رأي

لبنان ينقذ نفسه؟

كتب لويس حبيقة في “اللواء”:

سررنا جميعا لتوقيع لبنان مع بعثة صندوق النقد الدولي على اتفاق أولي بشأن انقاذ لبنان من الأوضاع التي نعيشها والتي تتعدى المؤشرات الاقتصادية العادية. تصل عمليا الى كل جوانب المجتمع بدأ من السياسية الى الاجتماعية والأخلاقية وكل ما يرتبط بالفساد المستشري عموديا كما أفقيا. وقع المسؤولون اللبنانيون مع بعثة الصندوق على برنامج أولي للاصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي والاداري يساهم في احداث نمو مبني على الشفافية مما يساهم في دعم المجتمع ومختلف حاجاته المتراكمة. سيمنح لبنان على أساسه قرضا ب 3 مليارات دولار يسدد على 4 سنوات. كي ينفذ الاتفاق يحتاج الى موافقة ادارة ومجلس ادارة الصندوق على كل ما ورد فيه. يجب ان يقوم لبنان بخطوات مسبقة كالموافقة على موازنة 2022 وغيرها والتي أصبحنا جميعنا نعرفها غيبا.

قرض صندوق النقد يفتح مجالات كبرى للتمويل الإضافي من الدول الشقيقة والصديقة كما من قبل المؤسسات الدولية فتدعم جميعها البرنامج. حاجات لبنان التمويلية تفوق الى حد بعيد الثلاث مليارات دولار المذكور في المذكرة. معالجة مشكلة الدين العام تدخل في البرنامج علما أنه من المستحيل ايجاد حل مقبول لهذا الدين في غياب النمو القوي الطويل الأمد. فعلا يواجه لبنان اليوم أزمة كبيرة لم يعرفها في السابق وتؤدي الى ارتفاع مؤشرات الفقر والهجرة والبطالة الى حدود مخيفة. ما يحصل اليوم هو نتيجة سنوات طويلة من الاهمال والتبذير والفساد وسوء المسؤولية من قبل مجموعة كبيرة من السياسيين اللبنانيين.

نجمع اليوم أن معظم السياسات العامة التي طبقت في لبنان لم تكن فضلى، وان كانت كذلك لفترات محدودة فكان يجب تغييرها في الأوقات المناسبة وهذا ما لم يحصل. من هذه السياسات الدعم الذي أفقرنا وأكل ودائع الناس لتمويل فساد وتهريب وتهرب كنا بغنى عن أكثرية جوانبه. كذلك الأمر بالنسبة لسياسة سعر الصرف الثابت الذي أبقي بالرغم من كل المحاذير والمخاطر التي واجهته. استمرار هذه السياسات السيئة والرهان على تحسن ما مجهول الهوية والمصدر ينقذنا عند الحاجة كان وما زال كارثيا، لأن لا ينقذ لبنان الا نفسه بالاضافة طبعا الى مساعدة الآخرين.

توقيت الاتفاق الأولي حرج جدا للبنان بالرغم من ضرورته. وجود هكذا اتفاق أفضل بكثير من عدمه ونحتاج اليه. لكن كي يطبق هذا الاتفاق، يحتاج الى مساهمة وعمل مجلسي النواب والوزراء في وقت تنشغل أكثرية السياسيين في التحضير للانتخابات النيابية المقبلة. في مجلس الوزراء هنالك مرشح واحد فقط وبالتالي يمكننا أن نأمل أن الوزراء سيعطون كل ثقلهم السياسي والاجتماعي للسير في ما يطلبه الاتفاق بعد المناقشة الكاملة والعميقة طبعا. أما المجلس النيابي، فيمكننا الاتكال أكثر على من لم يترشحوا للتجديد لأنفسهم وبالتالي التضامن والتكامل بل التواصل النيابي سيبقى موجودا وقويا. في كل حال كل التحضيرات والأعمال التي تحصل خلال الشهر المقبل ستتواصل مع المجلس النيابي الجديد ومع الحكومة الحالية التي تصبح حكومة تصريف أعمال بانتظار تشكيل الجديدة.

من ناحية الاصلاحات المطلوبة من قبل الصندوق، لا بد وأن نعلق كما يلي:

أولا: اعادة هيكلية القطاع المالي وليس فقط المصرفي. يجب أن تحترم سلامة الودائع كاملة وأن يتحمل الخسائر من أخذ القرارات السيئة الي أوصلتنا الى ما نحن عليه. القطاع العام اللبناني غني جدا ويمكنه تسديد الخسائر التي سببها عبر سياساته المزمنة. تمويل المصارف من قبل الأموال الخارجية الآتية يمكن أن يعيد الودائع الى أصحابها ويسمح لها بلعب دورها الطبيعي كممول للقطاع الخاص.

ثانيا: الاصلاحات المالية مطلوبة وطنيا وهذا ما عجزت عنه كل الحكومات المتتالية، وهنا تكمن أهمية الانتخابات القادمة لتغيير نوعي كبير في السلوك والاداء لمصلحة لبنان. عمليا هذا يعني وقف الفساد وتصغير حجم القطاع العام وترشيد الانفاق وتحصيل الايرادات من ضرائب ورسوم وغيرها. ترشيد الانفاق لا يعني فقط تخفيض الأرقام وانما توزيعه بشكل أفضل حماية للحاجات الاجتماعية والصحية وضرورة تحديث البنية التحتية وتجهيزها.
ad

ثالثا: اصلاح المؤسسات العامة التي فقدنا الأمل بها أي بخدماتها وشفافيتها وهدرها وحسن ادائها. هل يجب أن نأمل في اصلاح شركات الكهرباء ولماذا لا نذهب مباشرة الى التعاون مع القطاع الخاص، فنختصر الوقت كما نخفف الخسائر. كذلك الأمر بالنسبة الى كل المؤسسات العامة الأخرى. فلنعالج الوقائع بجدية أكثر ولندخل القطاع الخاص اليها عبر نظام الPPP الذي أقر منذ سنوات.

رابعا: تقوية الحوكمة ومحاربة الفساد أساسية. من هنا ضرورة القيام بالرقابة الضرورية الجنائية والمالية والادارية وغيرها. من غير المقبول أن يستمر مصرف لبنان كما هو أي علبة مغلقة أمام الرأي العام. من غير المقبول أن يمتلك مصرف لبنان مؤسسات وشركات لا علاقة لها بالدور النقدي والمصرفي وبالتالي يجب تقليص حجمه كي يركز على السلطة النقدية والرقابة المالية والمصرفية فقط. من غير المقبول أن يكون مصرف لبنان نوعا من الجمهورية داخل الجمهورية، والمثال الأفضل لنا هي المصارف المركزية الأميركية والأوروبية واليابانية.

خامسا: وضع نظام لسعر الصرف واقعي اذ أن الثابت الأعمى ساهم في ادخالنا الى الأزمة العميقة. مع الأموال التي تدخل لبنان لا بد وأن نعتمد سياسة سعر صرف حرة مراقبة من قبل مصرف لبنان تماما كما يحصل في الأسواق المتقدمة الناضجة أي الدولار واليورو والين.

جميع هذه الاصلاحات منطقية ويجب أن تناقش داخليا كي نتأكد من امكانيتنا على التطبيق.لا بد من الحفاظ على السرية المصرفية العادية أي التي لا تحمي المجرمين والمخلين بالأمن والذين يقومون بأعمال الارهاب والتبييض. الحفاظ على السرية المصرفية يهدف الى حماية المواطن والشركة والمؤسسة النزيهة والشريفة والتي تشكل الأكثرية الساحقة في لبنان الوطن والمنتشر.

كي تنجح مؤسساتنا أي مجلسي النواب والوزراء في مهمتها الاصلاحية الاستثنائية مع الدعم الرئاسي، يجب أن تكون القناعة موجودة عند الجميع. ما نقوم به وطنيا هو معالجة خسائر الحاضر وتأمين مستقبل نظيف وفاعل للأجيال المقبلة. التحديات كبيرة ومن هو غير قادر على تحملها، عليه أن يعتذر اليوم قبل الغد وبالتالي السماح للبديل حتى قبل الانتخابات لتسلم المسؤوليات. الصعوبة الأساسية هي عامل الوقت، لكن ربما يشكل ذلك دافعا للقيام بما نحتاج اليه وما يجب أن نقوم به. حقيقة مع كل هذه الاصلاحات، سنبني اقتصادا جديدا للمستقبل وبالتالي المهام كبيرة. أخيرا لن ينقذ لبنان الا نفسه، بالاضافة الى المساعدات الخارجية الداعمة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى