رد الشركة على استفسارات الحكومة الأميركية بشأن التحقيق في واردات النحاس: «قد تؤدي حرب تجارية عالمية إلى إبطاء النمو الاقتصادي، مما سينعكس سلباً على أسعار النحاس، ويهدد استدامة الصناعة المحلية بالنظر إلى ارتفاع تكاليف إنتاجها».
وتُعدّ تكاليف الطاقة عاملاً حاسماً في فرض الرسوم الجمركية على الألمنيوم، إذ تُقدّر شركة «ماكواري» أن الطاقة تمثّل نحو 50 في المائة من تكلفة إنتاج الألمنيوم الأولي في الولايات المتحدة، مقارنة بنسبة 30 في المائة للنحاس.
وقال ماركوس غارفي، المحلل في «ماكواري»: «لا توجد مبررات اقتصادية لبناء أي قدرات جديدة لصهر الألمنيوم من دون دعم حكومي كبير، وحتى مع ذلك، قد لا يكون الدعم كافياً».
ويواجه المستثمرون المحتملون في صناعة صهر الألمنيوم الأميركية تحديات جسيمة في الحصول على اتفاقيات طاقة طويلة الأجل بأسعار تنافسية، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار الكهرباء في الولايات المتحدة مقارنة بدول منتجة أخرى.
وقد أدى تصاعد التكاليف، وعلى رأسها أسعار الكهرباء، إلى تراجع عدد مصاهر الألمنيوم في الولايات المتحدة من 23 مصهراً في عام 1995 إلى أربعة فقط في الوقت الراهن.
وحسب بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، بلغ إنتاج الولايات المتحدة من الألمنيوم الأولي 3.35 مليون طن متري في عام 1995، وانخفض إلى 1.6 مليون طن في 2015، قبل أن يتراجع إلى 670 ألف طن فقط خلال العام الماضي.