رأي

لا لتأخير التسوية الرئاسيّة

كتب رامي الريّس في صحيفة نداء الوطن.

لا مفر من التوافق السياسي للخروج من المأزق الراهن في لبنان، وكل كلام غير ذلك لا يعدو كونه يصب في خانة تسجيل المواقف ليس إلا، في حين أنّ المطلوب الإسراع في الخروج من دوامة المراوحة لا سيما على ضوء التصعيد الخطير الذي يشهده الجنوب والمنعطفات الخطيرة التي تمر بها المنطقة بأكملها بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على بدء الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزة.

ثمة من يقول إنّ التوافق مناقض للدستور الذي نصّ بوضوح على آليات انتخاب الرئيس والمهل المحددة لذلك، وطريقة الإقتراع والنصاب القانوني وما إلى ذلك. وهذا صحيح إلى حد بعيد. ولكن الصحيح أيضاً أنه قلّما انتخب رئيس للجمهورية اللبنانيّة من دون توافق معيّن لا بل تسوية كبرى بأذرع محليّة وخارجيّة، والتاريخ المعاصر شاهد على ذلك منذ العام 1943 وصولاً إلى ولاية الرئيس ميشال عون.

التجربة اليتيمة الوحيدة التي لربما كانت معاكسة لهذا المسار حصلت عام 1970 عندما فاز الرئيس سليمان فرنجية على منافسه إلياس سركيس بفارق صوت واحد، وكانت تجربة استثنائية في ظروفها ومسارها ونتائجها. بطبيعة الحال، ليس المطلوب إنكار أهميّة هذا التجربة أو الابتعاد عن البحث في سبل تعزيزها، ولكن الظروف «جرفتها» وأعادت عقارب الساعة إلى الوراء.

طالما أنّ تركيبة المجلس النيابي الحالي لا تتيح لأي فريق «الاستئثار» بانتخاب الرئيس، وطالما أنّ انتظار انتهاء ولاية المجلس للتعويل على توازنات جديدة (غالباً لن تتغيّر) هو ضرب من الجنون السياسي، وطالما أنّ إبقاء البلاد من دون رئيس للجمهوريّة هو أمر مشين ويكشف البلاد أمام المزيد من المخاطر السياسيّة والأمنيّة؛ فلا بد من مقاربات جديدة للتوصل إلى تسوية معيّنة.

إنّ وصول رئيس جديد إلى قصر بعبدا في ظل توافق وطني عريض هو أمر محمود وليس مذموماً، قياساً إلى طبيعة التركيبة اللبنانيّة وتعقيداتها، وهو يتيح له أن يحكم بسلاسة أكبر لأن أي «رئيس تحدٍّ» سوف «يُهدر» عهده من دون تحقيق الحد الأدنى من النتائج السياسيّة والاقتصاديّة المطلوبة.

من الضروري أن تفضي الحركة السياسيّة الداخليّة إلى تحقيق تقدّم ما، وإلا ستبقى البلاد تدور في حلقة مفرغة وستبقى المخاطر الأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في حالة من التصاعد، وسوف تبقى كذلك الملفات الضاغطة من دون حلول مثل قضية النزوح السوري على سبيل المثال التي لا يمكن أن تُعالج بخطوات موضعيّة محدودة وخجولة رغم أن الموقف الجماعي اللبناني الذي عُرض في مؤتمر بروكسل بناء لتوصية المجلس النيابي لا بد أن يُشكل نقطة إنطلاق هامة في هذا المجال، ولكن الحلول المرتجاة لا يمكن تحقيقها من دون وجود مؤسسات دستورية نشطة وفاعلة وعلى رأسها الرئاسة الأولى.

ليست اللعبة لعبة عض أصابع أو من «تحترق أصابعه» قبل الآخر، ذلك أن البلاد برمتها قد تصبح قيد الاشتعال وهي تعيش توترات يوميّة متنقلة بفعل التفلت المتزايد نتيجة تقهقر صورة الدولة وهيبتها في الكثير من المجالات رغم الجهود الجبّارة التي تبذلها القوى العسكريّة والأمنيّة قياساً إلى الظروف المعيشية الصعبة لأفرادها نتيجة الانهيار الذي حصل في البلاد منذ سنوات قليلة.

المهم حقاً أن تخرج البلاد من هذه الدوامة وأن تذهب في اتجاه مسارات جديدة تبقي القليل من الأمل للأجيال الشابة الصاعدة التي تتوه، فور تخرجها من المدرسة أو الجامعة في أقاصي الأرض كلها، في الوقت الذي يمكن للبنان أن يوفر فرص عمل هامة لها في الكثير من المجالات.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى