لماذا «الأونروا»؟

كتبت نيفين عبدالهادي, في “الدستور” :
لماذا الأونروا؟ ولماذا ضرورة ديمومتها واستمرارية عملها ووجودها؟، ذلك أن حضورها ووجودها ليس عبثيا، إنما هي مؤسسة دولية تُعنى بأكثر من خمسة ملايين و700 ألف لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمس وفق التكليف الدولي لها، ووجودها يحمل رمزية اللاجئ الفلسطيني وفرض حضوره على مستوى عالمي، وعدم تغييب ملف اللجوء ليبقى حاضرا وصولا لحل نهائي بشأنه، وفقا للشرعية الدولية.
ولا يُمكن إغفال كل هذه الأهمية اليوم للأونروا تحديدا بعد الحرب على أهلنا في غزة وما تعرضت له من تحديات وصعوبات، واستهداف واضح من الاحتلال وكذلك من بعض دول العالم، في محاولات واضحة لإنهاء دور هذه المؤسسة الدولية التي يحمل وجودها أهمية كبرى، تحديدا في الجانب الإنساني للاجئ الفلسطيني بشكل عام، واللاجئ في غزة بشكل خاص، حيث تشكّل الأونروا شريان الحياة لأكثر من مليوني فلسطيني يواجهون كارثة إنسانية غير مسبوقة في غزة.
وجود الأونروا أمر ضروري، وليس ترفا، أو حتى حضورا قابلا للجدل، وهذا الوجود يحتاج دعما غير منقطع عربيا ودوليا، وسبق أن دعم الأردن الأونروا قبل أشهر بثلاثة ملايين دينار، على غرار ذلك يجب أن تتجه كافة أشكال الدعم، لبقاء نبضها على قيد الحياة، وأي تقصير أو تأخّر بذلك، لا يقف ضرره عند حدّ إنهاء وجود المؤسسة إنما وقوع كارثة على اللاجئ الفلسطيني تحديدا في غزة، التي للأسف لم يراع الاحتلال بشأنها أيا من معايير الإنسانية سواء كان لموظفيها الذين استشهد منهم أكثر من 100 موظف في غزة، أو في قصف مراكز الإيواء التابعة لها، أو استهداف اللاجئين بها، وغيرها من استهداف الأونروا بشكل يصل لأعلى درجات جرائم الحرب، ما جعل منها تقف أمام أزمات كثيرة للأسف أتبعتها بعض دول العالم بوقف المساعدات لها لتضاعف من أزمتها.
يُغلق البعض أعينهم عن حقيقة واضحة أنه لا يوجد أي جهة أخرى بالعالم قادرة على القيام بالدور الرئيسي الذي تقوم به الأونروا بشكل عام وفي غزة بشكل خاص، بالتالي فإن دعمها ووجودها ضرورة مطلقة، وأي تخفيض في الدعم المالي المقدم لها سينعكس فوراً على معاناة أعمق لأهل غزة الذين يواجهون مجاعة جماعية ستزداد بقلّة خدمات الأونروا، هذه المجاعة التي مردها منع إسرائيل إدخال الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية للغزيين، ورغم أن هذه الحقيقة واضحة إلاّ أن البعض ما يزال يُغمض عينه عنها ويترك من أزمة الأونروا تزداد عمقا.
الأردن بقيادة جلالة الملك سعى ويسعى وسيسعى لبقاء الأونروا وحل أزمتها، وحثّ العالم على تقديم الدعم اللازم لها، في سعي واضح بأن دعم الأونروا مسؤولية قانونية وسياسية وأخلاقية لضمان حق اللاجئين في العيش الكريم والتعليم والخدمات الصحية، ويجب أن يستمر تأكيدا على أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي قضية من قضايا الوضع النهائي تحل وفق قرارات الشرعية الدولية وخصوصا القرار 194 ومبادرة السلام العربية وبما يضمن حق العودة والتعويض، هي مسلّمات سياسية ودبلوماسية وإنسانية يجب الأخذ بها من الثوابت الأردنية لتكون خارطة طريق لعمل ووجود وديمومة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فوجودها مهم واستمراريتها مهمة جدا، وإغفالها عن القضايا الملحّة والأولويات وتركها في طريق معتم ستكون نتائجه كارثية.