لماذا «أونروا»؟
كتب وليد عثمان في صحيفة الخليج.
م تستثن إسرائيل منظمة أو قانوناً دولياً من بطشها طوال مراحل الصراع، وفي هذه الجولة الدائرة في غزة أمعنت في استهداف كل الكيانات الممثلة للمجتمع الدولي. غير أن الأمر الأكثر خطورة متعلق بموقفها من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط المعروفة اختصاراً باسم «أونروا».
مفهومٌ أن التضييق الإسرائيلي على المنظمات الدولية المعنية بالعمل الإنساني والصحي جزء من سياسة التنكيل بالفلطسينيين بحرمانهم من أي صورة للدعم تقدمه هذه الجهات، فضلاً عن أن تغييبها من المشهد يعني التعتيم على تفاصيله المرعبة، فلا يصبح بوسع جهة ما الشهادة على حجم المعاناة الفلسطينية. والشهادة حين تأتي من هذه المؤسسات تكتسب مصداقية، خاصة أنها تواجه ضغوطاً لكتمانها.
ورأينا أن الأمر في غزة تجاوز حدود المتصور إلى درجة دفعت مسؤولين أممين إلى البكاء على ما وصل إليه حال القطاع، ووصفه بالبقعة الأسوأ في العالم من حيث تردي أحواله وافتقاره إلى أي ملمح للإنسانية.
في حال «الأونروا» التي شملتها إسرائيل بعقابها الجماعي، يبدو الأمر أخطر، فتجفيف بعض مصادر تمويل الوكالة يعني تهديداً مباشراً لمصائر ملايين الفلسطينيين اللاجئين داخل الأراضي المحتلة وخارجها، أي في الدول التي تحتضن مخيمات لهم منذ عقود.
من هنا يأتي تأكيد الإمارات، وهي من أكبر المساهمين في مسيرة الوكالة، أن دعمها يشكل ركيزة أساسية لترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة. وهذا التأكيد يعكس إدراكاً لقيمة الدور الذي تلعبه «الأونروا» في حياة الفسيطينيين، وأن أي تعطيل له يضيف إلى عوامل القلق في المنطقة بعداً آخر لا تدرك إسرائيل ومن يؤيدها في هذا الاتجاه عواقبه.
لا يمكن لعاقل أن يتغافل عن آثار حرمان الفلسطينيين اللاجئين في أراضيهم أو في دول الجوار مما تعوضهم به الوكالة من مقومات الحياة الرئيسية لأي إنسان كالمأوى والتعليم والطبابة، وهي أبجديات عيش نسفتها إسرائيل منذ عقود وتطارد الآن من يسعى في توفيرها بأي شكل.
لا يمكن طبعاً فصل استهداف «الأونروا» عن إصرار إسرائيل على التضييق على الفلسطينيين في الجغرافيا المتبقية لهم بقطاع غزة وإغلاق كل نوافذ الأمل أمامهم، دفعاً لهم إلى الهجرة، الأمر الذي تجمع كل الأطراف على رفضه.
وقد يكون مسعى إخراج «الأونروا» من الساحة الفلسطينية التفافاً على هدف تهجير الفلسطينيين، وهو تصرف تورطت دول كبرى في تأييده، غير أن أصوات العقل لا تزال تدعم دور الوكالة وترى في استمراره أحد المخارج المهمة من الصراع. وهذا ما تشدد عليه الإمارات، ليس فقط من باب ضرورته لتحقيق استدامة الأعمال الإنسانية للوكالة، باعتبار ذلك أولوية ملحّة، وإنما أيضاً لأن هذا الدور أحد نماذج العمل الأممي الفاعل لإغاثة الشعب الفلسطيني.
وفي دعم العمل الأممي الإنساني بكل صوره رسالة غايتها الإعلاء من قيمته والتمسك به خياراً لا ينبغي أن يخضع للأهواء.