رأي

لا شيء مستحيلاً عند ترامب | أميركا – الهند: الأمور ليست على ما يرام

كتب خضر خروبي, في الأخبار:

أشعل ترامب توتراً مع نيودلهي برفع الرسوم الجمركية، فاتحاً الطريق أمام تقارب هندي مع الصين وروسيا يعيد رسم موازين القوى في النظام الدولي.

مرّة جديدة، أطلّت «الحرب التجارية» كمنغّص لعلاقات واشنطن مع نيودلهي، مع إعلان دونالد ترامب، أواخر آب الماضي، رفع التعرفة الجمركية على السلع الهندية إلى 50%، على خلفية رفض الأخيرة وقف شراء الغاز الروسي. وأتى ذلك على وقع ما تشيعه وسائل إعلام أميركية من توتّر العلاقات السياسية والشخصية بين ترامب ورئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لأسباب كثيرة، أبرزها نفي الثاني ما دأب الأول على تكراره حول دور بلاده في وقف الحرب الأخيرة بين الهند وباكستان.

إحياء الحلف الصيني – الهندي – الروسي؟
تمثّل البعد الأكثر وضوحاً في تداعيات ما وُصف بـ«النهج الترامبي المتهوّر» في التعاطي مع نيودلهي، في حضور الزعيم الهندي قمّة «منظمة شنغهاي للتعاون» الأخيرة، التي عقدت في مدينة تيانجين الصينية، ولقائه الرئيس الصيني شي جين بينغ، وذلك بعد عدّة مشاحنات سياسية وعسكرية بين البلدين، كان أخطرها جولة الاشتباكات الحدودية عام 2020.

ولعلّ ممّا استرعى الانتباه، وحمل رسائل حول عودة الحرارة إلى العلاقات الهندية – الصينية، تأكيد شي لمودي أنّه «حان الوقت ليرقص التنّين والفيل معاً»، وتشديده على أنه «علينا الوفاء بالتزاماتنا التاريخية بدعم عالم متعدّد الأقطاب»، في حين أعرب مودي عن رغبة الهند في تحسين علاقاتها مع الجار الصيني.

من جهتهم، ينظر مراقبون غربيون إلى لقاء الزعيمَين على أنه «إعادة تأكيد التزام بلدَيهما الراسخ بالاستقلالية الإستراتيجية في سياساتهما الخارجية، وذلك في ضوء تبنّيهما رؤى متقاربة على الصعيد الدُّولي، على غرار سعي كلّ منهما إلى قيادة أو تمثيل الجنوب العالمي، والحصول على نظام عالمي متعدّد الأقطاب، وأكثر عدلاً في توزيع السلطة».

أمّا عن آفاق علاقات الهند مع بلدان «محور الشرق»، فينبّه محلّلون إلى الانعكاسات المحتملة للقاء مودي مع الرئيسَين الصيني والروسي، في أثناء «قمّة تيانجين»، ولا سيّما لناحية إمكانية إحياء ما كان يُعرف بـ«الحلف الروسي – الهندي – الصيني» في أثناء مدّة التسعينيات، وفق ما جاء في مجلة «فورين بوليسي».

وأضافت المجلة، في تقرير أعدَّه كل من كبير الباحثين في شؤون جنوب آسيا في معهد «تشاتام هاوس» شيتيجي باجبايي، وكبير الباحثين في الشؤون الصينية في المعهد يو جي، أنّ قيام مثل هذا التحالف سيحمل دلالات على «استعداد أكبر لدى بكين ونيودلهي (إلى جانب موسكو) لتعزيز صوتهم، وحضورهم، مع العمل على تنسيق مواقفهما حول مختلف القضايا الدُّولية، وإن من موقع قوّة هذه المرّة، مقارنة (بحضورهم الضعيف) إبّان التسعينيات».

ومن وجهة نظر الكاتبين، فإن نذر تبلور هذا التنسيق «تتجلّى بوضوح عبر قيام الدول الثلاث، وعلى نحو متزايد، بتسوية معاملاتها التجارية الثنائية بالعملات المحلّية، والدفع لتطوير أنظمة دفع بديلة تهدف إلى تجاوز البنية التحتية المالية الخاضعة لسيطرة الغرب، وذلك انطلاقاً من المزايا (الاقتصادية) الخاصة بكل دولة منها، سواء من حيث براعة القطاع الصناعي في الصين، وقوّة قطاع الخدمات في الهند، أو ما تزخر به روسيا على مستوى الموارد الطبيعية». وخلص الباحثان إلى أنّ ترسيخ مثل هذا الحلف بين البلدان الثلاثة سيفضي إلى «تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، وتنويع أسواق صادراتها، بما يتيح إعادة تشكيل تدفّقات التجارة العالمية».

سياق انحداري للحلف الهندي – الأميركي: ماذا بعد؟
داخل واشنطن، تتنامى الهواجس من التداعيات السلبية لتدهور العلاقات مع نيودلهي، التي لطالما وازنت نسبيّاً بين علاقاتها مع الصين والولايات المتحدة، في ظلّ ما يصفه محلّلون أميركيون بـ«حال الإجماع» على أهمية هذه العلاقة في أروقة صنع القرار الإستراتيجي في بلادهم. ويرجع ذلك إلى تحوّل السوق الهندية إلى إحدى أهمّ الأسواق التي تنشط فيها معظم شركات التكنولوجيا الأميركية، مثل «غوغل» و«مايكروسوفت» وغيرها من الشركات الرائدة في مجال نماذج الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوّر التعاون التقني والاستثماري بين القوّة الفضائية التابعة للجيش الأميركي، وعدد من الشركات الهندية الناشئة في مجال الفضاء، إلى جانب شروع الهند، خلال الأعوام الأخيرة، في شراء معدّات عسكرية من الولايات المتحدة.

ومع أنّ البعض يستبعد ذهاب نيودلهي نحو قطيعة مع واشنطن، لاعتبارات اقتصادية وأمنية وتكنولوجية لها ما يماثلها عند الجانب الأميركي، يرى آخرون أنّ محاولة أميركا إجبار الهند على قطع علاقاتها التجارية عن روسيا، مآله إلى الفشل، لكونه يبدو أشبه إلى إملاءات على السياسة الخارجية لحليفتها الآسيوية، معتبرين أنّ رسوم ترامب الجمركية تهدّد بـ«تدمير» ما تمّ بناؤه خلال 25 عاماً على مستوى العلاقات الأميركية – الهندية.

وفي حين حذّر المحللّ الأميركي المختصّ في الشأن الهندي، ريتشارد روسو، من أنّ «واشنطن قد تكون (عبر الرسوم الجمركية) بصدد تفويت الفرصة على نفسها لجني العوائد الأوسع نطاقاً» لتحالفها مع نيودلهي، فقد أوضح زميله فريد زكريا، الذي لطالما عُرف بحثّه للقادة الهنود على توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة، أنه «سيكون من الصعب» تقديم نفس النصيحة للمسؤولين في نيودلهي اليوم.

مع ذلك، أشار مدير معهد «Carnegie India»، رودرا شاودهوري إلى تفاؤل، وإنْ ضئيل، بتحسين واقع العلاقات الهندية – الأميركية، إذ لفت إلى أنّ استمرار اللقاءات الرسمية، لا سيّما ذات الطابع التقني والإداري، بين المسؤولين الأميركيين والهنود يعكس «رغبة كافية لدى الجانبين لمواصلة المناقشات في شأن القضايا الجوهرية»، كتلك المتعلّقة بالتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، والاستثمارات الهندية في مجال الأدوية في الولايات المتحدة، مع إتمام واشنطن عملية إعادة تنظيم الفريق (الديبلوماسي والتقني) في وزارة الخارجية المعني بملفّ تطوير العلاقة الإستراتيجية مع الجانب الهندي، وفي ضوء استعداد العاصمة الهندية لاستضافة قمة لمنتدى «QUAD» أواخر العام الجاري، معتبراً أنّ ذلك الشكل من التفاعل التقني والإداري خفّف نسبياً من حدّة الأزمة السياسية بين البلدين.

وفي حين استبعد شاودهوري أن تسهم تلك التفاعلات على مستوى الأطقم الإدارية والفنية في «إعادة الزمن إلى الوراء»، أو «عودة الثقة التي قُطعت بفعل التصريحات (السلبية) المُتتالية (لترامب) حول التعرفات الجمركية، والاقتصاد الهندي»، إلا أنّه أشار إلى وجود «احتمال ضئيل لإنقاذ جسر العلاقات الأميركية – الهندية من الانهيار». بناء على هذه المعطيات، تجد واشنطن نفسها أمام خيارين: إمّا بلورة خيارات أكثر واقعية لِما يمكن أن تقدّمه الهند للولايات المتحدة في منافستها الإستراتيجية مع الصين، أو الإقلاع عن الاعتقاد الراسخ (لدى الإستراتيجيين الأميركيين) بأنّ الهند تمثّل ثقلاً موازناً للصين في ظلّ نظام دَولي متعدّد الأقطاب، قيد النشوء، على وقع تراجع القوّة الأميركية.

نبرة التفاؤل الحذر نفسها، عكسها ممثّل الهند السابق لدى الأمم المتحدة، والعميد الحالي لمدرسة كوتيليا للسياسة العامة، سيد أكبارودين، الذي أقرّ بالنتائج الاقتصادية السلبية للرسوم الجمركية الأميركية على السلع الهندية، موضحاً أنّ ردّ فعل بلاده على المطالب الأميركية في شأن مشترياتها من النفط الروسي، «ليست سلبية»، بدليل تقليصها حجم تلك المشتريات كجزء من تنويع شراكاتها التجارية، مع تشديده في الوقت نفسه أنه «لا يمكن إعادة صياغة أنماط التجارة الخارجية بين ليلة وضحاها».

كما حذّر من أنّ فرض إدارة ترامب رسوماً جمركية على بلاده يُعدّ «إشارة واضحة إلى أنّ أساس الثقة التي بُنيت بشقّ الأنفس مع واشنطن على مدى عقدَين من الزمن، أصبح على المحك»، مضيفاً أنّه «في حال كانت واشنطن تُقدِّر الهند كشريك إستراتيجي، فعليها التراجع عن الإجراءات الأحادية الجانب والعمل على إيجاد مخرج تفاوضي، بما قد يشمل تعليقاً مؤقّتاً للتعرفات الجمركية، والسعي نحو إيجاد آلية تفاوض موثوقة، أو التوصّل إلى حلّ ممنهج للأزمة، يمتدّ على مراحل، من شأنه أن يُحافظ على الحيّز الضروري لمناقشة ومعالجة المخاوف المشروعة» لكلا الطرفين.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى