لبنان أمام سيناريوَين: فورة 1975 وانفجارها أو أزمة 2008 وازدهارها؟
كتب الان سركيس في “النهار”:
يبدو لبنان أمام أيام مصيرية في ما خصّ ترسيم الحدود البحرية والإنطلاق نحو الحلّ الذي يضمن للبلد الإنطلاق في عملية التنقيب عن النفط والغاز في بحره.
ليس المهمّ التنقيب عن الثروة النفطية البحرية بقدر أهمية إنطلاق الحلّ للأزمة اللبنانية، فصحيح أن هذه الثروة مهمة بعد مسلسل الإنهيار الذي يضرب البلاد، لكن العبرة تبقى في تنفيذ خطّة إصلاحية تترافق مع تأمين إستقرار سياسي لأمد متوسّط أو طويل.
بعد نيل لبنان استقلاله العام 1943، عرف بلد الأرز نهوضاً مالياً وإقتصادياً وعمرانياً لم يكن له مثيل، وفي تلك الأثناء لم يكن لبنان بلداً نفطياً، بل كان العقل الناشط الذي يدير ثروات العالم العربي النفطية ويساهم في تطوير البلدان العربية، ويشكّل متنفّساً للأحرار في هذا الشرق ونقطة استقطاب للسياح العرب والأجانب، حتى لُقّب بـ»سويسرا الشرق».
هذه النهضة وصلت إلى الذروة في صيف 1974 وشتاء 1975، حينها كان النمو والإزدهار في أوجه، وتدفقت الأموال العربية إلى لبنان، إضافةً إلى أموال «منظمة التحرير الفلسطينية».
ويقول خبراء الإقتصاد في تلك المرحلة إن لبنان عرف إزدهاراً لم تعرفه بلدان أوروبية برمّتها، لكن كل هذا التطوّر تبخّر في 13 نيسان 1975 عندما حلّت الحرب وحاول الفلسطيني إقامة الوطن البديل على أراضي لبنان رافعاً شعار «طريق القدس تمرّ في جونية»، فعاشت البلاد «حرب الآخرين على أرضها» والتي انتهت بتدمير كل القطاعات وانهيار العملة الوطنية وتكريس الإحتلال السوري وسيطرة منطق الفساد والمحاصصة.
إذاً، في العام 1975 وصل لبنان إلى قمّة الإزدهار فأتته الحرب، وتراجع دوره بينما نمت إقتصادات المنطقة العربية وعلى رأسها دول الخليج التي حلم حكّامها بأن يُحوّلوا عواصمهم مثل بيروت.
وهناك صورة مغايرة حصلت بين العامَين 2005 و2008. ففي 14 شباط 2005 تعرّض لبنان لزلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وترافق هذا الأمر مع سلسلة إغتيالات لقادة 14 آذار، ثمّ فجّر «حزب الله» حرب «تموز» مع إسرائيل التي دمّرت البلاد، وبعدها عطّل «الحزب» وحلفاؤه البلد وقاطعوا حكومة الرئيس فؤاد السنيورة واعتصموا في وسط بيروت، ودارت معركة «نهر البارد» في ربيع 2007 بين الجيش ومنظمة «فتح الإسلام» الإرهابية، ومن ثمّ نفّذ «حزب الله» متفاخراً «غزوة» 7 أيار مجتاحاً بيروت… و»مكسوراً» في الجبل.
بين 2005 و2008، كان لبنان يعيش أسوأ مرحلة في تاريخه السياسي ودخل النفق المظلم، بينما كان العالم العربي، والخليج تحديداً، يعيش إزدهاراً لا مثيل له، ناتجاً عن إرتفاع سعر برميل البترول وفورة عقارية لا مثيل لها، وبعد 7 أيار 2008 تمّ صوغ «إتفاق الدوحة» وانتُخب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، لكن إنهياراً مالياً عالمياً حصل في تلك الفترة وضُربت أهم البورصات، وانهار سعر برميل البترول، وواجهت أميركا مشكلة مالية لا مثيل لها، وعانى العالم أزمة مالية لا ترحم، فكانت المفاجأة أن العالم ينهار ولبنان يزدهر.
ومن عايش تلك الفترة، يعلم أن لبنان عرف في عهد الرئيس سليمان 3 أعوام من السياحة لا مثيل لها، وتدفّقت الأموال العربية إلى مصارف لبنان خوفاً مما قد يحصل ووصل النمو في العام 2011 إلى حدود 8 في المئة قبل أن ينقلب «حزب الله» على حكومة الرئيس سعد الحريري وتدخل البلاد في نفق مظلم لا يزال مستمرّاً حتى اليوم.
لا شكّ أن ما ينطبق على لبنان لا ينطبق على دول العالم، فهذا البلد أشبه بـ»أعجوبة»، ففي حين تحذّر جهات دولية من حصول مجاعة عالمية، وبعد فرض الحظر على النفط والغاز الروسيَّين، ويعيش العالم إضطراباً غذائياً ووبائياً وأمنياً لا مثيل له، تدلّ كل الأرقام على أنّ لبنان سيعيش صيفاً سياحياً لا مثيل له قد يكون من الأهم منذ العام 1990.
إذاً، يقف لبنان في هذه الحالة أمام سيناريوين لا ثالث لهما: فإما أن يعيش صيفاً مزدهراً مثل عام 1974 ثمّ تنفجر الأزمة مثلما حدث في 13 نيسان 1975، أو يتكرّر سيناريو 2008 حيث عاش العالم في أزمة ولبنان إستفاد منها، وبالتالي فإن كل شيء متوقّف على نجاح مهمة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين وما ينتج عن هذا الأمر من حلّ سياسي لاحق يؤمّن إنتخاب رئيس جمهورية جديد يعلن بداية مرحلة الحلّ لأن ثروة لبنان من نفط وغاز ليست بتدفقهما في الأنابيب، بل إن ما يعطي مفعولاً أكبر هو الحلّ السياسي في بلد حيّر علماء السياسة والإقتصاد، وقلائل من يفهمون تركيبته.