رأي

لبنان في ساحة التوظيف قبل زيارة بايدن

كتبت روزانا بو منصف في” النهار”:

استقبل الرئيس #ميشال عون رئيس حركة حماس #إسماعيل هنيّة الموجود على قائمة الإرهاب الاميركية مع حركته في قصر بعبدا مجدداً. وسبق أن استقبله العام الماضي في أصدق تعبير عن تموضع لبنان الرسمي على الأقل، فيما “يوّحد” هنيّة “ساحات المقاومة” كما قال رفضاً “للتطبيع”. فالدينامية الخليجية والعربية المستبقة لزيارة الرئيس الأميركي #جو بايدن للمنطقة حيث لا مقعد ولا مكان للبنان في القمّة العربية الخليجية المرتقبة في الرياض، تسعى إيران ومعها “حزب الله” الى توظيف لبنان وساحته ميداناً لمواجهة النتائج أو الانعكاسات المحتملة.

استقبال هنية في بيروت مرة جديدة في سياق الرد على الدول الخليجية ولا سيما من رئيس الجمهورية الذي يضيف الى مآثره على هذا الصعيد وكذلك عودة الحملات من الحزب على المملكة السعودية التي استقبلت رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي علماً بأن الأخير يزور إيران كذلك، يندرج في سياق تعقيد الوضع الداخلي وتصعيب الوضع الإقليمي للبنان أكثر مما هو عليه. فهذا العهد يلفظ أنفاسه وخياراته أكثر التصاقاً بحليفه الذي يمدّه بالدعم فيما غالبية القوى الأخرى مشغولة بالصراعات الداخلية المتصلة بالحكومة وبالانتخابات الرئاسية المقبلة.

ومن المؤكد أن هذا المنحى لن يساعد على تأليف الحكومة ولا كذلك على أي التفات عربي خارج ما حصل حتى الآن من علاقات الحدّ الأدنى. تتنافس القوى الإقليمية على اللعب في ظل مساحة حركة بدت متاحة لكل من تركيا وإيران وإسرائيل وأخيراً الدول العربية على خلفية أن انشغال العالم بالحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها على أوروبا وغالبية الدول كذلك فرض دينامية جديدة مختلفة تحاول الدول في المنطقة التموضع على أساسها. ويمكن استشفاف ذلك وفق مصادر ديبلوماسية خارجية من المساعي التي تسير على إعادة رأب الصدع بين الدول الخليجية والولايات المتحدة في موازاة المساعي لاستئناف المفاوضات بين الدول الغربية مع إيران حول العودة الى العمل بخطة العمل المشتركة. فالولايات المتحدة التي بدّلت مقاربتها أو عدلتها بعض الشيء إزاء دول المنطقة تحت تأثير الحاجة الى الطاقة في ظل العقوبات الغربية والأميركية على روسيا والتضخم الكبير الحاصل في غالبية هذه الدول، تمارس ضغوطاً على الدول الخليجية والعربية أكثر بكثير من الضغط الذي تمارسه هذه الأخيرة على واشنطن. فهذه الأخيرة استاءت، وفق معلومات ديبلوماسية، من تقرير وكالة الطاقة الذرية المدين لإيران بقوة إذ صوّتت 35 دولة في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار غربي يدين “تقاعس إيران” ويطالبها بالتعاون مع تحقيق دولي لتحديد مصدر آثار اليورانيوم في 3 مواقع سرّية، ما قاد طهران الى وقف اثنتين من كاميرات المراقبة في إحدى منشآتها النووية، في سياق تقليص التعاون مع المفتشين الأمميين. وهذا الاستياء مردّه الى واقع أن هذا الموقف المتشدّد للوكالة من شأنه أن يهدّد بإقفال المجال المتاح أمام واشنطن للوصول الى تفاهم مع إيران، إذ إن الإدارة الأميركية لا تزال تراهن على العودة الى العمل بالاتفاق النووي جنباً الى جنب رهانها على أن رفع العقوبات عن النفط الإيراني يسهم في تعويض افتقاد الدول الغربية أو الأوروبية تحديداً للغاز الروسي في ظل عاملين أساسيين: أحدهما أن الدول الأوروبية باتت ضعيفة الى حدّ كبير وباتت معتمدة على نحو غير مسبوق في العقود الأخيرة على الولايات المتحدة. ويشهد على ذلك ما أصاب فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون في الانتخابات التشريعية الفرنسية أخيراً فيما المستشار الألماني أولاف شولتس الذي خلف أنجيلا ميركل تعثّر فور تسلّمه مهامّه بالحرب الروسية وأزمة الطاقة التي تواجهها ألمانيا على نحو حادّ. والعامل الآخر أن دول الخليج العربي، في ظل أزمة الثقة التي استفحلت مع واشنطن في ظل إدارة بايدن وضعف أوروبا، باتت في حاجة الى أوراق متعدّدة خارجهما فيما التوجّه الاميركي الى الخليج راهناً مرتبط بالحاجة الى رفع الدول الخليجية إنتاج النفط ولكن ايضاً تحت وطأة الابتعاد السعودي والخليجي عموماً نحو آسيا والإبقاء على علاقات مفتوحة وجيدة مع روسيا بحيث افتقدت الولايات المتحدة دعم دول المنطقة غير المحسوب لأوكرانيا أو إدانة الحرب الروسية من خلال الوقوف كلياً الى جانب الولايات المتحدة. ومن غير المرجّح أن تثير الدينامية الإقليمية قلق واشنطن إن من جهة ترتيب المملكة السعودية أوراقها وتعزيزها قبيل زيارة بايدن أو من جهة تركيا وطموحها لعملية عسكرية في سوريا أو لجمها، أو التحرّك الإيراني راهناً في العراق أو سوريا أو حتى لبنان. فزيارة بايدن ترمي الى تحقيق مكاسب لا سيما في ظل التحدّيات الداخلية لإدارته وفي ظل المخاوف من تراجع للحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي في تشرين الثاني المقبل.

والسؤال يظل كبيراً إزاء ما يمكن أن تقدّمه فعلاً إدارة بايدن خلال الزيارة في مقابل المكاسب التي تسعى إليها. ولذلك ما يجري في المنطقة يظهر أن دولها المؤثرة قلقة من عدم إمكان اعتمادها على الولايات المتحدة كحليف تقليدي أو حتى على الغربيين أو كذلك على روسيا، ولا سيما في ظلّ كباش متجدّد أعاد إحياء الحرب الباردة بين أميركا وروسيا ويهدّد، كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، زعامة الولايات المتحدة الأحادية للعالم.

لا غرابة في ظل ذلك، مع استمرار لبنان كما العراق مشرذماً، وهما غير اليمن وسوريا، ولا أفق لهما في ظل هذا التضعضع وعدم وجود قرار عربي صلب وموحّد للتأثير أكثر ممّا حصل حتى الآن.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى