لبنانيون يستعينون بالمغتربين ويبيعون مقتنياتهم لتوفير كلفة الطاقة الشمسية
أف ب: في تولا في شمال لبنان، عملت مجموعة من المتطوعين على جمع مبلغ مئة ألف دولار من مغتربين، لإقامة مشروع إنتاج كهربائي عبر الألواح الشمسية، لتأمين تغذية بالتيار للبلدة، في ظل أزمة كهرباء خانقة في كل لبنان متواصلة منذ سنتين.
وحسب، المهندس إيلي جريج، وهو أحد المتطوعين في المشروع، «في الظرف الحالي، لم تعد الطاقة الشمسية مجرد بديل، بل باتت ضرورة». وخلال الشتاء الماضي، كان أهالي تولا يحظون بثلاث ساعات فقط يومياً من الكهرباء عبر المولدات الخاصة، وأحياناً يحالفهم الحظ، بساعة أو ساعتين إضافيتين، من مؤسسة كهرباء لبنان. وعليه، قرّروا التحرّك لتأمين الطاقة، مدركين أن الدولة اللبنانية ومؤسساتها المفلسة والعاجزة، لن تحرك ساكنا.
185 لوحاً
فتواصلوا مع أقاربهم المغتربين الذين وفّروا تمويلاً تجاوز مئة ألف دولار، ما سمح بنصب 185 لوحاً مع الأجهزة اللازمة لتوليد الكهرباء في أرض تابعة لكنيسة. وبالتنسيق مع البلدية، تمّ وصل الألواح بالشبكة الكهربائية التابعة لمولّد خاص لتوزيع الطاقة على منازل القرية التي باتت تنعم حالياً بالتيار لمدة 17 ساعة يومياً.
ووفق جريج «لو لم نركّب ألواح الطاقة الشمسية، لما نعمت القرية بالكهرباء بالأساس».
أزمة كهرباء خانقة … وأسطح الأبنية السكنية والشرفات تكتظ بالألواح والبطاريات
ويعدّ قطاع الكهرباء من القطاعات المتداعية في لبنان منذ عقود اعتاد خلالها اللبنانيون على دفع فاتورتين مقابل الحصول على التيار الكهربائي، واحدة للدولة، وأخرى لأصحاب المولدات، التي تعوض نقص إمدادات الدولة. لكن الانهيار الاقتصادي، الذي بدأ منذ سنتين فاقم المشكلة بشكل مهول، ولم تعد مؤسسة كهرباء لبنان الرسمية قادرة على تأمين الكهرباء إلا لساعتين في اليوم كحد أقصى، فيما السلطات عاجزة عن استيراد الفيول الكافي لتشغيل معامل الإنتاج. ومع ارتفاع أسعار المحروقات جراء رفع الدعم الحكومي تدريجياً عنها منذ العام الماضي، لم يعد بوسع اللبنانيين دفع فواتير المولدات التي لجأ أصحابها بدورهم الى التقنين.
الخيار الوحيد
وخلال أشهر، اجتاحت ألواح الطاقة الشمسية مناطق عدة، ولم يكن الدافع الرغبة بالتوجه إلى بديل صديق للبيئة أو التخفيف من الانبعاثات، بل بات الخيار الوحيد المتاح للمنازل والشركات والمؤسسات التجارية. وفي بعض شوارع بيروت، قامت منظمة غير حكومية بمبادرة نصبت بموجبها ألواح شمسية لتوليد كهرباء تضيء إشارات السير التي باتت معطلة تماما على معظم الأراضي اللبنانية. ويروي جريج كيف اتصل به أحد سكان القرية ليعبّر عن فرحه برؤية الثلج للمرة الأولى منذ مدة في ثلاجة منزله. فيما تقول جاكلين يونس، مالكة محل بقالة متواضع في تولا، «تذمّر الأطفال لعامين مطالبين بالمثلجات، وقد حان الوقت أخيراً». وتضيف: «ستكون لدينا مثلّجات للمرة الأولى منذ عامين».
1,4 مليون دولار
وفي مدينة جبيل الواقعة على بعد أكثر من ثلاثين كيلومترا شمال بيروت، تغطّي ألواح الطاقة الشمسية، موقف السيارات التابع لسوبرماركت «سبينس» الضخم. ويقول رئيس مجلس إدارة الشركة المالكة، حسان عزالدين «أعتقد أننا سنوفر نصف كلفة المحروقات عبر تركيب ألواح الطاقة الشمسية».
وكانت الشركة تنفق بين 800 ألف دولار و1,4 مليون دولار شهرياً لشراء المحروقات من أجل تشغيل مولدات متاجرها المنتشرة في لبنان على مدار الساعة.
ويضيف عز الدين «تكلفة المحروقات اليوم هائلة. إنها كارثة ببساطة». وقبل سنوات، أجرت الشركة دراسة للتحوّل إلى الطاقة الشمسية، إلا أنّها أجلت تنفيذ المشروع مراراً. لكن في ظل الوضع الحالي، «بات أمرا نحتاج إلى أن ننفذه وبسرعة»، وفق عز الدين.
وبينما توفّر ألواح الطاقة الشمسية التغذية خلال ساعات النهار، لا تزال سلسلة المتاجر تعتمد على المولدات ليلاً. ويقول عز الدين «الحل المستدام الوحيد هو كهرباء الدولة، وكل ما عدا ذلك مجرد محاولات للتعويض عن غيابها».
كلفة مادية مرتفعة
ودفع الارتفاع الحاد في فواتير المولدات الخاصة، عددا هائلا من اللبنانيين إلى اعتماد الطاقة الشمسية. وأصبحت أسطح الأبنية السكنية والشرفات مكتظة بالألواح والبطاريات. وخلال الصيف الماضي، كانت زينة صايغ أول من لجأ إلى ألواح الطاقة الشمسية في المبنى الذي تقطنه في بيروت، ثم أقدم أصحاب تسع شقق أخرى على الخطوة ذاتها خلال العام الحالي.
وتقول زينة التي كلّفها المشروع قرابة ستة آلاف دولار وباتت تعتمد حصراً على الطاقة الشمسية، «صرت أنا المتحكمة بالكهرباء، وليس العكس».
لكن اعتماد الطاقة الشمسية ليس بالأمر السهل، خصوصاً من ناحية كلفته في بلد فقدت عملته أكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار، وبات نحو ثمانين في المئة من سكانه تحت خط الفقر. ففي قرية في جنوب لبنان، يروي مسؤول محلي، من دون الكشف عن هويته، أن عدداً من السكان غير الميسورين باعوا مقتنياتهم من سيارات أو مجوهرات وحتى أراض للتحول الى الطاقة الشمسية، بعدما استنزفهم التقنين القاسي وفواتير المولدات في ظل مداخيل محدودة.
قبل الأزمة الاقتصادية، كانت بضع شركات فقط تقدم خدمات الطاقة الشمسية، ويجهد مندوبوها لإقناع الأفراد والشركات بجدوى اعتماد هذا الخيار. لكن السوق انتعش العام الماضي وسارع كثر للاستثمار فيه. ويقول أنطوان سكيم من شركة «فري إينرجي» إن السوق ازدهر لدرجة أنّ «أي أحد بات قادراً» على الدخول إليه، ما أدى إلى وقوع حوادث عدّة بينها احتراق البطاريات أو «تطاير الألواح» من على الأسطح.
ويحذّر خبراء من خطر تركيب الألواح الشمسية من دون تدابير السلامة اللازمة، فيما لا توجد أي رقابة من الدولة على الموضوع. وتعتمد بلديات عدة على المغتربين أو المتمولين من أبنائها أو منظمات غير حكومية لوضع أنظمة الطاقة الشمسية، حتى أن أحزاباً سياسية تطرح خدماتها في هذا المجال، في بلد يقوم نظامه على المحاصصة السياسية وتنتعش فيه شبكات الزبائنية.