رأي

لبنان أمام سيناريوين إسرائيليين حربي و”سلمي”!

كتب سركيس نعوم في “النهار”: ” لا يزال سابقاً للأوان الحديث عن “تركيبة” الدولة الجديدة بكل تفاصيلها في ظل “المثالثة” الطائفية والمذهبية التي يرجّح مطلعون كثيرون أن تكون “الصيغة” الجديدة ل#لبنان، إذ أن ذلك ينتظر ظهور ملامح واضحة لاتجاه الأوضاع في المنطقة الى شيء من الاستقرار ولا سيما في سوريا الجارة للبنان والشقيقة، كما ينتظر التفاهم الأميركي – ال#إيراني إذا تمّ التوصل إليه في فيينا ومعه تفاهم أميركي – روسي وإن غير شامل القضايا الخلافية كلها يسهّل تسوية المشكلات المعقّدة في المنطقة وتحديداً التي تتصل بالصراع العربي – الإسرائيلي أو بالأحرى الإيراني – الإسرائيلي وبالدور العلني والمباشر والمهم فيه لـ”#حزب الله” اللبناني. طبعاً لا بد أن تكون لدى واشنطن وموسكو وطهران واستطراداً إسرائيل أفكار شبه نهائية لتسهيل تبريد الصراع بين هذه العواصم بإزالة “الصواعق” الجاهزة دوماً للإشتعال وتهديد المنطقة بتفجير يدمّر الإنجازات المرتقبة من المفاوضات الجارية بين جميع الأطراف مباشرة ومداورة. من هذه الأفكار، استناداً الى جهات معنية بالصراعات الدائرة بين أكثر من عاصمة إقليمية، ما يتعلّق بلبنان وأبرزها على الإطلاق بل أهمها وأكثرها خطراً هو تنامي القوة العسكرية لـ”حزب الله” في لبنان بحيث صار يهدّد فعلياً ليس بالقضاء على إسرائيل بل بتكبيدها أضراراً بالغة جداً في حال شنّت عليه حرباً في لبنان أو في حال بادر هو الى استفزازها وجرّها الى الحرب. فترسانته الصاروخية الدقيقة وغير الدقيقة تبلغ بحسب مصادر إسرائيلية وأميركية ودولية متنوّعة نحو 150 ألف صاروخ، واستعمالها في الحرب المُشار إليها لا بد أن يحدث أضراراً جسيمة جداً بشرية وعسكرية وعمرانية وفي البنى التحتية داخل إسرائيل، لكنه سيبقى عاجزاً عن تشكيل خطر وجودي عليها رغم إثارته قلقاً كبيراً على مستقبل الدولة والشعب ودوام الاستقرار فيها له.

ما هو مضمون الأفكار المشار إليها أعلاه؟ هو الانطلاق من التطورات الإقليمية – الدولية الإيجابية لتهدئة الوضع بين لبنان وإسرائيل من دون إقامة أي صلح بينهما أو أي تطبيع لإزالة الخطر الوجودي الإيراني عبر “حزب الله” وصواريخه عليها. وإذا كان المطروح لمعالجة مشكلة مماثلة في سوريا هو انسحاب إيران وميليشياتها الشيعية المتنوّعة الجنسية منها، فإن المطروح أو الذي سيُطرح لمعالجة مشكلتها اللبنانية هو تخلّي “الحزب” عن ترسانته الصاروخية وسلاحه الثقيل المتنوّع وتقديمه لجيش بلاده ولكن طبعاً بعد تفاهم شعوبها على صيغة جديدة تُرضي الشيعة و”ثنائيتهم” هي “المثالثة” على الأرجح وعلى توزيع جديد للهوية الطائفية والمذهبية لقادة المؤسسات المتنوّعة في البلاد وفي مقدمها العسكرية والمالية والنقدية بحيث يشعر الشيعة أنهم جزء مهم من عصب النظام الجديد بل أنهم عصبه الأول. هذا أمرٌ يطمئنهم الى مستقبل قوي ودائم في لبنان جديد قيامته غير ممكنة من دونهم، علماً أن الدوام هو لله عزّ وجلّ. طبعاً لا بد أن يرافق ذلك تسوية “الخلاف” بين لبنان وإسرائيل على الحدود البحرية في الجنوب وربما تفاهم على ترسيم نهائي للحدود البرية بينهما. أما مشكلة مزارع شبعا فستبقى معلّقة الى حين بدء البحث الجدّي الإسرائيلي – السوري برعاية دولية وتحديداً روسية – أميركية في تسوية ما للجولان المحتل من إسرائيل منذ عام 1967.

هذه المعلومات أو المعطيات متفائلة الى حد ما وكذلك السيناريو المرسوم لها رغم أنها جدّية وغير مفبركة. لكن تطورات مفاجئة وفشل مفاوضات فيينا في إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وتصاعد التوتر بينها وبين أميركا مباشرة وبالواسطة، وبين لبنان وإسرائيل وسوريا وإسرائيل وداخل العراق بين شعوبه وبينه وبين إيران وبين إيران والسعودية واستمرار حرب السعودية وإيران في اليمن، لكن ذلك كله سيعرّض المنطقة لتطورات عسكرية بالغة السلبية. المقلق بل المخيف أن المجتمعين الإقليمي والدولي مجمعان الى حد بعيد على أن لبنان سيكون ساحة التوتر الأولى وربما الوحيدة، إذ من شأن ذلك ربما خلط الأوراق داخله وفي المنطقة وإعادة كل الأطراف الى طاولة التفاوض المباشر وغير المباشر. التوتر هنا يعني حرباً إسرائيلية مؤذية جداً ليس لـ”حزب الله” فقط وإنما للبنان أيضاً بكل طوائفه ومذاهبه ومناطقهم. والتفاصيل المرجّحة لحرب كهذه هي اقتصارها على القصف التدميري بالصواريخ الباليستية وصواريخ الطائرات والبوارج الحربية ومدافع الميدان لمناطق “الحزب” وشعبه وللأهداف العسكرية فيها، وتلافي حرب برية أو غزو بري لأنها لا تحتمل كلفتهما البشرية الكبيرة. علماً أن كلفة حربها غير البرية ستكون مرتفعة أيضاً داخلها في البشر والحجر. لكنها تستطيع إحتمال ذلك إذا كانت النتائج النهائية للحرب في مصلحتها وفي مصلحة نوع من تسوية سلمية بينها وبين أعدائها في المنطقة. إلا أن المرجّح جداً أيضاً استناداً الى المعطيات والمعلومات نفسها هو أن تشمل الحرب التدميرية البنى التحتية المدنية وغير المدنية في مناطق شعوب لبنانية أخرى ولا سيما السنّة والمسيحيين. الهدف من ذلك تعميق الخلاف السنّي – الشيعي ليس في لبنان فقط بل في المنطقة كلها بل في العالم الإسلامي الأوسع. ذلك أن الخطر الأكبر على إسرائيل في رأيها وربما في رأي جهات أميركية عدّة يشكله السنّة نظراً الى عددهم الكبير و”جذرية” تفكيرهم رغم تساهل عدد لا بأس به من حكّامهم. وانفتاح سنّة عرب على إسرائيل بسلام مصر والأردن معها في الربع الأخير من القرن الماضي وبدء استكماله قبل سنوات قليلة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب لا يعني أبداً أن عموم السنّة في العالم صالحوها وقبلوها أو سيفعلون ذلك. لهذا السبب فإن المصلحة “القومية” لإسرائيل ستكون استمرار العداء بين سنّة العالم وشيعته كما القتال حيث هو ممكن أو حتمي.”

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى