رأي

لماذا أعادت السعودية علاقاتها بشكل كامل مع سوريا؟

كتبت نسرين حاطوم في بي بي سي عربية.

ماذا تدهورت العلاقات السعودية السورية؟

لا يمكن اختصار الخلاف السعودي – السوري في ما حدث عام 2012، حين انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فللأزمة تاريخ طويل نابع من اختلاف جذري في مقاربة دمشق والرياض، لملفات سياسية حسّاسة في المنطقة.

والعلاقات بين الجانبين شهدت مطبّات عدة، ولا سيما بعد وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم عام 2000، بعد وفاة والده حافظ الأسد، الذي حكم البلاد بين عامي 1971 و2000.

ففي عام 2003 وخلال الغزو الأمريكي للعراق، ظهر جليا التباين في الموقفين السوري والسعودي.

وبينما رفضت دمشق التدخل العسكري في العراق، أيدته الرياض بشكل علني.

وقتذاك، ساندت سوريا الفصائل العراقية المسلحة التي قاومت القوات الأمريكية، ووُجِّهَت إليها أصابع الاتهام، بالسماح لمسلحين، من بينهم سعوديون، بالتسلّل إلى العراق ومحاربة الجنود الأمريكيين. هذا الأمر أزعج القيادة السعودية حينها، لكنه لم يصل إلى حد القطيعة أو الخلاف، ولم يتعدَ كونه اختلافا في وجهات النظر، وصل في حدّه الأقصى، إلى التسبب في فتور العلاقات بين البلدين.

لكن الملف اللبناني كان كفيلا بزعزعة هذه العلاقة، ووضعها على المحك لسنوات.

بداية، مع رفض الرياض التمديد للرئيس اللبناني السابق إميل لحود عام 2004 لثلاث سنوات إضافية حتى عام 2007، وذلك بتعديل دستوري أقرّ في المجلس النيابي اللبناني.

آنذاك، لم تعرب الرياض عن موقف علني سلبي من التمديد، لكنها كانت ترفضه في الكواليس السياسية، كما اتهمت واشنطن دمشق بممارسة ضغوط، وتوجيه تهديدات للنواب اللبنانيين الذين كانوا يعارضون ذلك التمديد، وكان أبرز معارضيه رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، الذي اغتيل في بيروت في انفجار هزّ العاصمة اللبنانية في فبراير/شباط 2005.

الحريري، الذي كان بمثابة رجل السعودية الأول في لبنان نظرا لعلاقاته الوثيقة مع الرياض، رفض التمديد بداية، لكنه رضخ له في نهاية المطاف.

وشكل اغتيال الحريري نقطة تحوّل في العلاقات السورية السعودية، لما تبعه من أحداث وتراشق سياسي وإعلامي بين البلدين. وُجِهَت أصابع الاتهام في عملية الاغتيال إلى سوريا، وأدّى هذا الأمر إلى تباعد واضح بين دمشق والرياض، بسبب إدارة الأزمة في لبنان، الذي شهد بعد الاغتيال، سلسلة اغتيالات ومحاولات اغتيال، طالت شخصيات معارضة للوجود السوري في لبنان، حتى بعد انسحاب القوات السورية من الأراضي اللبنانية، في أبريل/نيسان عام 2005.

تعمّق الخلاف بين السعودية وسوريا في عام 2006، حين اندلعت الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، بعد قتل الحزب ثلاثة جنود إسرائيليين وأسره اثنين آخرين على الحدود. حينها ندّدت الرياض بما وصفته بـ “المغامرات غير المحسوبة”، في انتقاد واضح لحزب الله.

التنديد على هذه الشاكلة أدى لاحقا إلى أن يأخذ الخلاف السعودي السوري بعدا شخصيا، مع تصريحات للرئيس السوري بشار الأسد، تحدث فيها عن أن الحرب “أسقطت أصحاب أنصاف المواقف، أو أنصاف الرجال”، منتقدا الدول التي اتهمت حزب الله بالمغامرة، وهو ما عُدَّ إشارة إلى دول عربية من بينها السعودية. واعتُبرت عبارة “أنصاف الرجال” تحديدا موجّهةً للقادة في الخليج.

غير أن التحوّل الأكبر في العلاقات بين البلدين، حدث عقب اندلاع الأزمة في سوريا عام 2011.

ففي فبراير/شباط 2012، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي في بيان لها، أنها قرّرت الطلب من السفراء السوريين مغادرة أراضيها وسحب سفرائها من دمشق، وذلك تنديدا بما وصفته في بيانها المشترك بـ ” المجزرة الجماعية ضد الشعب الأعزل في سوريا”. وفي مارس/آذار عام 2012 أغلقت الرياض سفارتها في دمشق، وطردت السفير السوري لديها.

اتهمت دمشق الرياض بدعم المعارضة السورية، ولاسيما قوات الجيش السوري الحرّ. وأشارت مصادر في المعارضة السورية حينها، إلى أن قواتها في جنوب سوريا، حصلت على صواريخ مضادة للدبّابات من السعودية، في شحنات وصلت إليها عبر الأراضي الأردنية. كذلك أشارت تقارير صحفية غربية، وقتئذ، إلى حصول عناصر من الجيش السوري الحر، على رواتب شهرية من قبل السعودية.

وفي سبتمبر/أيلول 2014، أقر وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل، في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن بلاده تدعم المعارضة السورية المعتدلة، وتحارب “الجماعات الإرهابية”، واصفا الرئيس السوري بأنه “الراعي الأول للإرهاب في سوريا “. وقال الفيصل حينذاك إنه “ليس للأسد دور” في مستقبل بلاده، ووصفه بأنه رئيسٌ “فاقد للشرعية”.

وفي يناير/كانون الثاني عام 2015، استضافت السعودية مؤتمرا للمعارضة السورية، ومن ثم استضافت مؤتمرا ثانيا عام 2017 بعنوان “مؤتمر الرياض 2”. لكن الأمور أخذت منحى مختلفا في العام نفسه، حين أعلن وزير الخارجية السعودي آنذاك عادل الجبير، وقف الدعم العسكري السعودي للمعارضة السورية، عقب اجتماع له مع أقطابها. خطوة وضعها مراقبون حينئذ، في إطار ما وصفوه بتسليم “الورقة السورية” إلى روسيا.

كيف عادت المياه إلى مجاريها؟

لم يكن قرار الرياض استئناف علاقاتها مع دمشق وليد اللحظات الأخيرة، بل سبقته سلسلة إشارات؛ بدءا بزيارات لشخصيات سورية مقرّبة من الرئاسة السورية إلى السعودية، مرورا بتصريحات صدرت عن مسؤولين رفيعي المستوى في دمشق والرياض، وصولا إلى قرار عودة العلاقات الدبلوماسية.

فيما يلي، أبرز المحطات التي شكّلت مسارا تدريجيا لعودة العلاقات بين البلدين:

  • في عام 2020 قال مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة عبد الله بن يحيى المعلمي، إن العلاقات بين بلاده وسوريا يمكن أن تعود في أي لحظة، إذا انتهت الأزمة السورية، وفي حال تم التوافق بين الشعب السوري على مستقبل البلاد.
  • في عام 2021 تحدثت تقارير غربية، عن زيارة قام بها رئيس جهاز الاستخبارات السعودي خالد الحميدان إلى سوريا، التقى خلالها الرئيس السوري ومستشاره للشؤون الأمنية علي المملوك.
  • في العام نفسه، شارك وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني، في مؤتمر عقد في الرياض حول السياحة في الشرق الأوسط. كانت تلك هي الزيارة الرسمية العلنية الأولى لمسؤول سوري رفيع إلى السعودية، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
  • في أواخر 2022 وخلال القمة الصينية السعودية، أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عن رغبة بلاده في البحث عن طريقة للتواصل مع القيادة السورية، والملفت أنه تم رفع العلم السوري في القمة العربية الصينية، التي تلت القمة السعودية الصينية، حتى دون أي مشاركة سورية فيها.
  • في فبراير/شباط 2022، وفي أعقاب الزلزال المدمّر، الذي ضرب كلا من سوريا وتركيا، أرسلت الرياض مساعدات إنسانية إلى المناطق المتضررة التي تسيطر عليها المعارضة وتلك الخاضعة لسيطرة الدولة السورية على حدّ سواء. وكسرت هذه المساعدات إلى حدّ ما، حال العزلة التي كانت تمرّ بها سوريا.
  • في الشهر نفسه، وخلال مؤتمر ميونيخ للأمن، تحدث وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، عن بداية تشكيل إجماع عربي بشأن عدم جدوى عزل سوريا عن محيطها العربي، وشّدد على أهمية الحوار لمعالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم.
  • في مارس/آذار 2023، أعلنت الرياض ودمشق إجراء محادثات لاستئناف عمل البعثات الدبلوماسية في البلدين كليهما. وبحسب بيان وقتذاك للخارجية السعودية، جاء القرار “انطلاقا من روابط الأخوة التي تجمع الشعبين، وحرصا على الإسهام في تطوير العمل العربي المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”.
  • تلت هذا الإعلان المشترك، زيارة لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى السعودية التقى خلالها نظيره السعودي في أبريل/نيسان 2023.
  • مشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة العربية التي عقدت في جدة في مايو/أيار 2023، أعقبتها أيضا مشاركته في القمة العربية الطارئة في الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، لبحث التطورات في غزة، بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

العلاقات السعودية السورية… لماذا عادت؟

كثيرة هي الأسباب التي دفعت نحو عودة العلاقات السعودية السورية. منها ما يتعلق بالسعودية ومنها ما يتعلق بسوريا.

فيما يخص السعودية، التي وضعت نصب أعينها تحقيق “رؤية 2030” بعيدا عما قد يوصف بأي تشنّجات وتوتّرات في المنطقة، كان لا بدّ من تحسين العلاقة مع الرئيس السوري.

فلتحقيق أهدافها التنموية، رأت القيادة السعودية أنه لا بد من الخروج من موقع المواجهة واعتماد سياسة “تصفير المشاكل”، ولا سيما أن الإعلان عن عودة العلاقات السعودية السورية، جاء بعد إعلان مماثل، حول تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية.

وقال مراقبون حينها إن هذه الخطوة السعودية تجاه كل من إيران وسوريا، جاءت نتيجة تراجع الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، كما أنها خطوة تزامنت مع أجواء مصالحات عدة، كالمصالحة الخليجية مع قطر والمصالحة الخليجية مع تركيا.

الكاتب والمحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي، وفي حديث مع بي بي سي نيوز عربي، اعتبر أن الرياض تريد إرساء توازن سياسي في علاقاتها الإقليمية بالارتكاز إلى أمور عدة كتصفير المشاكل وتوسيع الشراكات ومدّ اليد للتعاون التجاري والاقتصادي، وهي سياسة تعبّر برأيه، عن “دبلوماسية التغيير من خلال التعاون مع الآخرين”، لافتاً إلى أنها سياسة نجحت دولٌ عدة في اعتمادها كألمانيا.

وأضاف الكاتب السعودي أن هناك ثلاثة أسباب وراء عودة العلاقات السعودية مع دمشق.

السبب الأول برأيه، هو القلق السعودي على وحدة الأراضي السورية، التي تتنازع عليها قوى كبرى لها “أطماع” في سوريا، كإيران وتركيا والولايات المتحدة، بحسب قوله. السبب الثاني، هو “تشجيع النظام في سوريا على تطوير موقفه من التسوية السياسية”، إذ أن الرياض ترغب، كما قال، في “ردم الفجوة بين النظام السوري والمعارضة السورية”. أما فيما يخص السبب الثالث، فيرى العقيلي أنه يتمثل في أن سوريا أصبحت في السنوات الأخيرة، ما وصفه بـ “مصدر تهديد للمنطقة وللسعودية فيما يخصّ تصنيع المخدرات (حبوب الكبتاغون) وتصديرها إلى الدول المجاورة”، قائلا إن التعاون السعودي مع سوريا في هذا المجال، سيحدّ من “هذا التهديد الذي دام لسنوات”، بحسب تعبيره.

أما فيما يخص سوريا، فتشكل عودة علاقاتها مع السعودية، بمثابة بوابة للعبور إلى “الحضن العربي” من جديد، بعد عزلة دامت لأكثر من عقد. فما إن تم الإعلان عن عودة العلاقات، حتى استعادت دمشق مقعدها في جامعة الدول العربية، وإن ترافق ذلك مع تحفظات لدول عربية، في مقدمتها قطر.

وتُعد عودة سوريا إلى الحضن العربي بمثابة مكسب اقتصادي كبير لها، سيسمح لها بتوقيع اتفاقيات اقتصادية واستثمارية وتجارية، مع عدد كبير من الدول العربية، وتفعيل عمليات العبور البري، التي يُفترض أن تعود بإيرادات مالية على خزينتها، التي تعاني أزمة حادة في السيولة منذ عام 2011.

كذلك ضمنت دمشق عقودا لترميم وتحسين البنى التحتية والطرقات، وبناء ما تهدّم من مدارس ومستشفيات ودوائر رسمية ومرافق صحية، لاسيما في المناطق التي شهدت مواجهات عنيفة بين الجيش السوري والمعارضة السورية.

في المقابل، ترى رئيسة تحرير منصة “البيت الأبيض بالعربية” الإلكترونية مرح البقاعي، أنه من المفيد أن لا تُترك سوريا لمصيرها بيد لاعب إقليمي وحيد هو إيران، معتبرة في لقاء مع بي بي سي نيوز عربي أن التجارب أثبتت أن “إيران لم تجلب سوى الكوارث إلى المنطقة العربية” عبر ما وصفتهم بالميليشيات التابعة لها في سوريا ولبنان والعراق.

وأشارت البقاعي إلى أن الحضور الدبلوماسي للسعودية في سوريا، سيساعد في إعادة حالة التوازن على الأراضي السورية، ويضع حدا لنفوذ القوى الأجنبية التي اختطفت القرار السوري، على حدّ وصفها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى