رأي

لماذا تبدو إيران أقوى خارجيا وأضعف داخليا؟

السؤال ليس عن مدى قدرة طهران على أداء دور إقليمي بل عن مدى قدرتها على إدارة أزماتها المحلية

كتبت سالمة الموشي, في اندبندنت عربية:

هل يمكن لإيران أن تستمر في استعراض نفوذها في الخارج بينما تواجه ضعفاً داخلياً متزايداً، أم أن هشاشة الداخل ستفرض نفسها عاجلاً أم آجلاً لتحدد حدود القوة والمكانة التي تسعى الدولة إلى إظهارها؟

في كل مرة تظهر فيها إيران على مسرح الأحداث تبدو كقوة تتجاوز حجمها الفعلي، لكنها في عمقها الداخلي تتحرك بمنطق مختلف تماماً، مفارقة لا تظهر مصادفة ولا يمكن قراءتها بسطحية: قوة تعرض خارج الحدود وهشاشة تدار خلفها، بين صورتين متناقضتين تتشكل معادلة لا يعرف العالم حدودها بعد، والسؤال الذي يتقدم المشهد اليوم ليس عما تفعله إيران بل عما تخفيه قوتها عن الداخل والخارج معاً.

في الخارج تراهن طهران على دبلوماسية فاعلة وعلاقات مدروسة، الاجتماع الثلاثي مع السعودية والصين الأسبوع الماضي بمشاركة نواب وزراء الخارجية لم يكن مجرد اجتماع إقليمي، فمن خلال قراءة معطيات الحدث كان محاولة لإعادة ترتيب موقعها الاستراتيجي تحت عنوان “إيران كقوة محورية”، الرسالة واضحة: موجهة إلى الداخل بقدر ما هي موجهة للخارج، الدولة ما زالت قادرة على التأثير والمناورة على رغم الأزمات التي تحيط بها، هكذا تبدو رسائل الظل.

في الوقت نفسه داخلياً تتجاوز إيران الضغوط العادية، إذ إنه خلال الأسبوعين الماضيين نفذ عدد من الإعدامات في حق سياسيين ومعارضين في مناطق عدة من البلاد، تأتي هذه الإجراءات ضمن سياسات تهدف إلى منع تصاعد الغضب أو التمرد الاجتماعي بخاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والبيئية، هذا الاستخدام المتكرر للعقاب الشديد يعد أحد أساليب السيطرة التي يلجأ إليها النظام عندما تتقاطع الضغوط: انهيار العملة وتضخم الأسعار ونقص الموارد الأساسية.

الريـال الإيراني أيضاً سجل انخفاضاً كبيراً مقابل الدولار مما يضاعف كلفة الحياة اليومية ويضغط على الطبقات المتوسطة والفقيرة، التضخم المرتفع بصورة غير مسبوقة يعني أن السلع الأساسية تفقد مع الوقت جزءاً كبيراً من قيمتها الشرائية مما يضعف مستوى المعيشة ويزيد من هشاشة التماسك الاجتماعي، في طهران، العاصمة التي تجمع أكثر من 10 ملايين نسمة يدق ناقوس أزمة مائية تعد الأكثر حدة منذ عقود، السدود التي كانت تزود المدينة بالمياه أصبحت منخفضة إلى مستويات حرجة، فيما تحاول الدولة سد العجز موقتاً عبر ما يعرف بتقنية “تلقيم السحب”، وهي عملية صناعية لتكثيف الأمطار، خطوة قد تمنح بعض السقوط في السماء لكنها لا تعيد إلى الأرض ما خسرته من مخزون بيئي.

هكذا تبدو المعادلة الداخلية مدفوعة بانهيار اقتصادي، وأزمة مائية، وسياسة قمع متصاعدة، وبينها محاولة إدارة هادئة عبر أدوات خارجية ودبلوماسية، ونفوذ إقليمي واستعراض قوة عند الحاجة.

لكن هذا البناء الهش يحمل داخله احتمالين: إما أن ينجح النظام في شراء الوقت عبر توزيع الضغوط وتسويغ القمع والسياسات التقشفية باعتبارها “ظروف حرب اقتصادية”، أو ينهار داخلياً حين تتداخل الأزمات بصورة تجعل التعايش معها أمراً لا يطاق: تضخم يفوق الحد، وجفاف يهدد مدناً، وانفجار اجتماعي بسبب فقدان الأمل.

داخل أروقة القرار الإيراني تظهر فكرة مجنونة وغير مسبوقة: نقاش حول “الفدرلة الإدارية الجزئية” لبعض المحافظات الاقتصادية الكبرى، والمقصود بالفدرلة هنا هو منح هذه المحافظات استقلالية أكبر في إدارة شؤونها الاقتصادية والإدارية مع الاحتفاظ بالسلطة المركزية للقرار السياسي والأمني، الهدف واضح: امتصاص غضب المجتمعات المحلية وتجربة توزيع بعض الصلاحيات لتخفيف الضغط على الحكومة المركزية من دون المساس بالوحدة الوطنية أو السيطرة على الملفات الحساسة.

إيران اليوم في مفترق حاد: هل تبني نفوذاً يقوى بالعقوبات ويتوسع عبر الخلافات الإقليمية وتبيع صورة الدولة القوية؟ أم تواجه حقيقة أن ضعف الداخل قد يفضح أي صورة خارجية مهما بدت براقة؟

في النهاية، السؤال ليس عن مدى قدرة إيران على أداء دور إقليمي بل عن مدى قدرتها على إدارة أزماتها الداخلية، وما إذا كانت الدبلوماسية والخبرة السياسية قادرة على أن تؤجل أو أن تؤمن ما بات يومياً يشكل احتقاناً للشارع الإيراني.

السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن لإيران أن تستمر في استعراض نفوذها في الخارج بينما تواجه ضعفاً داخلياً متزايداً؟ أم أن هشاشة الداخل ستفرض نفسها عاجلاً أم آجلاً لتحدد حدود القوة والمكانة التي تسعى الدولة إلى إظهارها، يمكن أيضاً أن نعيد صياغة التساؤل الأخير ليتناغم مع فكرة “لعبة الظل”: هل يمكن لإيران أن تستمر في أداء لعبة الظل عبر نفوذها الخارجي بينما تنهار أركان الداخل، أم أن الداخل سيكشف الحدود الحقيقية لقوتها؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى