رأي

لا الحوار ولا الاستراتيجية في التوقيت المتاح

كتبت روزانا بومنصف في “النهار”: هل تغيّرت الظروف الاقليمية بحيث باتت تسمح بمعالجة موضوع الاستراتيجية الدفاعية من دون البعد الخارجي لسلاح “#حزب الله”؟ لا معلومات تؤكد ذلك أو توحي به، فيما مفاوضات فيينا تسوّق لها إيران على قاعدة أنها ستكون انتصاراً مبيناً لها، ما لا يسمح لها بالتنازل خارج إطاره ولا سيّما في نفوذها في دول المنطقة وفيما “الشيعية السياسية” في أوج تفجّرها بحيث يتطلع الحزب الى تعميق انتصاراته لا الى تأطير سلاحه واستقوائه به. فالانتظار ملحّ على هذا الصعيد تأكيداً لما تذهب إليه إيران من أن لا تفاوض على أذرعها وسلاح هذه الاذرع كما على نفوذها في المنطقة، فيما تعزز هذا النفوذ بعد التوصّل الى الاتفاق النووي في 2015.

ونظرة الى ما يجري في اليمن واستعصاء الواقع السياسي في العراق بعد #الانتخابات التشريعية ومأزق تعطيل الحكومة في لبنان، تؤكد هذا المنحى، وإن كان هناك من مؤشر إيجابي فإنه يبدأ بالإفراج عن مساعي وضع حدّ للانهيار قبل البحث في سلاح الحزب الذي بات صعباً استنساخ الصيغ القديمة له أو حتى تسمياتها بعد ما بات عليه لبنان من واقع صعب جداً في علاقاته الإقليمية والدولية نتيجة سلاح الحزب وتدخله في الخارج والذي لا تعالجه استراتيجية دفاعية بين الأفرقاء اللبنانيين إذا اتفقوا على ذلك. فالتوسّع الاقليمي للحزب وتدخله في أزمات المنطقة من ضمن رفد التدخل الإيراني بات يضع سلاحه في سياق التفاوض الإيراني حكماً مع الخارج في الدرجة الأولى.

لا ثقة في الواقع بالأهداف التي أعلنها رئيس الجمهورية لإلقاء كلمته وتالياً الدعوة الى الحوار، لأن مجموع الأمور التي شكا منها لم يتوقف عندها، فيما بروز كل منها من أجل معالجته. ويخشى أنها للاستهلاك الشعبوي ليس إلا، إذ هناك شكوك في أن الانتخابات النيابية وتأمين شبكة أمان لتيّاره كما الانتخابات الرئاسية، تبقى هاجسه الأكبر وليس الإنقاذ المرجوّ. فكيف يمكن تأمين أيّ توافق بين حلفاء وخصوم على أمور جوهرية ومصيرية إن كان حلفاء الفريق الواحد من ضمن قوى ٨ آذار لا يستطيعون التوافق من أجل تأمين انعقاد مجلس الوزراء في ظلّ مأزق كل من التيار العوني ومأزق الثنائي الشيعي على هذا الصعيد؟
ثمّة جملة أمور تمنع “حواراً عاجلاً” دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لعل أبرزها أن هذا الحوار المفترض يعني أنه يدفع في اتجاه تعويم “المنظومة” المسؤولة، بحسب تعبيره المستنسخ عن الاتهامات التي تساق لأهل السلطة، عن الانهيار الاقتصادي والمالي، فتتمكن من إعادة تحسين شروطها وموقعها قبل الانتخابات النيابية المفترضة كذلك في ١٥ أيار المقبل. ولعله لا بأس بذلك ما دام تعويم “المنظومة” يشمل تعويم صهره ورئيس تيّاره قبيل الانتخابات والذي يتقدم على الأرجح على معاركه مع أركان “المنظومة”.

إن الحوار الملحّ والضروري في كل وقت لا يتيح الثقة بأن أهل السلطة أنفسهم سيقرّرون لا فقط الاستراتيجية الدفاعية بل أيضاً النظام في البلد، انطلاقا من التفاهم في ما بينهم راهناً على أن يتم تنفيذه في الرئاسة التي تستكمل رئاسة عون. ثمة تحفظات قوية على ذلك ليس من أهل السلطة على الأرجح بمقدار ما هو من اللبنانيين، علماً بأن القوى السياسية قد تتحفظ على الأرجح على تعويم العهد في الأشهر الأخيرة من ولايته كما على إعطائه فرصة تعويم صهره سياسياً علماً بأنه سيستفيد من احتمال رفض دعوته الى الحوار من أجل رمي كرة رفض التعاون لإنقاذ البلد على القوى الرافضة للدعوة الحوارية. ولعل الحوار يصبح أجدى إذا جرى على أثر الانتخابات وبعد اتضاح التوازن السياسي الذي سيصبح عليه الواقع السياسي ولا سيما أن الانتخابات قد تتيح فرصة إشراك المجتمع المدني إذا نجح الأخير في فرض نفسه وتثبيت وجوده في مجلس النواب وفي الواقع السياسي.

تتلاقى معلومات أفرقاء مختلفين على مدى المأزق الذي لم يعد يواجه فقط الرئاسة الأولى في الهزيع الأخير من الولاية، بل أيضاً تيّارها وفرصته في البقاء “قويّاً” بقوّته أو حتى بتحالف وحيد بات محصوراً بالحليف الشيعي الذي يتسبّب أيضاً بزيادة مأزق التيّار في بيئته المسيحية، في ظلّ انكشاف مسؤوليته المتزايدة عن زجّ لبنان في واقع صعب إقليمياً ودولياً وفي منع إنقاذ البلد.

السؤال لدى البعض يتصل بما إن كان الحزب يمكن أن يعطي عون وتيّاره ترضية تلبية الدعوة الحوارية ولو من حيث الشكل فيستطيع رئيس الجمهورية استعادة بعض الوهج لموقعه من خلال إعادة لمّ شمل القوى السياسية من حوله ولو من دون نتيجة عملانية أبعد من ذلك، اللهم باستثناء إتاحة جمع رئيس تيّاره كذلك مع رؤساء الأحزاب الأخرى على طاولة واحدة، إذ قد ينجح في تأمين التواصل وربّما أكثر من ذلك. وذلك علماً بأنه سيصعب على القوى السياسية تلبية دعوة معروفة الأهداف مسبقاً. ولكن التحدّيات كبيرة في السنة المقبلة ولا سيما في الانتخابات النيابية والرئاسية، والجميع يسعى الى لعب الأوراق المتاحة بين يديه بمعزل عن واقع إن كان ذلك يصبّ في مصلحة لبنان واللبنانيين لأن هذا الأمر ليس في الحسبان فعلاً على رغم كل الادعاءات والمزاعم. فالمشكلة أنه مع انهيار لبنان وتفكك مؤسساته، الذي قد يكون فرصة لإعادة بناء صحيحة أو ترميم جيد، تُستخدَم الآلية نفسها والأدوات نفسها والعقلية نفسها أيضاً، وهذا لا يمكن أن يبدأ مجدداً على القواعد والأسس القديمة نفسها. لا يدرك أهل السلطة أن الكثير من الأمور قد تجاوزتهم فعلاً فيما ثقة اللبنانيين بهم غير موجودة، وهموم هؤلاء لم تعد تقيم اعتباراً لأهل السلطة وما تقرّره أو تراه بمعزل عنهم.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى