لسنا طرفاً بالحرب ولا ساحة لها
كتب حسين الرواشدة في صحيفة الدستور.
صحيح، نحن في الأردن جزء من هذه المنطقة، نؤثر فيها ونتأثر بها، لكننا لسنا طرفا في الحرب، ولا نقبل، أبدا، أن نكون ساحة لها، ولا جزءاً من الصراع عليها، وبالتالي من حقنا المشروع أن نتمسك بسيادة أرضنا وقرارنا، وأن نحمي بلدنا من كل ما يستهدفه، لا فرق بين محتل صهيوني وآخر فارسي، هذه الثوابت التي تأسست عليها الدولة الأردنية يجب أن لا تخضع للنقاش ولا للمزايدة، لا تنقصنا الشجاعة لخوض الحرب متى فُرضت علينا، فقد جربناها في «الكرامة « وانتصرنا، ثم انتزعنا -بهمة الأردنيين وقيادتهم- احترام العالم لنا، وقبل ذلك احترامنا لأنفسنا وبلدنا.
نحتاج للتذكير بهذه الحقائق في إطار حدود المصالح العليا للدولة، ومصادر التهديد التي تواجهها، ومسؤولية إداراتنا الرسمية والشعبية للتعاطي مع الأزمات والظروف الصعبة التي نمر بها، أو يمكن ان تداهمنا في المستقبل، بما يلزم من حكمة وشجاعة.
صحيح، كانت عيوننا، منذ أن اندلعت حرب 7 أكتوبر، مفتوحة على كل ما جرى وما يمكن أن يحدث، صحيح، أيضا، ربما أصبنا أحيانا في بعض التقديرات وأخطأنا أحيانا أخرى، لكن الاكيد هو أن بوصلة الدولة الأردنية ظلت باتجاه واحد لم ينحرف، وهو الحفاظ على الأردن، وتعزيز جبهته الداخلية، تم ذلك في سياق موقفنا الثابت من الحرب، ودعمنا الكامل لاشقائنا الفلسطينيين، وبناء تحالفاتنا السياسية دون استعداء أحد، ثم تسخير ما لدينا من إمكانيات في إطار معادلة القيام بالدور المطلوب وضمان أمن بلدنا واستقراره.
بدل أن يشتبك الأردنيون حول معادلة الردع التي تصارع عليها الكيان المحتل مع إيران، ومن انتصر فيها على من، وبدل أن نستغرق في التهوين أو التهويل مما حدث، ومما سيحدث لاحقا على طاولة التفاوض السياسي بين أطراف الصراع، أهم درس يجب أن ندقق فيه ونتعلم منه، هو حق الدفاع عن «المصالح العليا للدولة الأردنية وسيادتها»، هذا ما فعلته طهران حين ردت على اعتداء» القنصلية»، بعد أن التزمت الصبر الاستراتيجي طيلة سبعة أشهر تعرضت فيها لأربع ضربات موجعة.
الأردنيون معنيون بإدارة نقاشاتهم العامة حول «الأردن»، تماما كما تفعل كل الشعوب المتحضرة، أما الذين يحاولون أن يستفردوا بنا، سواء في الشارع أو على منصات التواصل، في الخارج او الداخل، باسم قضايا أخرى، أو دفاعا عن أجندات خارج السياق الوطني، هؤلاء يكفي أن نقول لهم: تعلموا من تجارب العالم، كيف يدير مصالحه الوطنية بحنكة وذكاء، وكيف يتوافق عليها بلا تخوين ولا تشكيك، ثم يضعها أولوية أولى، ويدور في فلكها حيث تدور.
أمام استحقاقات المرحلة القادمة، وما تحمله من أخطار وتحديات، لابد أن نعيد تقييم أدائنا العام، لا وقت للاسترخاء، ولا مجال لأي أخطاء؛ حركة السياسة يجب أن تنشط باتجاه مزيد من الشفافية والوضوح، حركة الإعلام يجب أن تنضبط في إطار المصداقية والحرفية والمسؤولية الوطنية، إدارات الدولة لابد أن تتحرر من البيروقراطية وتنفتح على المجتمع وأحزابه ومؤسساته، وتضع أمامها كافة الحقائق والتطورات.
أيضا، الأحزاب التي لم نسمع صوتها، يجب أن يكون لها دور في إدارة النقاش العام، رجالات الدولة الذين غابوا عن المشهد لابد أن يحضروا ويساهموا في تدبير السياسات العامة، النقابات ومراكز الدراسات والجامعات التي مازالت تجلس على مقاعد المتفرجين يجب أن تمارس مهامها الوطنية، لا يجوز ان نترك الفراغ لقلة تشكك بالدولة، أو لفئات تحاول ان تدفع بلدنا إلى الانتحار، أو لأصحاب أجندات يعتزون بكل شيء إلا بإنجازات دولتهم، حان الوقت، فعلا، لكي نسمع صوت الأردنيين، كل الأردنيين، بموقف واحد، وهتاف واحد، وتحت لافتة واحدة: «الأردن لنا ولن نختلف عليه».