شؤون دولية

لماذا بات المغرب “حاضرا” في دعاية الأحزاب الإسبانية؟

تحولت العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، خصوصاً الموقف من نزاع الصحراء، إلى معادلة سياسية حاضرة بقوة في جميع البرامج الانتخابية للأحزاب التي تشارك في الانتخابات الإسبانية العامة المبكرة التي تجري الإثنين المقبل بعدما دعا إلى تنظيمها رئيس الوزراء بيدرو سانشيز في شهر مايو (أيار) الماضي.

ويعزو محللون مغاربة الحضور الطاغي لمسألة العلاقات مع الرباط في البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية الإسبانية إلى تشابك المصالح الاقتصادية والسياسية الاستراتيجية بين البلدين وإلى القرب الجغرافي أيضاً، كما أن علاقة هذه الأحزاب بالمناخ السياسي المغربي تكون محكومة بتوازنات القوى في المنطقة.

شراكة استراتيجية

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مراكش محمد بن طلحة الدكالي قال إن حضور المغرب في البرامج والمخططات الإسبانية ليس حدثاً عابراً، بل هو ناجم أساساً عن طبيعة العلاقة والشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد بين البلدين.

وأضاف أنه يمكن استحضار كون إسبانيا تعد الشريك التجاري الأول للمغرب على مستوى الصادرات والواردات وأن المملكة تعد أكبر شريك تجاري لإسبانيا في القارة الأفريقية وثالث أكبر شريك على مستوى العالم خارج الاتحاد الأوروبي.

وأشار إلى أن قيمة المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا بلغت 17 مليار يورو عام 2021، وشهدت هذه المبادلات ارتفاعاً في 2022 إلى أكثر من 21 في المئة، لافتاً إلى أن المغرب يحتضن شركات إسبانية عدة في مختلف القطاعات، بينما بلغ عدد الشركات الإسبانية التي تصدر إلى المغرب 20 ألف شركة، وفق أرقام اتحاد المقاولات الإسبانية.

وأبرز الدكالي أنه إلى جانب العلاقات الاقتصادية المتشابكة بين الرباط ومدريد، يلعب المغرب دوراً محورياً في محاربة الهجرة غير النظامية ومافيا تهريب المخدرات وشبكات الاتجار بالبشر، علاوة على جهود التعاون الأمني والاستخباري مع إسبانيا لمواجهة أخطار التطرف والإرهاب.

واسترسل الدكالي “لهذه الأسباب كان طبيعياً أن يشكل المغرب محوراً مهماً في البرامج الانتخابية للأحزاب الإسبانية، اقتناعاً من صانع القرار الإسباني بأن العلاقات مع المملكة ضرورية بالنسبة إلى أمن إسبانيا واستقرارها، كما أنه محكوم على البلدين الجارين التعاون وتبادل الثقة بأمل تحسين الشراكة الاستراتيجية”.

وذكر أن الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها تضع المغرب في صلب اهتمامها أثناء الحملة الانتخابية، وهذا ما أكده ألبرتو فيخو زعيم الحزب الشعبي، المرشح الأقرب إلى الفوز بالانتخابات، عندما قال إن “العلاقات مع المغرب ستكون من أولوياتنا المستقبلية، إذ سنعمل على استمرار العلاقات المحترمة والمفتوحة مع الرباط”.

وخلص الدكالي إلى أن فيخو يهيئ بهذه التصريحات الناخب الإسباني لقرار دعم القرار السيادي الإسباني بخصوص تأييد مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، كما أن هذا القيادي الإسباني صرح سابقاً بأن المغرب سيكون أول وجهة خارجية يزورها إذا ما تم انتخابه رئيساً للحكومة الإسبانية.

محددات سياسية

حرصت مختلف الأحزاب السياسية في إسبانيا على تضمين العلاقات مع المغرب والموقف من الصحراء في برامجها ووعودها الانتخابية لعلمها بما يشكله هذا البلد الأفريقي القريب جغرافياً من إسبانيا من أهمية استراتيجية بالنسبة إلى مدريد، كما أن إسبانيا لا تزال تبسط سيادتها على مدينتي سبتة ومليلية الواقعتين فوق التراب المغربي.

وظهرت هذه الأهمية التي توليها النخبة السياسية الإسبانية لمجريات العلاقات مع المغرب جلية في سياق الأزمة الدبلوماسية التي ألمت بالبلدين طيلة الأشهر الماضية، بسبب غضب الرباط من مدريد عندما استقبل زعيم جبهة “بوليساريو” المطالبة بانفصال الصحراء إبراهيم غالي على الأراضي الإسبانية للعلاج.

واستمرت الأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد مدة زمنية غير قصيرة، توقفت خلالها الاتصالات الحكومية وزيارات الوزراء، وتجمدت معظم اتفاقات التعاون الثنائي، إلى أن عادت المياه لمجاريها بإعلان رئيس الوزراء بيدرو سانشيز في مارس (آذار) من العام الماضي عن دعم مخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب لحل نزاع الصحراء.

ويبدو أن اللافت في هذه الانتخابات المرتقبة، بخلاف سابقاتها في سنوات خلت، هو “التوافق الضمني” بين أحزاب سياسية إسبانية متناقضة الخلفيات والمرجعيات والتوجهات مثل “بوديموس” اليساري الراديكالي والحزب الشعبي اليميني “التقليدي” وحزب “فوكس” اليميني المتطرف، على الاستمرار في استكمال مسار الموقف الجديد لمدريد من نزاع الصحراء بين المغرب وجبهة “بوليساريو” الانفصالية.

ويعتزم حزب العمال الاشتراكي الإسباني الاستمرار في دعم العلاقات الثنائية مع المغرب، تحديداً دعم مخطط الرباط لحل نزاع الصحراء، بينما لا تتوقع المملكة أن يغير ألبيرتو فيخو، زعيم الحزب الشعبي اليميني الإسباني، موقف مدريد من ملف الصحراء الذي يجعله المغرب المحدد الرئيس لعلاقاته الدبلوماسية مع مختلف الدول.

السياق السياسي حاسم

من جهته، أفاد المتخصص في العلاقات الدولية مولاي هشام معتضد أن مواقف كل حزب من الأحزاب الإسبانية (الحزب الشعبي والعمال الاشتراكي وفوكس اليميني) من طبيعة العلاقات الدبلوماسية مع المغرب ليست مرتبطة فقط بشكل وثيق بأيديولوجية الحزب، لكن عادة ما يكون السياق السياسي عاملاً مهماً في مواقف هذه الأحزاب لبناء مواقفها الدبلوماسية تجاه المغرب.

ويشرح معتضد “عادة يمكن تصنيف كل من الحزب الشعبي الإسباني وحزب العمال الاشتراكي أكثر الفاعلين السياسيين الإسبان واقعية في بناء رؤية براغماتية في ما يخص العلاقات الثنائية بين مدريد والرباط، إلا أن حزب فوكس اليميني يبقى الأكثر انزواء في تشكيل رؤية معتدلة وذات تقييم منطقي تجاه الجارة الجنوبية لمملكة إسبانيا”.

ولفت إلى أن علاقة الأحزاب السياسية الإسبانية بالمناخ السياسي المغربي والقيادة المغربية غالباً ما يضبطها إيقاع المصالح الاستراتيجية وتوازنات القوى في المنطقة، بخاصة أن الأحزاب السياسية الإسبانية لا تريد مغرباً صاعداً سياسياً وقادراً على تشكيل رقم سياسي يخل بالديناميكية الأمنية والاقتصادية لمصلحته على حساب المصالح الحيوية الإسبانية”.

وأضاف “إذا كان حزب العمال الاشتراكي نجح في فك شيفرة الدبلوماسية المغربية بعد فترة عصيبة سياسياً، فإن نجاحه أصبح مادة دسمة للانتقادات السياسية فوق مائدة جل الأحزاب السياسية الإسبانية، وذلك لما تشكله العلاقات بين البلدين من حساسية دبلوماسية في تدبير الشأن السياسي الخارجي لإسبانيا”.

وذهب معتضد إلى أن “زاوية تشخيص الأحزاب السياسية الإسبانية للعلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد بدأت تعرف تغيراً فكرياً على مستوى ميكانيزماتها التاريخية المتجذرة في الفكر الاستعماري والتبعية الثقافية، حيث إن واقعية التطورات الجيوسياسية على الصعيد الدولي وبراغماتية المتغيرات الجيواستراتيجية على المستوى الإقليمي، دفعتا قادة الأحزاب الإسبانية إلى كثير من المرونة خلال الأعوام الأخيرة في تقييم وبناء تصور حول العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ومدريد”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى