رأي

لبنان: العهد الغارق في عزلته يفشل في مسرحية الحوار ويواصل سياسة الإنكار مع الحزب الحاكم

كتب سعد الياس في صحيفة “القدس العربي”: “لا يزال الأفق مسدوداً أمام المخارج للأزمة السياسية في لبنان الأمر الذي يعمّق من حجم التردي الاقتصادي والمالي والمعيشي في البلاد. وإذا كان الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون أصيب بنكسة استدعت تجميده، إلا أن هذا الحوار الرئاسي لم يكن ليأتي بأي نتيجة بإستثناء التقاط صورة شكلية للمتحاورين، لأن المعالجة الفعلية هي في انعقاد جلسات مجلس الوزراء للبت بعدد من الملفات الحيوية قبيل وصول بعثة صندوق النقد الدولي لاستكمال التفاوض حول خطة التعافي وتحديد الخسائر المالية وكيفية توزيعها.

وقد فوجئ البعض ببيان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية الذي حمّل من سمّاهم «المعطّلين» مسؤولية «ما يترتب على استمرار التعطيل الشامل للسلطات ومسؤولية خسارة الناس أموالهم وخسارة الدولة مواردها» ودعوتهم «إلى وقف المكابرة والموافقة على إجراء حوار صريح لنقرر مستقبلنا بأيدينا» فيما لم يُشر بالإسم إلى حليفه حزب الله المسؤول الأول عن تعطيل مجلس الوزراء. ورأى هؤلاء في البيان «استخفافاً بالعقول وقفزاً فوق الأسباب الحقيقية لمعاناة المواطنين بدلاً من مطالبة حلفائه قبل غيرهم بتغليب الحس الوطني ورفع الفيتو عن انعقاد جلسات مجلس الوزراء». وسألوا «ماذا بقي من العهد القوي ولماذا لا يرينا بعضاً من هذه القوة ويخاطب حليفه بضرورة العودة إلى الجلسات؟! وكيف يتهم سيّد القصر الآخرين بالتعطيل والمكابرة وهو الأب الروحي للتعطيل الذي عطّل البلد والحكومات 9 سنوات من أصل 16 سنة من إدارته للبلد؟!».
واستغرب هذا البعض النبرة الحادة التي صيغ بها بيان الرئاسة والمستوحى من كلام رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ورأى فيها أولاً لهجة «تأديبية» شبيهة بقول أمين عام حزب الله للقوات اللبنانية بعد أحداث الطيونة «تأدبوا» وثانياً هروباً إلى الأمام من سيّد العهد وتهرّباً من مساءلة عهده عن الارتكابات والهدر والفساد الذي طبع السنوات الخمس من الولاية الرئاسية وما قبلها عندما كان التيار البرتقالي يستلم أهم الوزارات ولاسيما وزارة الطاقة التي تمّ فيها هدر نحو 40 مليار دولار على استجرار الكهرباء بلا جدوى، فيما شعارات التغيير والإصلاح ذهبت سدى وأوصلت الناس إلى قعر الهاوية وأفقدتهم كرامتهم في طوابير الذل أمام محطات المحروقات والصيدليات وأمام أبواب المستشفيات، فيما حليف العهد يتباهى بالدفاع عن الكرامة الوطنية ورفض الخضوع للاملاءات والشروط المتأتية من الدول الخليجية. في وقت لم تعد البيئة الشيعية بمنأى عن الوجع والمعاناة رغم وعود الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بأنه لن يدع اللبنانيين يجوعون وسيحتفظ بسلاحه، وهذا ما برز أخيراً بالتململ في أوساط جنوبية على ما تبثّه قناة «المنار» من برامج تثقيفية دينية حول حلاقة الذقن وإن كانت حلالاً أم حراماً. ولفت أن أحد المواطنين الشيعة من عيتا الشعب اتصل بالتلفزيون واحتج على بث برامج كهذه فيما الناس تجوع والدولار وصل إلى 33 ألف ليرة، وقال»الأحرى السؤال إذا كان انقطاع الكهرباء حلالاً أم حراماً؟ وإذا كان فقدان الطعام والدواء حلالاً أم حراماً؟ وإذا كان من سرق أموالنا في البنوك حلالاً أم حراماً؟ وإذا كان سعر صفيحة البنزين بـ 400 ألف حلالاً أم حراماً؟».
وهكذا لم تعد تنفع سياسة الانكار لا لدى حزب الله ولا لدى العهد، حيث باتت الدولة اللبنانية مهدّدة بالتحوّل إلى دولة فاشلة في خضم التباهي بخوض الحروب والمعارك دفاعاً عن السيادة، وحيث بات المواطنون مسحوقين بسبب أداء الأكثرية الحاكمة والعواصف السياسية التي تتسبّب بها جرّاء الامعان بتوتير العلاقة مع الدول الخليجية وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، وتحدّي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأمر الذي يفتح البلد على كل الاحتمالات، ويرفع المتاريس السياسية ويعزّز الانقسامات بين اللبنانيين. وفي هذا الإطار، يسأل خصوم العهد ألم يكن يتوقع الرئيس عون مقاطعة دعوته إلى الحوار قبل 10 أشهر على انتهاء ولايته؟ وألم يكن يتوقّع أن يقرأ فيها البعض محاولة لتعويمه هو وصهره واستدراجاً للمكوّنات السياسية من موالين ومعارضين لإشراكهم في مسؤولية ما آلت إليه سياسات القصر وحليفه من انهيار؟! وألم يكن يتوقّع السؤال عن سبب تغييب الاستراتيجية الدفاعية كل هذه السنوات فيما موقف حليفه حزب الله معروف سلفاً من هذه الاستراتيجية التي حوّلها إلى ذكرى بعد حرب تموز وإلى إستراتيجية للدفاع عن إيران وعن النظام السوري وعن الحوثيين في اليمن بعدما أطاح بإعلان بعبدا الذي ينصّ على الحياد والنأي بالنفس، ونعاه النائب محمد رعد معتبراً أنه «ولد ميتاً ولم يبق منه إلا الحبر»؟!.
وعلى هذا الأساس، سيغرق العهد وحليفه الحزب الحاكم في عزلة أكبر في الداخل والخارج، وسيتسّع الشرخ حتى في صفوف المنظومة الحاكمة مع مقاطعة رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية حوار بعبدا، ومع النظر إلى «خميس الغضب» الذي نفّذه الاتحاد العمالي العام واتحادات النقل البري على أنه رسالة ضمنية من رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رئيس الجمهورية، ولم يكن بالتالي تعبيراً حقيقياً عن غضب الناس، ولذلك غابت المشاركة الشعبية وظهر التحرك خجولاً.
ولعلّ رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط وضع النقاط على الحروف بعيداً عن المسرحيات غير الموفقة للحوار وللاحتجاجات، حيث دعا إلى «الإفراج عن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي» وتوجّه إلى المعنيين بالقول «دعوا الحكومة تجتمع بعيداً عن الحسابات الفئوية الضيّقة، ودعوا القضاء يعمل من اجل ان تنبت عشبة الأمل من وسط ركام الانفجار». وفي ما يشبه تحميل العهد مسؤولية الانهيار وعدم الخروج من النفق ختم جنبلاط «اليونان مرّ بظرف أصعب لكن إدارة تسيبراس أخرجته من الحضيض».

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى