«لحظة دولية» تحتاج لموقف فلسطيني
كتب محمد خلفان الصوافي في صحيفة البيان.
من خلال التجارب التاريخية للأمم هناك لحظات تعتبر مفصلية لتغيير مسارها في خدمة قضاياها الوطنية خاصة عندما يكون هناك تهديد خارجي عليها، حيث تتوحد مواقف كل القوى السياسية في مواجهة التهديد الخارجي، حتى لو كان هناك تعارض في مواقفها، لأن هناك هدفاً أكبر وأسمى، أو في أسوأ الحالات تسيطر قوى سياسية واحدة على الموقف السياسي حتى لا يحصل تشتيت بين أصحاب القضية.
ففي مثل هذه اللحظات عادة ما تتخذ القوى السياسية الوطنية مواقف غير عادية من أجل حماية مواطنيها ومستقبلهم السياسي وتختفي الصراعات السياسية التي تفرق بينهما.
وقد تتجه تلك القوى الوطنية المتعارضة في الحصول على حقها السياسي إلى الاتفاق (ولو) شكلياً لإنشاء موقف سياسي واحد لحين تحقيق المصلحة العليا للدولة وهي حماية الإنسان. كما أنه في تلك اللحظات المفصلية تكون هناك تغيرات في السياسة الدولية تعتبر «فرصة» تساعد في تحقيق ذلك الهدف.
فمثلاً كان إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وجود نظام دولي قابل لأن يحدث ذلك متمثل في الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وكذلك وجود شخصية في جنوب أفريقيا من البيض وهو الرئيس دي كليرك. وبالتالي فنحن اليوم أمام لحظة دولية يمكن أن تساعد في إجبار الحكومة الإسرائيلية المتشددة على إيقاف الحرب والانسحاب من غزة مع القبول بالدولة الفلسطينية.
هذه اللحظة الدولية تحتاج إلى توفر شرطين مهمين على الأقل. ويبدو لي أن الشرط الأول بدأ يتحقق، ولكن ينبغي عدم التفريط فيه لأن المواقف السياسية الدولية في طبيعتها غير ثابتة، بل هي متحركة وبصورة سريعة خاصة في اللحظة الحالية لأنها مرتبطة بتغيرات المشهد الدولي الذي يعيش حراكاً سريعاً جداً والشرطين هما:
الأول: وهو التحول الكبير في موقف الإدارة الأمريكية من خلال اقتناعها بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وبعض وزرائه المتشددين هم من يعرقلون عملية السلام في المنطقة، وأنهم السبب الأكبر في الأزمة الفلسطينية ـ الإسرائيلية؛ جاء هذا التحول في خطاب زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي تشاك تشومر وأكد على حديثه الرئيس الأمريكي جو بايدن. وبلا شك يمثل الموقف تحولاً سياسياً كبيراً في موقف الإدارات الأمريكية وليس في الإدارة الحالية خاصة وأن الشخصيتين تعتبران من المدافعين عن إسرائيل.
وسبق هذا التحول الأمريكي، تحول أهم في موقف الرأي العام الداخلي في الولايات المتحدة والعالم وأوروبا بشكل خاصة بعد تلك المرافعة التاريخية لدولة جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية ضد الانتهاكات الإنسانية الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والتي استطاعت أن تغير الكثير من السردية الإسرائيلية في المجتمع الدولي.
الشرط الثاني: وهو أكثر أهمية من الأول، لأنه مرتبط بأصحاب القضية الفلسطينية أو ما يسمى بـ«القرار الفلسطيني» والمتمثل في حركتي فتح و«حماس»، حيث إن اللحظة الدولية التي نتحدث عنها تحتاج إلى موقف سياسي فلسطيني واحد يتحدث باسم الشعب الفلسطيني، حتى لا يحدث «تفريط جديد» بفرصة مواتية كما يحدث في كل مرة.
هذا الموقف الفلسطيني يفترض أنه نابع من المصلحة الفلسطينية وأن يتم بعيداً عن تدخلات خارجية وفق حسابات إقليمية أو دولية، حيث إن التدخلات الخارجية، سواءً المباشرة أو غير المباشرة، أحد أسباب معاناة القضية الفلسطينية خلال كل الفترات. فالوحيدون القادرون على تقييم المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني هم ممثلوها من السياسيين.
الفكرة في هذه النقطة أن الحالة الإنسانية التي يتعرض له شعب غزة سواءً الإبادة الجماعية التي تجاوزت 32 ألف قتيل أكثرهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 74 ألف جريح، أو سياسة التجويع من خلال التضييق على المساعدات الإنسانية المقدمة، تدفع بالقوى السياسية الفلسطينية للاتفاق على موقف موحد لمخاطبة العالم السياسي والعالم الإنساني وليس الاختلاف في نهج التعامل مع العدو لأن هذا الاختلاف يكاد يكون مبرراً رسمياً لاستمرار الآلة العسكرية الإسرائيلية في القتل الجماعي.
البعض يستدل بالتجارب النضالية التاريخية في طرد المحتل بالقوة، ولكن يتناسون أن تلك التجارب بدأت بتوحيد الصف النضالي بين أهل القضية سواءً كانوا في أفريقيا أو الجزائر، مع استخدام الوسيلة الأنسب زمنياً في مقاومة المحتل.